الإخوان في سورية واختيارهم, حياة المساكين
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
كما يخطر في نفسي من تعريف المسكين ولكن سمعته منذ مدة طويلة (المسكين هو من إذا حضر لا أحد يشعر بحضوره , وإن غاب لا أحد يذكره)
وتقول أم كلثوم في إحدى أغانيها (أهل الهوى صحيح مساكين.....)
فأهل الهوى والمحب يكون مسكيناً يعتزل الناس والأصدقاء ويغوص في بحر الأحلام والأمنيات والتغزل بحبيبته , وكذلك الحبيبة أيضا ,ً وخاصة إذا كان الأمل ضعيف في الزواج
وعندما رأى إخواننا في أنه لا أمل يرجى من اللقاء مع الحبيب اختاروا الغزل والشعر والأناشيد, والكباب الحلبية ورمان دركوش وجميع الأنواع من المأكولات السورية , وصور من التراث وحكم وأمثال ,فلا ليلى تزوجت قيساً ولا جميل تزوج بثينة , بحب عذري عاد لربوع الشام عند الإخوان (فأهل الهوى صحيح مساكين ...والله مساكين)
ولكن مساكين أهل الهوى يذكرهم الناس , وتتلاعب مشاعرهم الرقيقة والحساسة في ذكراهم
ولكن إخواننا أرادوا أن يظهروا بمسكنة أكبر من مسكنة أهل الهوى , وكانت الخطوة الأولى والجريئة ولم يعقبها بعدها خطوة أخرى , فبتلك الخطوة وصلوا لأعلى درجات المسكنة , فلن يحضروا جمعا ولا يريدون أن يذكرهم أحدا وكانت الخطوة الأولى والأخيرة:
الهدنة, والمعروف عن الهدنة أن لها مدة محددة وقد تلغى قبل المدة لاختلال شروطها أو اختلال أحد أركانها , بين الفريقين المتصارعين , بينما الهدنة التي أعلنت كانت من طرف واحد , والطرف الذي أقرها يلغيها في أي وقت يشاء , لعدم ارتباطها بمعاهدة مع الطرف النقيض
مع أن الهدنة التي أعلنت (بوقف الحملات الإعلامية ضد النظام السوري ) والتي جاءت كما فهمته نتيجة وجهات نظر من شخصيات وعلماء مسلمين مقربين من النظام وأحزاب إسلامية , والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين , وعلاقتهم الجيدة مع النظام , في أنه نظام ممانع مقاوم كما يدعون أو يتوهمون ذلك.
واستجاب إخواننا للاقتراح , واعتبروه تكتيكاً سياسياً كشاهد إثبات لهؤلاء, على أن النظام السوري لا يهمه الأمر لا من بعيد ولا من قريب .
وبدأت لعبة التعري فقالوا لهم ذلك لا يكفي , وإنما عليكم بخطوة ثانية, أن تفكوا ارتباطكم مع جبهة الخلاص ففعلوها , ولم يجدوا بالمقابل شيئاً , واشتدت شراسة النظام ضد المواطنين السوريين وسوء المعاملة لعناصر وأبناء الإخوان في الخارج من قبل السفارات السورية
وكانت الخطوة التي تليها: نزع ورقة التوت الأخيرة في الدعوة لإلغاء جماعة الإخوان وحل أنفسهم
ولكن الجماعة رأت أن ذلك ليس بمصلحتها, وعليها أن تحتفظ بورقة التوت, فاختارت حياة المسكين , فلا لها أثر في ندوات ولا اجتماعات ولا مؤتمرات , وأصبح البحث فقط عن مكان تجد نفسها فيه: إن حضرت لا أحد يشعر بوجودها , وإن غابت لا أحد يشعر بغيابها
مع أن الحملات مستمرة على النظام من جميع الأطراف الأخرى , على صفحات الشبكة العنكبوتية , والجرائد ووسائل إعلام كثيرة وحتى على الفيس بوك , ومن النادر أن تجد عنصراً من الإخوان يشارك فيها , وإن شارك يشارك على استحياء
إنه الموت البطيء, وتفريغ أهداف الجماعة من كل مضمون , لتمهيد الطريق لحلها
فمرض الشخص عندما يطول تهتم الناس فيه في بداية مرضه ولفترة معينة وبعد ذلك , يصبح وضعه عادة ينبري بعض المقربين منه في الدعاء له بالموت حتى يرتاح من علله ويريح أهله ومن حوله من المقربين إليه
هذه الهدنة التي أعلنها الإخوان قيدت الكثير, وكبلت أفكارهم وأقلامهم ومبادراتهم, ولا نسمع إلا أطروحات فكرية , تناشد الإخوان للاعتذار عن الماضي وحل أنفسهم , فهي وجهة نظر لعلها تصب في الخروج من حالة المسكنة تلك
أذكر مرة كتبت مقالاً ووضعته في مركز البحوث الإستراتيجية العربية , وشنت علي حملة مسعورة من قبل المثقفين الموالين للنظام السوري , فاتصل أحد عناصر الإخوان بالأستاذ مؤمن كويفاتيه , وقال له: الحق صاحبك فقد شنوا عليه حملة كبيرة , مع انه يستطيع أن يدافع عن موقفي , بنفس قدرة المناشَد ولكن ! أو ربما أفضل , ولكنه لم يفعل لالتزامه بذلك القرار
ومنذ شهر تقريباً تعرضت لمختلف أنواع الشتائم والسباب بسبب المقال الذي كتبته بعنوان (المعطيات القديمة الحديثة في لبنان تنذر بعواقب وخيمة لن تنجو منها سورية كما يعتقد البعض ) , ومع اعتقادي بوجود بعض الأخوة ممن كانوا يتابعون ذلك على الموقع ولكن لم ينطق أي واحد منهم بكلمة واحدة , والأستاذ مؤمن كويفاتية لم يكن موجوداً على الساحة وقتها
فلن أطيل أكثر , وإنما أُذكر جماعة الإخوان المسلمين السوريين وأكون ناصحا ولا شامتاً ولا متهجما
فقد استمعتم للنصائح, وخضتم مع نصائحهم حتى النهاية, ووجدتم الخسارة الكبيرة , ولم تحصدوا من ذلك شيئاً, وأصبح الطريق أمامكم في غاية الوضوح
وما عليكم إلا الاختيار بين طريقين :
الطريق الأول :
إطلاق الحرية في مهاجمة النظام ,وكل حسب إمكانياته مجتمعين أو منفردين , مشاركين في جميع الأنشطة الثقافية والسياسية والمؤتمرات التي تناشد بالتغيير , وتغيير النظام المستبد الفاشي والنازي في سورية , لتعودوا لثقلكم القديم في الحضور والرأي والفعل والقرارات
الطريق الثاني:
بقاء الوضع على ما هو عليه فهو موت بطيء, وحياة مسكين ويكون الوضع في هذه الحالة :
لا ضرر يخشى منه, ولا منفعة ترجى منه, فوجوده وعدم وجوده سيان , ولن يهتم فيه الناس , ولن يشعر بوجوده إنسان.