الصمت على ما حدث في صيدنايا!
الصمت على ما حدث في صيدنايا!
محمد أبو رمان
الغد الأردنية
السبت 19 تموز 2008
ثمة حالة من الصمت المطبق في الأوساط السياسية والإعلامية العربية عن أحداث سجن صيدنايا العسكري في شمال دمشق. وكأنّ هنالك فيتو ضمنياً وتواطؤاً بين الحكومات والمعارضات على تجاهل أرواح الناس التي صعدت إلى السماء بينما كانت أجسادهم تغرق في دمائهم.
المفارقة الكبرى أنّ المعارضة الأردنية التي تقيم الدنيا ولا تُقعدها وتملأ الصحف اليومية عند إضراب عدد من السجناء لم تنبس ببنت شفة عن أحداث صيدنايا، ولم تُصدر بياناً عرمرمياً من تلك البيانات الثورية التي توزعها هنا وهناك. ولم يعنِ وجود "ضحية" أردني (مع حرص الخارجية الأردنية على عدم ربطه بالأحداث حرصاً على العلاقات الدبلوماسية!) شيئاً لقادة المعارضة و"الرأي العام" طالما أنّه توفي في أحضان "القومية العربية" وليس في سجون ودنس الصهاينة!
هذا المقال ليس ترصّداً بالمعارضة، كما سيسارع "من نعرفهم" للحكم عليه، وليس دفاعاً عن موقف ضعيف متوقع لوزارة الخارجية الأردنية، لكنه احتجاج على هذه الازدواجية القاتلة لمعارضات وسياسيين وإعلاميين يُقدّمون الشعارات والأيديولوجيات وتسويق الأوهام، بينما الضحية هو الإنسان العربي الذي يصدق أي خطبة أو خطاب ويحتكم لعاطفته الدينية والقومية.
ولأننا نحتاج إلى "الجمل المعترضة" دوماً في عالم التخوين والاتهام واغتيال رأي الآخر؛ فإنّ هذا لا ينفي واجب ومسؤولية المطالبة الدائمة بحماية حقوق الإنسان في الأردن ورفض أي انتهاك لها كبيراً أو صغيراً. لكن المقارنة، في أحيانٍ كثيرة، مفيدة!
بالعودة إلى ما حدث في سجن صيدنايا؛ فإنّ هنالك تضارباً كبيراً بين رواية الحكومة السورية، التي تتحدث عن تمرد صغير تمّ إخماده، وبين بيانات المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية التي تتحدث عن "مجزرة مروعة" ارتكبت بحق السجناء الإسلاميين "المتهمين بالإرهاب والتطرف".
لكن ما هو أمرّ وأسوأ أن تمر الأحداث في ظل حالة من الغموض الإعلامي والتجاهل السياسي وعدم السماح للجان ومنظمات حقوق الإنسان بالبحث والتحري، وربما لو كان الضحايا "ماشية" لكانوا قد حظوا بتحقيق قضائي أكبر.
بعض الأصدقاء السوريين يذكرون مؤشرات عديدة ومؤكدة على أنّ ما حدث بالفعل هو مقتلة كبرى بحق السجناء، تذكِّر بمذابح السجون والمعتقلات العربية خلال العقود السابقة، التي ذهب ضحيتها العشرات، وربما عدد كبير منهم كان مسجوناً بداعي "الشبهة" فقط!
في ذلك الوقت أيضاً لم يلتفت أحد إلى أولئك الذين أُهدِرت دماؤهم وسكبت على الأرض وزهقت أرواحهم بدم بارد، فقد كانوا في سجون الأبطال القوميين بينما النخب السياسية والإعلامية تتحدث عن البطل المخلّص، والشعار دوماً "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"!
المعركة! أي معركة تلك التي ستخوضها أنظمة استبدادية، أي وطن سيدافع عنه إنسان مجرد من إنسانيته أو مواطن مغترب في وطنه أو أكثرية مضطهدة تتربص بأقلية حاكمة تستعد في أي لحظة لعقد صفقة مع الخارج لتأمين السيادة القمعية على الداخل!
إنّ المعركة الحقيقية هي معركة الإنسان.. حريته وحقوقه وكرامته وامتلاكه لإنسانيته، هي معركة المواطنة والإصلاح الحقيقي.. هي معركة الحقوق الدستورية والسياسية، هي معركة استعادة الوطن السليب من براثن الاستبداد والفساد. فليس الاحتلال هو احتلال أرض، بل احتلال عقول وقلوب ومصادرة ثروات وحريات الناس، وعلى هذا فأي بلدٍ عربي حرّ؟!
إذا كانت هنالك أعداد كبيرة من "الأسرى" سقطوا في جحيم صيدنايا؛ فإنّ المعارضات العربية ما تزال "أسيرة" خطاب خشبي متهالك لم يتعلّم من آلاف الدروس خلال العقود السابقة!
أمّا الخارج؛ الغرب وحكوماته، فلا يعنيهم موضوع حقوق الإنسان والحريات العامة والإصلاح! فمدار المفاوضات والمساومات حول العلاقة مع إيران والموقف من "إسرائيل".
إذن؛ على ميشيل كيلو وأكرم البني وفايز سارة وكافة معتقلي الرأي الحر الجريء ودعاة الإصلاح السياسي وقادة إعلان دمشق أن ينتظروا الفرج من الله، أو إحدى اللحظات الرحمانية من الحكومة ما دام الداخل مغلقاً والمواطن مرعوباً والخارج متواطئاً والمعارضة العربية في غيبوبة "النصر الإلهي".
بقي سؤال صغير؛ يا ترى هل ستحتفل الفضائيات العربية والقيادات السياسية بخروج هؤلاء من السجون والمعتقلات، أم أنّ نضالهم وسنوات السجن الطويلة لا تعني شيئاً، فلا صوت يعلو فوق صوت "المعركة"!