لمعرفة مصير طل الملوحي
تقييم أولي لحملة
أحمد مولود الطيار
في الحملة "لمعرفة مصير طل الملوحي" التي يقوم بها حاليا نشطاء حريات سوريون (على "فايس بوك") ومصريون وعرب من أجل كشف مصير المدونة السورية الشابة التي كانت تحضّر لدخول الامتحانات العامة للشهادة الثانوية، وتم اعتقالها قبيل ذلك في 9 كانون أول/ديسمبر 2009 مما أدى الى حرمانها من التقدم لتلك الامتحانات، ولا يزال مصيرها مجهولا حتى الآن...
في تلك الحملة أحدث نشطاء رأي وحقوق انسان مصريين فرقا مهما فيها عندما ترجموها على الأرض وقفة احتجاج أمام مقر السفارة السورية في القاهرة، في الحملة تلك يصح الحديث هنا عن كرة الثلج المتدحرجة واقعا ملموسا، فلا تشرق شمس يوما الا وتحتها جديد، ولا يمر يوم إلا وحبر يسيل، فكثرت العناوين وكثرت التحليلات وكثرت الشائعات، وغدت طل الملوحي "الخبر الصنارة" في لغة الميديا، يحتل مواقع متميزة في "عناوين اليوم". والسوق بما أنها غدت مفتوحة ومشرعة لكل عرض وطلب، دخل على خط "البازار" مروجو سلع قديمة جديدة يبتغي عارضوها أسهما مضمونة تحقق الشهرة والظهور الإعلامي و"غرين كارد" لدولة هنا وأخرى هناك.
لا يبتغي هذا المقال استطرادا أكثر مما لمّح إليه، إنما من الضروري تقييم بعض من جوانب تلك الحملة علّ المراجعة هنا تقلل من الأخطاء في حملات أخرى مستقبلية طالما مسلسل الاعتقال والقمع في سوريا لا يبدو أن نهاياته وشيكة.
في أي عمل، يغدو الحديث عن الايجابيات نافلا، لأن المهم في التقييم الإشارة بشكل مقتضب وسريع عن الايجابيات، ما يجب أن يتمّ التوقف عنده هو الأخطاء والنواقص والسلبيات. ربّما يقول قائل وهم كثر: "ليس الآن وقت نشر الغسيل القذر" وآخر: "لا تُشمّتوا الناس بنا" وأيضا: "ليس الآن وقت هذا، يجب رص الصفوف".
ليس من أجل رص الصفوف، ذلك التعبير الشمولي المقزز إنما من أجل عدم بعثرة الجهود. هذا المقال/وجهة نظر.
كثيرة هي الأخطاء التي حدثت في الحملة المشار إليها، وهذا يجب ألا يُفزع البعض ولا أصادر على أحد إن قلت نحن يافعون وأغرار ولازلنا نحبو، فنحن حديثو عهد بال"فيس بوك" اجمالا وبهكذا حملات تخصيصا، نحن حديثو عهد بالحوار ولا نتقن فن الاستماع الى الآخر، فتضيع الطاسة ويختلط عباس بدباس، لذلك أمر طبيعي وجود أخطاء، وأغلبنا لازال يتعلّم وهذا مفيد أن أردنا في تعلّمنا هذا الانتقال بنجاح من صف الى آخر.
ما هو هدف الحملة؟ ربما السؤال نشاز في رأي البعض، لكنه ضروري، لأن الخروج عن مسار الهدف يوقع في مطب تضارب الأهداف وهنا بيت القصيد. معرفة مصير طل الملوحي، هدف انساني لا يرقى اليه شك. ولا يرقى الشك أيضا في أنّ الكثير ممن شارك في تلك الحمله دافعه نبيل وهدفه فعلا معرفة مصير طل ولكن هل تكفي نوايا صادقة لإنجاح أي عمل صغر أم كبر؟!
شُحن الهدف الانساني للحملة بحمولات زائدة أضرت به، فأضاف المشاركون على تنوع انتماءاتهم وميولهم أهداف جديدة للحملة أفقرتها من هدفها الأساس والذي كان من المفترض أن يتمثل بذلك البعد الوجداني والأخلاقي الذي لو اشتغلنا عليه لأثمرنا نتائج أجدى وأكبر ولكانت قضية طل الملوحي هي قضية رأي عام بامتياز الا أن الكثير من المتطوعين أرادوا افراغ الفائض من حمولاتهم التي تثقل كواهلهم وهي حمولات ايديولوجية وسياسوية ونرجسية وفيها كان أيضا القوموية والطائفية وتشفي وحقد على النظام السوري، فوجدوا في طل مناسبة لا تعوّض لإفراغ ما في جعبهم. لذلك ابتلت طل وقولت طل وأريد عبر طل حل كل مشاكلنا وعقدنا دفعة واحدة.
ربّما يعترض كثر أن القضية من ألفها الى يائها هي سياسية بامتياز ولا يجوز التلطّي خلف غربال. اعتراض وجيه. ومنه الولوج الى مسألة مهمة لم يولها الكثير من المتطوعين أهمية كبرى.
من ألف باء علم "المقاومة باللاعنف" استقطاب وتسخير كل الجهود في القضية المراد الشغل عليها، فان لم يتم ذلك ولن يتمّ ذلك، يتمّ الانتقال الى مرحلة أخرى، وهي محاولة تحييد من لم يتم كسبه كيلا يشوش على العمل ويخرجه عن مقاصده. في الموضوع الذي نحن بصدده وقع الكثير من المتطوعين في أخطاء أخرجت الحملة عن أهدافها وما كان من الممكن لها أن تقع لو تم امتلاك النفس الهادئ والحوار المسؤول واحترام وجهة نظر الآخر وقبل كل شئ الخطة الواضحة المعالم. فكان أن خسرنا من كان يعمل معنا، مرة لأننا استفحشنا وجهة نظره، ومرة أخرى لأننا أضعنا البوصلة واختلاط المعايير بالأهداف، وهي على الأغلب معايير ذاتية تنتمي الى دائرة مغلقة سواء أكانت شخصية أو حزبية بالمعنى المبتذل لكلمة حزبية. فكانت النتيجة استعداء من هم معنا على نفس خط الهدف لأنهم اختلفوا عنا في التكتيك والوسائل والأدوات.
هنا يجب تسمية الأشياء بأسمائها حتى ولو كره الكارهون، فقصة أو قضية الفنان العالمي علي فرزات كما بات يتردد واللغط الكثير الذي دار حولها، بغض النظر عن رد الفعل الذي أبداه وأُنكر عليه، لأنه لا يليق بفنان له رصيد لا يستهان به من محبة واعجاب كثير من السوريين والعرب، إنما هو التعسف بعينه أن يُحاكم رد الفعل ويُترك الفعل المسبب له، العسف بعينه أن تُحاكم النتيجة ويُترك السبب، وعلي فرزات أراد فقط أن يشرب غيره من الكأس الذي أتهموه أنه شرب منه فكان ما كان. المهم ما تتم مناقشته هنا، ما ارتكبته الحملة من أخطاء، واستعداء فنان عالمي بهذا الحجم لأن له رأي مختلف وأدان صراحة التسييس المفرط لقضية طل، هو خطيئة ارتكبها بعض منظمو الحملة وليس خطأ فقط. ويحضرهنا تعليق لأحد المشاركين على الفيس بوك، قال فيه: "أن ما قدمته ريشة علي فرزات يضاهي الكثير مما قدمته المعارضة السورية". كذلك أُتهم من دافعوا عنه بأنهم يقبضون منه! وكأن الاستبداد هنا يُنتج على شاكلته حيث يردد معارضوه نفس التهم الجاهزة لكل من اختلف عنهم بالرأي!. على كل وجود اسم علي فرزات في الحملة وتداوله سواء كان سلبا أم ايجابا أحدث أيضا فرقا وان كان مطمح منظمي الحملة هو الوصول الى الأفضل.
هذا الأفضل يتم الوصول اليه عبر مراجعة دائمة ومستمرة وعبر ادارة واعية تعرف ما تريد كيلا يصبح الارتجال سيد الموقف وواضح تماما أن حملة "لمعرفة مصير طل الملوحي" لم يُعرف لها ادارة محددة واضحة المعالم، غلب الحماس وكثرت الشعارات وكثر التراشق، واختلط الحقوقي بالسياسي بالأيديولوجي وكل ذلك على حساب تغييب البعد الأهم وهو البعد الانساني الذي كان كاف لوحده لخلق قضية رأي عام يُستقطب فيها الكثير من السوريين والكثير من العرب، تضغط باتجاه معرفة مصير الشابة المُغيبة. هذا لم يحدث، من الممكن حدوثه لو يتم تجاوز كثير من المطبات على اعتبار أن طل لايزال مصيرها مجهولا ولازالت الحملة مستمرة. من يعمل يخطأ، انما الخطيئة أن يستمر الخطأ.

