غزة و ضبط الأمن ... مهمة من

إيمان رمزي بدران

bent_alquran@hotmail.com

عضو رابطة أدباء بيت المقدس

في زحمة الأحداث تغيب المرجعيات وفي صدمة الألم تتداخل الأمور في عين من أصيب بها فتغيب العقول للحظات وتحل محلها العواطف الملتهبة، وهذا طبيعي لحظة الأحداث المؤسفة؛ ولكن علينا ألا تكون أفعالنا وأقوالنا مجرد ردود على ما يحدث بل الأصل أن تكون ضمن عمل منسق مرتبط بمدى طويل الأجل.

وما التفجيرات الفاشلة التي سبقت الجريمة البشعة على شاطئ بحر غزة في الأيام الماضية وما سبقها من مخططات لاغتيال قيادات ورموز وطنية وإسلامية في قطاع غزة إلا إنذار بما قد يحدث وبدأ حدوثه بالفعل في الفعلة النكراء.

ورغم الشعور العارم بالغضب والاستياء من المجرمين الذين قاموا بها، واعتقادي الجازم بضرورة ملاحقتهم ومعاقبتهم كأشد ما يكون العقاب؛ لكن بعض الهدوء والتروي قد يجعل من هذا الحدث المؤسف أول الطريق نحو إعادة النظر في أساليب العمل بحيث تتسق الجهود كلها لتؤدي عملها على أكمل وجه وبعيدا عن التداخل الذي يضيع الوقت ولا يؤدي إلى نتائج عملية مرضية للمواطن الذي يسعى ويتطلع نحو العيش بأمن وأمان.

ولعل الناظر بتفحص إلى الأحداث الأخيرة يرى فيها ترتيبا إجراميا متقنا ومحاولة لإرباك المؤسسة الأمنية الوليدة بغزة بحيث يعمل على أن تفكيك عملها وزرع بذور التفرقة داخلها من خلال ضرب أهداف مشتركة بين أقسامها، والمراهنة على ضعف متوقع في تركيبتها الداخلية من حيث تنظيمها الداخلي وتخصص كل جزء منها !

فجريمة بحر غزة تداخلت فيها عناصر ثلاث:

§  عنصر جنائي بحت لأنها حصلت في وقت التهدئة وهذه هي مهمة جهاز الشرطة والمباحث العامة.

§ وعنصر أمني داخلي فهي تستهدف مواطنين ينتسبون لحركة فلسطينية معينة لها من يعاديها على الساحة الفلسطينية ويتربص بها الدوائر، وهنا يتداخل دوران دور لحركة حماس وهي فصيل استهدف أفراده وبين جهاز الأمن الداخلي باعتباره المسئول الأول عن أمن المواطنين بغض النظر عن انتمائهم السياسي.

§ العنصر الثالث عنصر كون من اغتيلوا هم من عناصر القسام أي من عناصر فصيل مقاوم للاحتلال وهنا يدخل فيه عنصر دور الكتائب في حماية مجاهديها عن طريق جهازها الأمني والذي قد يتداخل عمله من عمل الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية كما يراهن على ذلك مرتكبو هذه الجرائم !

إذن، كيف السبيل لترتيب هذه الأمور في هذه المرة ومرات لاحقة؟! إذ لا أتوقع توقف الفاعلين عن محاولة العبث بالأمن وترويع الناس لأن هذا جزء من عملهم ومخططاتهم تجاه غزة التي تمردت على واقع العبث و الفلتان، ووجهت قبلتها نحو الأمن والأمان، والطموح الذي يجب أن يكون أمامنا هو ترسيخ استراتيجية أمنية ثابتة تتشارك فيها كل القوى الأمنية بحيث تكون متناسقة متكاملة يعرف كل جزء منها مسئوليته التي تقع على عاتقه من غير تداخل ولا تعارض!

ولعلني هنا أضع ملامح عامة أراها تصلح أساسا لاستراتيجية أمنية ثابتة تتفق والوضع الأمني والميداني لقطاع غزة:

·  أولا : الفضل التام في العمل الأمني الميداني بين القوى المقاومة من جهة والأجهزة الأمنية من جهة أخرى بحيث تكون المداهمات والأعمال الميدانية في الأمور الأمنية الداخلية هي مهمة الأجهزة فقط وتكون مهمة الأجنحة المقاومة هي الدعم اللوجستي الأمني والاستخباري وحسب، فتكون بهذا سلمنا من أمر شديد الخطورة وهو التداخل الذي كان موجودا بالغعل بين المؤسسات الحركية وبين المؤسسة الرسمية والحكومية؛ وهذا مما كان يعاب على الحكومات السابقة فلم نكن نعرف أين الحركة من الحكومة! وحصر الخطاب الإعلامي للحكومة كحكومة والحركة كحركة كتحصيل حاصل لهذا الفصل فلا نسمع وزيرا يتحدث باسم حركته بل توزع الأدوار بحيث بنطق الناطق باسم الحركة عنها والناطق باسم الحكومة عنها !

·  ثانيا: العمل على دعم المؤسسة الأمنية وخاصة جهازي الشرطة والأمن الداخلي وإعطائها مزيدا من الصلاحيات والموازنات المالية لكي تكون أكثر قدرة على العمل السريع والتفاعلي مع الأحداث بسرعة وكفاية.

·  ثالثا: إصلاح بعض الخلل التشريعي فيما يتعلق بقانون العقوبات المعمول به حاليا والقانون الأساسي وأخص منها تحديدا ما يتعلق بالتخابر مع العدو وعقوبات الإعدام بحث يكون هناك بديل قانوني صالح للتنفيذ الفوري بدلا من انتظار توقيع الرئيس على قرارات الإعدام وهو ما لا يحصل فيؤدي على تعطيل القضاء والقدح في نزاهته وربما استبداله في حالات معينة بأغلبية ما في المجلس التشريعي وهو الذي يستطيع من خلال هذه الأغلبية تغيير بنود القانون الأساسي.

·  رابعا: تخصيص جلسات محاكمة علنية لبعض الجرائم الخطرة على أمن المجتمع، ومنها جرائم القتل السياسي والتخابر مع العدو، وتنفيذ العقوبات فيها بشكل علني أما وسائل الإعلام كي تكون هذه الأحكام والعقوبات رادعة للعابثين بأمن المجتمع والمواطن.

ولعل هذه الملامح هي تصور بسيط لو تم البناء عليه وإعادة بوتقته بحيث يصبح استراتيجية كاملة لمرحلة مقبلة حتى تتغير الظروف والحوادث فيكون هناك مجال أكبر للتفكير بعمق في تنظيم هذه الأمور الأمنية كلها؛ وما هذه المقترحات إلا وسيلة ناجحة لكي لا تقع الحكومة الشرعية وأجهزة وزارة الداخلية والأجنحة المقاومة في شرك ينصب لها لإثنائها بالأمور الداخلية عن الإعداد للجولات القادمة ـ لا محالة ـ مع المحتل، وما التصريحات من هنا وهناك، كما التفجيرات إلا محاولة لترسيخ هذه المحاولات.

إذن، لا بد من التنبه ومعالجة الأمر بروية وحكمة؛ بحيث تكون هذه الجريمة جرس تنبيه للحكومة والمقاومة على حد سواء لترتيب الأمن وتحديد مهمات القائمين عليه بحيث يعرف حقا لا كلاما الأمن مهمة من !