مَرسومٌ جمهوريّ
د. محمد بسام يوسف*
حدّثنا الأستاذ (طفران الشامي) في عهد الجمهورية الوراثية الثالثة، بقيادة الحفيد إلى الأبد: حافظ الثاني بن بشار الأسد، فقال:
لما اشتدّ الخلاف في أروقة قصر الأسرار، ولم يصل القوم إلى قرار، ومَلَّ الشعبُ الانتظار.. خرج الناطق باسم القصر، فَقَذَفَنا بالخبر، وكان يتطاير من عينيه الشرر.. فقال:
اذهبوا إلى بيوتكم سالمين غانمين، وقَرّوا عيناً بالوزراء القادمين، فقد تبنَّيْنا الإصلاح، ووضعنا أسسَ الانفتاح، وخفّفنا لهجة الانبطاح، ووضعيّة الانزياح، ليشعرَ الشعبُ بالارتياح.. من أجل سلامة الوطن، ودَرء كل الفتن، والصمود بوجه المحن!..
ثم قادنا –والكلام لطفران الشامي- الزعيمُ الذي لا يُشَقُّ له غبار، وألغى طريقة الحكم بالحديد والنار، وهتف الهاتفون، بعد أن صفّق العبيدُ والمهرِّجون: يعيش حافظ الثاني بن بشار!..
ثم بعد خطاب القَسَم، وشَحْذ الهمم، وشتم فاسدي الذمم.. أعلن الزعيم الحفيد، بداية عهدٍ جديد، خالٍ من الفلفل والبهارات وأجهزة المخابرات.. وصار بإمكان كل مواطنٍ أن يشتري الخبز والجبن، بلا موافقةٍ أمنية، ولا مساءلةٍ جهنّمية، ولا توقيع رئيس مكتب اللصوص والحرامية!..
* * *
في الصباح التالي ليوم خطاب القَسَم، أذيع مرسوم عاجل، جعلنا –والكلام للسيد طفران الشامي- في حالة ذهولٍ شامل.. فقد بدأت بوادر الإصلاح، وحلّ في نفوسنا الانشراح، وانتهت عهود الظلم والديكتاتورية والأحادية والاجتياح، وتبدّلت أزمنة الانبطاح.. ولأهمية المرسوم الانفتاحيّ، فقد قمتُ بتوثيقه في السجلّ التاريخيّ، ليتناقله الأبناء والأحفاد، عن الآباء والأجداد.. وإليكم مرسوم القيادة الحكيمة صانعة المعجزات والأمجاد، فانشروه عني في كل القنوات الفضائية، التي تزعم أنّ قيادتنا ضد الحرية والديمقراطية، أو أنها تسير على نهج قوانين الطوارئ والأحكام العُرفية:
مرسومٌ جمهوريّ وراثيّ رقم 149/6 آر بي جي/2036م:
[أ- على كل مواطنٍ سوريٍ راغبٍ بالتسجيل في إحدى جامعات القطر أو معاهده أو مدارسه، أو بالعمل في القطاع العام أو الخاص أو المشترك، أو بنقل أثاث بيته إلى مسافةٍ تزيد على مئة متر، أو بالزواج من مواطنةٍ سورية، أو بشراء درّاجةٍ أو سيارةٍ أو عربة خضار، أو باجتياز شارع القصر الجمهوريّ أو أي شارعٍ فيه مقرّات أجهزة مخابرات، أو بحضور عرسٍ أو محاضرةٍ ثقافيةٍ أو مسرحيةٍ أو مباراةٍ رياضية، أو بطباعة إعلانٍ تجاريٍ أو (بروشورٍ) دعائيّ، أو بحلاقة شَعره في أحد صالونات الحلاقة، أو بالسفر إلى خارج القطر أو إلى داخله، أو بتعقيب معاملةٍ لدى الدوائر الحكومية، أو باستصدار جواز سفرٍ أو هويةٍ شخصية، أو بمراجعة أحد الحمّامات البلدية.. على هؤلاء جميعاً أن يتقدموا بالأوراق التالية الثبوتية، ونعتذر لرفض أي طلبٍ لا يستوفي الشروط الواردة في هذا المرسوم:
1- شهادة صحية تثبت خلوّ المتقدم لأيٍ مما ذكر أعلاه.. من كل الأمراض المزمنة والوبائية، مصدّقة من وزارة الصحة، فرع الأرنب (شعبة الأمن الوبائي).
2- شهادة إنهاء دورة دفاعٍ مدني، مصدّقة حسب الأصول من مديرية الدفاع المدني، فرع الحصان: (شعبة الأمن المدني).
3- وثيقة إجراء دورة (كاراتيه)، مصدّقة من مكتب بطل العالم (بروسلي)، فرع الغزال (شعبة الأمن الرياضي).
4- شهادة نجاحٍ بدورة (الإسعافات الأولية والجراحة الصغرى) لا تقل مدتها عن شهرين، مصدّقة من مديرية الصحة في المحافظة، فرع القطّ (شعبة الأمن الصحي).
5- شهادة إنهاء دورة (نزع ألغامٍ) منـزلية، مصدّقة حسب الأصول من وزارة الدفاع، فرع الدبّ (شعبة الأمن العسكري).
6- شهادة إنهاء برنامج (ملاكمة)، مصدّقة من مكتب (محمد علي كلاي)، فرع الثور (شعبة الأمن الجسماني).
7- شهادة إنجاز دورة (مكافحة الإرهاب)، مصدّقة حسب الأصول من وزارة الأوقاف، فرع الذئب (شعبة الأمن الإرهابي).
8- تعهّد خطي بعدم ارتياد المقاهي وأماكن النـزهة ومدن ألعاب الأطفال.. إلا بموافقةٍ رسميةٍ من وزارة البلديات، فرع الفيل (شعبة الأمن البلدي).
9- وثيقة خاصة باجتياز امتحانات (مكافحة الشغب) صادرة عن مديرية الأمن العام، فرع الحمار (شعبة الأمن الأمني).
10- شهادة اجتياز امتحانات دورة (حرب العصابات وتكتيكات المخابئ)، مصدّقة حسب الأصول من اللجنة العليا للجيش الشعبي، فرع الدجاجة (شعبة الأمن الشعبي).
11- وثيقة تثبت الخضوع للتدريب مدة شهرين على الأقل في دورة (مغاوير ووحدات خاصة ومظلية) منـزلية، صادرة عن الحرس الجمهوري، فرع الأسد (شعبة أمن البلاط الجمهوري).
12- شهادة لا حكم عليه.. صادرة عن وزارة العدل، فرع الخروف (شعبة الأمن العدلي).
13- شهادة أمنية خاصة بأصول السكن والتنقل.. صادرة عن وزارة الإسكان، فرع القرد (شعبة الأمن السكني).
14- شهادة تثبت الانتماء السياسيّ.. مصدَّقة من وزارة الخارجية، فرع الثعلب (شعبة الأمن السياسي).
ب- ينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية.
عاشت سورية حرّةً أبيّةً ديمقراطيةً مستقلّة..
عاش الحفيد القائد..
عاش الحزب الواحد..
عاش البلاط الجمهوريّ.. للوطن الصامد]!..


* عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام