الحياد المفقود في المصري اليوم

الحياد المفقود في المصري اليوم

ممدوح أحمد فؤاد حسين

[email protected]

من البديهيات التي يفرضها الإيمان بالحريات الدينية أنه لا يجوز للأخر أن يتعرض لما يحدث أو يقال من أفكار ومعتقدات داخل دور العبادة إلا في حالة الحض على كراهية الآخر، أو تعريض الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي للخطر، هنا يجب مواجهتها فكريا وقانونيا.

أما الأفكار والمعتقدات التي لا تحض علي الكراهية ولا تعرض الوحدة الوطنية للخطر - حتى وإن كانت خاطئة من وجهة نظر الأخر- فلا يجوز أيضا التعرض لها ما دامت محصورة داخل دور العبادة، أما إذا نشرت في وسائل الإعلام العامة التي يتابعها المصريين جميعا باختلاف دياناتهم، فهي بذلك تتحول إلى مسائل عامة يجب نقدها وإخضاعها للعقل، والرأي والرأي الآخر، ولا يجوز إطفاء القداسة عليها أو تقديمها للناس على أنها حقائق مسلم بها، ويتم حمايتها بحجب التعليقات أو المقالات المخالفة لها في الرأي لأن في ذلك فرض لفكر وعقيدة معينة على المصريين جميعا، وتغرير بالبسطاء والعامة محدودي الثقافة الدينية من أتباع الدين الآخر.

 بتاريخ 22/10/2010 نشرت المصري اليوم الخبر التالي:

 ((وردا على سؤال من أحد الحضور للعظة حول إمكانية استخدام الملاعق البلاستيكية بدلا من المعدنية للتناول بما يتيح استخدامها مرة واحدة، للمساعدة على عدم نقل الأمراض نتيجة تكرار استخدام الملعقة المعدنية من شخص لآخر، قال البابا: «هذا الكلام خطية كبيرة، أسرار الكنيسة تشفى من الأمراض، ولا يصح أن نقول إنها تنقلها».

..... وأعلن البابا فى نهاية العظة سفره إلى أمريكا فى رحلة علاجية دورية، ......)).

والخبر على الرابط التالي:

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=274288&IssueID=1931

وللأسف الشديد فإن المصري اليوم تعامل مع الخبر وقدمه للقارئ على أنه حقيقة مسلم بها، وأضفي عليه الحماية من النقد فحجب جميع التعليقات التي توضح التناقض الذي وقع فيه البابا باعتباره القاعدة العلمية الطبية التي توجب عدم استخدام المعلقة إلا لشخص واحد حتي لا تنتقل الأمراض, أعتبر ذلك خطية كبرى، وأكد أن أسرار الكنيسة تشفي الأمراض ثم في نهاية الخبر أعلن البابا سفره إلي أمريكا للعلاج!!.

إذا كانت أسرار الكنيسة تشفي الأمراض فلماذا لا يتناولها وينعم بالشفاء العاجل!!

الغريب أن التعليق الوحيد الذي نشرته المصري اليوم كان تحت عنوان: (شكرا لك سيادة البابا) ونصه (لقد وافقت فتواك الصواب فشكرا لك. هذا هو العقل بعينه).

أين العقل في في إنكار الحقيقة العلمية التى تؤكد نقل الأمراض بواسطة استخدم أكثر من فرد للأدوات الشخصية مثل المعالق وفرشاة الأسنان وماكينة الحلاقة ..إلخ؟؟!!

أين العقل في أن يقول البابا ما لا يفعل؟!!

سنصدقه أن أسرار الكنيسة تشفي الأمراض، فلماذا إذن يسافر إلي أمريكا للعلاج في رحلات مكوكية!

أليس في نشر هذا الخبر بهذا الأسلوب تغرير للبسطاء محدودي الثقافة الدينية من الغالبية العظمي من الشعب المصري الذين لا ينتمون إلى كنيسته؟

أليس من الواجب علي علماء المسلمين في هذه الحالة أن يوضحوا لأتباعهم زيف هذا الخبر حتى لا ينخدع المرضى البسطاء؟  والمريض كالغريق يتعلق في قشه كما يقول المثل الشعبي.

بكل تأكيد إن نشر ما يدور داخل الكنيسة من أقوال وأفعال ومعتقدات هو حق أصيل لإدارة المصري اليوم، بشرط الألتزام بمعايير واحدة في مناقشة الأمور الدينية الإسلامية والكنسية.

إن المصري اليوم تسمح بنقد ومهاجمة، بل والسخرية من  أفكار وآراء أي عالم إسلامي حتى ولو كان شيخ الأزهر نفسه، فلماذا لا يتم ذلك مع البابا؟!!