كل تزوير وأنت طيب يا شعب مصر
وفاء إسماعيل
سلطة تشريع القوانين أم تشريع التزوير؟
صفعة أخرى وجهها النظام المصري على وجه الشعب المصري، ليس على وجهه فقط بل على قفاه .. ما الجديد في ذلك؟ لا شيء سوى أن المصريين تعودوا (الضرب على القفا)، ولا تجد شعب في العالم يستعذب الضرب على القفا كما هو الشعب المصري .. تعود عليها بيد رجال الشرطة، وبيد بلطجية الحزب الوطني الذين تم استئجارهم لفرض عملية التزوير في كثير من الدوائر الانتخابية، تشريع التزوير أصبح سمة من سمات النظام في مصر، وأصبح معظم عناصره من أعلى هرمه إلى قاعدته ملطخا بوحل الفساد والكذب.
انفضح النظام المصري (فضيحة بجلاجل)على مستوى العالم حتى قبل إجراء عملية التزوير (أقصد المسماة انتخابات) وشاهدت شعوب الدنيا كم نحن المصريون طيبون جدا إلى درجة العبط، ففقدنا حتى أدنى درجة من درجات التعاطف مع أحوالنا التي تسر العدو وتغضب الصديق.
الدكتور مصطفى الفقى خرج علينا في برنامج ما وراء الخبر في قناة الجزيرة يؤكد أن الشرطة وقفت موقفا حياديا عكس كل الانتخابات وعلى يمينه فيديو مصور لعناصر الأمن المركزي وهى تنهال على رؤوس الناس بالهراوات والعصي نساءا ورجالا ..لا فرق .. والصرخات تتعالى مستغيثة مما يؤكد كذب ادعاءات الدكتور المبجل، وتضمن التقرير تكذيبا آخر للعضو محمد عبد السلام عندما سئل عن حالات التزوير في داخل الدوائر الانتخابية فيجيب بالنفي مع أن الصورة والمشاهد الحية بجانبه تؤكد تفشى عمليات التزوير في غالبية الدوائر.
أصر الحزب الحاكم في تلك الانتخابات على إبعاد الإخوان المسلمين من تحت قبة البرلمان بكل الوسائل وكأنها معركة حياة أو موت بالنسبة له، فالحزب الحاكم تعلم الدرس وأقسم على فقأ كل العيون التي راقبت فساده خلال الخمس سنوات الماضية وفضحت رموزه، لذا كان عليه تطهير المجلس من كل المراقبين لدوره وأداءه السيء ليتمتع هو باستقلالية اتخاذ القرار وسن القوانين التي تخدم الفساد وتغذيه، كما نجح من قبل في إبعاد القضاء الذي كان يشرف على الانتخابات ، وإبعاد كل المنافسين للرئيس على منصب الرئاسة (أيمن نور – نعمان جمعة)، وحرق أوراقهم وأوراق من أتى بعدهم لمساعدة المصريين على تغيير أوضاعهم المزرية، ولم يتبق له سوى اعتلاء المنصة معلنا في تحد سافر انه الديكتاتور الأوحد في البلاد بيده كل السلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، وعلى من يعترض اللجوء للنائب العام أو لجنة الانتخابات أو يشرب من البحر.
ما حدث في مهزلة الانتخابات يوم 28 -11 – 2010م كان بمثابة تحدى سافر للمصريين بالداخل والخارج، وتزوير بين في كل الدوائر الانتخابية، واغتصاب علنى لإرادة وكرامة وطن، المسؤول الأول عنه ليس الحزب الحاكم ورموزه فقط كما يصوره البعض، بل الشعب المصري بكل فئاته، فالفرعنة لا تجد مكانا لها إلا في بيئة تغرق في السلبية والفساد، والفراعنة لا يظهرون إلا في وسط العبيد، وشعب مصر استعذب العبودية وتعود عليها من فراعنته وجلاديه، فلماذا اللوم على فرعون مادام العبد راض ومستسلم لسطوته.؟
يوم 28 نوفمبر 2010م سيظل كارثة بكل المقاييس، ليس بسبب تزوير إرادة المصريين بل لأنهم فقدوا أخر أمل لهم في التغيير السلمي وأصيبوا بالإحباط واليأس، الذي سيدفعهم حتما إلى القبول بالأمر الواقع الذي فرضه الحزب بقوة البلطجة وليس بقوة القانون الذي داسوا عليه بأقدامهم .. وأمام هذا الخضوع وهذا الاستسلام، نقول لكل مصري مبروك عليك الحزب الوطني ومبروك مقدما الوريث القادم لمصر ، وحان الوقت لتتحمل أعباء وتبعات خضوعك واستسلامك، ولكل مصري: أنت من قررت مصيرك وتخليت عن دورك في الدفاع عن حقوقك وتركت خفافيش الظلام يزورون إرادتك .. من اليوم الشعب المصري ليس بحاجة لا لمعارضة تكشف عورات النظام وفساده، ولا لقضاء يحمى حقوقه، ولا لصحافة حرة تدافع عنه طالما اختار الشعب المصري السلبية منهجا والرضوخ طريقا ممهدا مفروشا بالورد لغربان النظام .. من اليوم لا تبك ولا تشكو ولا تصرخ من جلاديك لأنك تنازلت عن الحق وتركت اللصوص يسلبونه منك ووقفت عاجزا عجزا مشينا تخجل منه أدنى مخلوقات الأرض التي تعودت الدفاع عن كرامتها وحريتها وحقوقها .. !!
هذا الكلام بالطبع أقوله حسرة وألما على سمعة بلد تم تلويثها على يد هؤلاء المزورون، وشعب هانت عليه كرامته فخسر تعاطف شعوب العالم معه، الكل يتساءل ..لماذا قبل الشعب المصري بكل هذا الذل وهذا الهوان؟ كيف يسكت المصريون على انتزاع إرادتهم بهذه الطريقة الفجة التي انتهجها الحزب الحاكم فى ذلك اليوم الأسود؟ كان أشرف لأحزاب ما يسمى بالمعارضة أن تستمع للنصيحة بمقاطعة الانتخابات من البداية بدلا من إعطاء أهل التزوير فرصة للنيل منهم بالتزوير والتحايل والكذب والغش، مبررين دخولهم الانتخابات بحجة فضح النظام ، فالنظام معروف سلفا بطرقه اللا شرعية واللا قانونية التي ينتهجها لضمان بقاءه في الحكم طالما وجد من يسايره ويصدق وعوده الكاذبة بالنزاهة والشفافية، الفضيحة لم تطل النظام لانه فى الأصل مفضوح في كل انتخاباته السابقة .. بل الفضيحة طالت من وقف يناطح هذا النظام فى ساحة لا تستظل بأي مظلة شرعية ، ساحة مدججة بعناصر الامن الموالين لهذا النظام ، مليئة بخفافيش الظلام وعناصر البلطجية والمزورين وكدابين الزفة، فمنحوا كل هؤلاء فرصة النيل منهم بطريقتهم التى عهدناها، وخرجوا من المعركة منتصرين، يشربون نخب انتصارهم، يمنحون الألقاب لكل من حاك المؤامرة (بقاهر الاخوان)، ومن قهر الأعداء (بالعبقرى) .. فخلت الساحة لهم ، ولم يتبق إلا الشعب المصري أمامهم يقررون مصيره ويستكملون مسرحياتهم الهزلية أمام العالم لإقناعه انهم حماة الديمقراطية في مصر وهم أول من شوه صورة الديمقراطية وحولوها إلى هيكل مسخ لا يصلح للتطبيق إلا في الغابات ووفق قانون الغاب .
نصيحتي للمعارضة أي أن كانت مسمياتها سواء إخوان أو وفد أو تجمع .. لملموا ما تبق لكم من كرامة وانسحبوا من ساحات الغش والتزوير التي جركم إليها الحزب الحاكم اللا شرعي، فما عادت تلك الساحات تصلح لمعارك غير متكافئة بينكم وبين هذا الحزب المشوه، اختاروا لأنفسكم دورا يليق بكم كرموز مشرفة لوجه مصر لا دورعرائس "مارونيت" يحركها النظام كما يشاء وقتما يشاء، فمجرد وجودكم على الساحة أعطى لهذا النظام شرعية لا يستحقها وكنتم بمثابة ديكور يعمل على تجميله، وتلميع صورته أمام العالم .. كشفتم فساده؟ فماذا فعلتم أمام اكتشافاتكم؟ هل تحرك الشعب المصري عن بكرة أبيه يدعم مواقفكم ويتصدى معكم لنظام فاشى؟ هل استطاع القضاء النزيه محاسبة الفاسدين وتقنين جرائمهم أو ردعهم والتصدي لهم؟ عشرات الأحكام القضائية داسوها بأقدامهم وأهانوا القضاة وسحلوهم في الشوارع وضربوا بأحكامهم عرض الحائط ، لا تتخذوا حرصكم على مصالح الشعب المصرى ذريعة لتواجدكم .. فالشعب المصري بلغ سن الرشد وبات قادرا على تحمل المسؤولية وعرف مثالب النظام الذي يحكمه ولكنه تعود على الإتكالية ووجودكم جعله ينتظر الخلاص يأتيه (على طبق من ذهب) في حين يدفع الشرفاء الثمن وحدهم داخل السجون والمعتقلات، دعوه في مواجهة النظام وجها لوجه .. فمن لأراد الحرية فليسع لها وليدفع ثمنها، ولينتزعها من جلاديه.