المالكي والهاشمي تحالف الأقوياء

د. هدى حمودي

في جميع النظم السياسية وفي كل الحكومات الديمقراطية في العالم هناك ما يسمى بالرجل الثاني أي الرجل المتوافق المساند المساعد للرجل الأول في البلاد سواء كان رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية وطبيعة هذا الرجل تمليه ظروف الدولة المرحلية فهنري كيسنجر السياسي الامريكي (ألماني الاصل) ووزير خارجية الولايات المتحدة في عهد نيكسون و جيرالد فورد. حامل جائزة نوبل للسلام بعد مساهمته في وقف حرب الفيتنام 1973 و مهندس إتفاقية السلام المصرية الأسرائيلية (كامب ديفيد) 1979 ,بقي حامل لقب الرجل الثاني في العهدين "نيكسون وفورد" بل حتى في الحكومات اللاحقة رغم غياب التوصيف الوظيفي , وفي الثمانينات من القرن الماضي وفي أثناء الحرب العراقية – الإيرانية وحيث الحاجة إلى ديمومة السلاح والعتاد كان حسين كامل الرجل الثاني لصدام حسين وكانت العلاقة محكومة بهدف واحد هو تحقيق النصر في الحرب .

وبغض النظر عن الوشائج الاجتماعية التي تربط الرجلين الا ان الجامع الأكبر هو الهدف , ذلك ان الوشائج الاجتماعية لم تجد نفعاً بعد تغير الهدف فقد أمر صدام بتصفية حسين كامل على خلفية خيانته وتمرده على أوامر الرئيس .

ما نريده هنا التوضيح لفكرة الرجل الثاني الذي تمليه طبيعة المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد حيث هناك شعور سني بالإقصاء والتهميش بل بالاستهداف وان رموز السنة يتباينون في التعاطي مع هذا الشعور فهناك المتطرف الذي يدفع السنة الى القتال والاستشهاد لقلب الموازنة وهناك من يراهن على إعادة عقارب الساعة الى الوراء من خلال الحكم الانقلابي الثوري فلا يقوى على الانقلاب ولا يتجه الى التفاوض مع الشيعة لتحصيل الحقوق وفي الحالتين يدفع أبناء السنة الثمن في هذه المعركة فالأول قد حرق السفن وخطوط التراجع وليس أمامه الا الموت والثاني يمني نفسه بالأحلام وتمضي الأيام وتزداد معها معانات أهل السنة .

الا ان ثمة تيار ثالث خاض غمار معركة الوجود مع التيارين من جهة ومع التيار الحكومي من الجهة الأخرى ففي الوسط السني المتطرف كان مسؤولاً ومتهما بشرعنه العملية السياسية اما الانقلابيون فهم جزء من العملية السياسية الا أنهم ناقمون على التيار الثالث لانه ينافسهم على زعامة الشارع السني .

لقد تمثل التيار الثالث بظهور حركة تجديد التي يتزعمها نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي والتي طرحت عقداً وطنياً قائماً على الانتقال بالبلاد من دولة المكونات الى دولة المواطنة وهذه الجزئية تعكس التشخيص الدقيق للمعضلة التي تواجه البلاد فرغم ان الدكتور رافع العيساوي والدكتور ظافر العاني قد خرجا بمشروع المستقبل العراقي الذي انبثق عن جبهة التوافق الا انه استقطب أنصار التيار الثاني فأصبح الأقرب الى جبهة الحوار ذات الميول البعثية .

ما يميز حركة تجديد الوليدة هو انها في فترة قصيرة جداً أوجدت لها قواعد في اغلب محافظات العراق وهذا لم يكن وليد الصدفة بل ان التأسيس الأول لمكاتب الهاشمي كان منفتحاً على كل المحافظات والطوائف فكان عبارة عن عراق مصغر يضم الطوائف والقوميات والأديان وفي الوقت الذي دفعت الأحزاب والقوى السياسية بمليشياتها إلى صفوف القوات المسلحة رفض الهاشمي الفكرة إدراكاً منه للإبعاد الخطيرة التي تختفي ورائها والتي كانت اللبنة الاولى للحرب الأهلية .

وقد دفع الهاشمي ثمن هذه المواقف باستهداف عائلته وقتل أشقائه الثلاثة, هذه المبادئ وهذه المواقف اكسبت الهاشمي قبولاً كبيراً في الأوساط الشعبية وقد تعزز ذلك بشكل كبير بعد خروجه من الحزب الاسلامي ولكن ما يؤسف له ان الهاشمي بقي معزولاً من القوى السياسية الأخرى المجانبة للحكومة في حين ان ما ينبغي ان يحصل هو ان تتحالف الأطراف القوية في الحكومة مع الطرف القوي المعتدل في الشارع السني وفي ذلك نجاح للبرامج التي طرحت في الانتخابات ,وهنا المغزى الحقيقي من الدعوة لفكرة الرجل الثاني .

المالكي من جانبه خرج من الائتلاف العراقي الموحد الذي ارتكبت أطرافه جرائم يندى لها الجبين خاصة فيلق بدر وجيش المهدي والجماعات المسلحة المرتبطة بالمجلس الاعلى وجماعات الإبادة المرتبطة بالمؤتمر الوطني "حزب احمد الجلبي" . وأسس تياراً معتدلاً اسماه دولة القانون والذي شرع في شن حملة ضد المليشيات المسلحة وضد القاعدة في آن واحد رغم ان السنة يتحفظون على طريقة تعاطي السيد المالكي مع ملف الصحوات وملف المعتقلين الأبرياء . الا ان المالكي يبقى الأقرب بين الأطراف الشيعية الى السنة ويمكن القول ان المالكي الاقوى في الشارع السني من بين الشيعة مثلما الهاشمي الاقوى في الشارع الشيعي من بين القادة السنة وهذا هو المبرر من الدعوة الى تحالف الأقوياء ونقصد تحالف المالكي مع الهاشمي تحالف القبول المتبادل بين الجمهور الشيعي والسني , الا ان ما يثير الاستغراب هوان المالكي دار ظهره عن هذه الحقيقة وإن الهاشمي تمسك بما طرحه اياد علاوي في اطار العراقية في حين كان معولاً عليه في اقناع العراقية للتحالف مع المالكي والإسهام في استمرار مسيرة الإقصاء ضد المليشيات المسلحة في الائتلاف الوطني وفي نفس الوقت إيقاف مسلسل الابتزاز الكردي للحكومة المركزية .

قبل فوات الأوان نقول ان المطالب الكردية لن ترى النور وان الحكومة الحالية لن تعمر طويلاً ما يستدعي من القانون والعراقية العودة الى التفاوض وان يقدم السيد المالكي تنازلات ترضي السيد علاوي في ايجاد مؤسسة تضمن مشاركة العراقية في صنع القرار لاسيما وان الأجواء أصبحت مواتية لذلك فالمالكي بما لديه من دعم وهو طرف قوي, والعراقية بما تمثله من عمق هي الملاذ الآمن لنهاية العلاقة المشبوهة التي جمعت الوطنيين والعنصريين مع القوى الطائفية بمباركة ايران .

كما أن المالكي بما طرحه وبما وعد به , والعراقية بما تمثله من عمق في الشارع السني ومن رمزية متمثلة في الهاشمي اليوم امام اختبار للنوايا وان هذه المرحلة تمثل انعطافاً خطيراً في مسيرة العملية السياسية فالعراقية اليوم مهددة بالتفتيت وهذا بحد ذاته يشكل خطراً على المالكي اكثر مما يشكله من خطر على زعماء القائمة العراقية فعلاوي ليس لديه ما يخسره والمالكي سوف يخسر طرف الموازنة فهو مقبل على ابتزاز كردي وصدري وما لم تكن العراقية قوية ومتماسكة وموالية لبرنامج المالكي وعلاقته قويه بقادتها فانه سيحاصر وتسلب إرادته ويفشل مشروعه .

مرة أخرى نقول إن المالكي والهاشمي على المحك في اختبار النوايا الوطنية ,المالكي مطالب بالتواضع للعراقية والهاشمي معني في الحفاظ على وحدة وتماسك العراقية فقد قدم الهاشمي في سبيل ذلك تضحيات كثيرة وتنازلات مرة لحلفائه في العراقية دون تقدير حقيقي منهم للرمزية التي أضفاها تحالف الهاشمي مع علاوي فعلى الهاشمي المضي في مسلسل التواضع وعلى المالكي الوعي بخطورة المرحلة والتي تتطلب من المالكي مواجهة المشكلة بنفسه بعيداً عن البطانة التي تمتاز بالتطرف والتي تعقد الأمور وتربك المشهد السياسي مدفوعة بالرضوخ للأجندات المعادية وحتى ذلك اليوم سيبقى العراقيون يقدمون تضحيات من أموالهم ودمائهم ,كما ان وجود علاوي امر هام ولكن لايلغي رمزية الهاشمي ولا يلغي دوره في تجاوز التحديات ويصح عليه تسمية الرجل الثاني بغض النظر عن الموقع الذي سيشغله في الحكومة القادمة.

 ولكن المبادرة تبقى بيد دولة رئيس الوزراء الذي سيتقدم بخطوات ايجابية سيكون لها انعكاسات كبيرة على الصعيد الوطني وستكون مشجعة للسيد الهاشمي في فتح آفاق علاقاته مع دول الجوار وبذلك يكون التكامل مجسداً في حكومة وطنية تطوي صفحات الاقتتال وتفتح الأفاق أمام دولة قوية آمنة يعيش فيها الجميع بأمن ورخاء .