جريمة في كنيسة بغداد

صلاح حميدة

[email protected]

صدم  الغالبية العظمى من المسلمين عندما رأوا وسمعوا عن الجريمة التي اقترفت في كنيسة النّجاة في عاصمة الرّشيد، عظم الجريمة  وعدد القتلى الكبير أصاب الكثير من الناس بالحيرة من دوافع وتبريرات ما جرى، وبتفكير عميق في تفاصيل الحدث، لا يجد أي إنسان سويّ أيّ  تبرير ديني ولا خلقي ولا سياسي لما جرى في الكنيسة.

رددت وسائل الاعلام أنباء عن تبني تنظيم القاعدة للجريمة، وإن كانت القاعدة تبنت أو اقترفت الجريمة أم لا، فالأمر يحتاج لوقفة جادة، تسمع صوتاً لا تردد فيه لكل العابثين في البنية المجتمعية والعرقية والدّينية والسياسية والجغرافية في العالم العربي، إن كانوا عابثين كبار أو أدواتهم الصّغيرة، فالقاعدة عبارة عن تنظيم هلامي وقناع يلبسه الكثير من الأجهزة المخابراتية العالمية، وما جرى ويجري في العراق أثبت هذا على أرض الواقع، هذا طبعاً لا يبرّىء القاعدة من الجريمة إن كانت فعلتها فعلاً.

لم نكن نسمع عن هكذا أحداث  قبل احتلال العراق من قبل القوى الاستعمارية الغربية، ولم يكن المسيحيون مستهدفون، بل لم يكن هناك ما يشعرهم بأنّهم  غير مرحب بهم، فهم مواطنون أصلاء في هذه الأرض منذ الفتح الاسلامي وحتى اليوم، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، من آذاهم آذانا ومن اعتدى عليهم اعتدى علينا، هذا ما تعلمناه من نبينا وهذه عهدة خلفائنا من بعده.

الاسلام أقرّ التنوّع الديني والعرقي ولم يسعى للتطهير الديني أو العرقي، بل أعطى هؤلاء الحق بالمشاركة والوجود والعبادة، وحرّم وجرّم الاعتداء عليهم وعلى رهبانهم وعلى صلبانهم وكنائسهم، التسامح الاسلامي وحرصه على الابقاء على التنوع الديني والعرقي، واعتباره ذلك ذخراً وثروةً يتفاخر بها المسلمون أمام الشعوب العنصرية في أوروبا وغيرها، هذا التسامح دفع المسيحيين في الشّرق  إلى المشاركة في الثقافة والحضارة والانتاج العلمي والأدبي،  والمشاركة في العمل الحربي العربي الاسلامي ضد الأعداء الخارجيين، واندمجوا في الحضارة والثقافة العربية الاسلامية باسهامات ظاهرة، فلا يمكن أنّ يقدّم الانسان روحه  ومعرفته في خدمة دولة تظلمه.

القضاء على دولة  الاسلام وتفتيت أراضي المسلمين من قبل الغرب العنصري أدّى لتمزق العالم الاسلامي والمسلمين، وأدى الاستهداف المستمر للمسلمين لظهور ظواهر كتلك التي تسمى بالقاعدة، وهؤلاء يقومون بجرائم لا علاقة لها بالاسلام والمسلمين تحت لافتة الدّفاع عن المسلمين وردّ الأذى عنهم، وتحت لافتة الدّفاع عن مسلمة في صعيد مصر يقتلون المصلّين في كنيسة بغداد، فالحل في مصر لا يكمن بارتكاب مجازر واحتجاز رهائن في الكنائس في العراق، ولكنّه يكمن بأن تقوم الدّولة بدورها  تجاه كل مواطنيها إن كانوا مسلمين أو مسيحيين، أمّا في العراق وفي كنيسة النّجاة تحديداً، فالمستغرب أن يدخل هؤلاء المجرمون لمنطقة محصنة  في حي دبلوماسي  في قلب بغداد ويذهبوا لقتل المصلين في الكنيسة بينما الأهداف  الاحتلالية موجودة في نفس المنطقة، وهذا يثير تساؤلات عن الدوافع الحقيقية وراء هذا الهجوم، وعن الأطراف الحقيقية التي تلبس قناع القاعدة ونفّذت هذا الهجوم بتجنيد مجموعة من السّذج الذين لا يفقهون شيئاً من الاسلام - مع أنّهم يدّعون غير ذلك- فبأيّ تأصيل شرعي يقوم هؤلاء بجريمتهم؟ وكيف يقتلون من أمروا بحمايتهم وعدم التّعرض لهم؟ فهذه أفعال لا تمت للإسلام والمسلمين بصلة،  وبما أنّه لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ومنع الجريمة الّتي اقترفت، إلا أنّ هذا وقت إعلاء الصّوت والتّبرؤ من المجرمين وجريمتهم وعزلهم وتبيان تناقض جريمتهم مع  بالدّين الاسلامي وسلوكيات المسلمين.