بعثي في سجون الأسد 1
بعثي في سجون الأسد -1
د.خالد الأحمد *
كنت جالساً في المسجد الحرام ، أمام الميزاب ، حيث يجلس أهل الشام عادة ، بين المغرب والعشاء ، أمعن النظر في الكعبة المشرفة ، فاقترب مني أحدهم وسلم قائلاً :
- أنا أعرفك ، كنت طالباً عندك قبل حوالي أربعين سنة ، وبالتأكيد لاتذكرني ، وكيف تتذكر شكلي ، وكنت تلميذاً في الابتدائية ، واليوم غزى الشيب عارضي ... وقد رأيتك على شاشة فضائية ( الناس ) العام الماضي ، وتذكرتك جيداً ، وعرفت أنك تكتب عن القضية السورية ، لذلك أريد أن أقص عليك حكايتي .
- قلت : أهلاً وسهلاً ، وأعانكم الله يا أهلنا في سوريا .
- قال : أنا بعثي ، عضو عامل ، ومسؤول في الحزب ، اعتقلتني المخابرات العسكرية يوماً ، وأذاقوني مر العذاب ،،،
- قلت له : حتى البعثيين تعتقلهم المخابرات العسكرية !!؟ من سلم إذن من المخابرات العسكرية السورية !!؟
- قال : سلم منهم الجواسيس الصهاينة الذين يدخلون سوريا ويسرحون ويمرحون فيها ، ويلتقطون الصور كيفما يشاءون ..
- قلت : هات منذ البداية ، أعانك الله .
- قال : كنا في اجتماع حزبي ، في صيف إحدى الثمانينات ، ومن المؤلم أنني كنت أترأس الاجتماع ، وإذ تدخل مجموعة من عناصر المخابرات العسكرية ، قال قائدهم : أنت الرفيق ( .......) ، قلت : نعم ....ولم أستيقظ إلا بعد عدة ساعات في زنزانة للمخابرات العسكرية ، وعرفت من رفاقي تفصيل ماجرى ذلك اليوم المشؤوم ، وهو أن زميلاً لي في الستينات الميلادية ، كنت معه في المدرسة ، والحق أنني كنت من المقربين له ، وكنت أدعوه إلى الانتساب للحزب ، فقد كان مؤدباً ومجتهداً ، وكنت أتودد له ، وأتقرب منه كي يطمئن لي ، لذلك حضرت معه ذات يوم درساً في التجويد مع بعض زملائه ، مرة واحدة فقط ، وبعد أن يئست من استجابته للالتحاق بالحزب تركت رفقته ، وبحثت عن غيره ...
هذا الزميل في المدرسة الثانوية في الستينات ، اعتقل بعد عشرين سنة في الثمانينات مع عناصر الطليعة المقاتلة ، وتحت التعذيب والالحاح لمعرفة أسماء رفاقه وزملائه ، أعطاهم اسمي ، ولما راجعوا ملفي وجدوا أنني بعثي ، ومسلح من طرف الحزب ، لذلك جن جنونهم ، بعثي وكنت زميلاً لطالب التحق بالطليعة فيما بعد !!!؟ وجاءوا لاعتقالي وهم يرتجفون من الخوف لأنني مسلح ....
الاعتقال المهين :
تقدم قائد الدورية وناداني : أنت الرفيق ( .....) فقلت : نعم ...ثم وجه لي ضربة بعقب المسدس على هامتي سقطت مغشياُ علي ، فأسرعوا إلى مسدسي ، واستلموه ، ثم حملوني من الأيدي والأرجل كما تحمل الذبيحة إلى السيارة ....أما الرفاق فقد انفضوا هاربين يتلفتون وراءهم خوفاً من الضرب بقبضة المسدس على الهامة ....
وفي سيارتهم عصبوا عيني ، وقيدوا يدي ، وكوموني في أرض السيارة ...التي راحت تنهب الأرض إلى مبنى المخابرات العسكرية ...
*كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية