المستقلون بين الحقيقة والوهم

المستقلون بين الحقيقة والوهم

تحسين أبو عاصي *

– غزة فلسطين –

[email protected]

أتمنى أن ينجح المستقلون الفلسطينيون في تشكيل رافعة تنهض بحال الشعب الفلسطيني ، وتخلصه من حالات الانكماش والانقسام ، وانسداد الأفق وفقدان الأمل .

ولكي يحقق المستقلون الفلسطينيون تلك الأهداف ، فينبغي عليهم إعادة حساباتهم من جديد ، والتخلص من مفاهيمهم المتناقضة ، وارتباطاتهم بالأجندة المبطنة ، والتي ارتدت رداء الاستقلالية تارة بمفهومها المبتور ، وتارة بمفهوم النفعية ، وتارة بمفهوم إخفاء القناعات السياسية عن الجمهور والتي تميل إلى هذا التيار السياسي أو ذاك ، فتنسف بذلك مفهوم الاستقلالية السياسية بمعناه العلمي والسياسي ، لأن الاستقلالية السياسية هي عقيدة وانتماء ، وهي فعالية وأداء ، وهي عمل جماهيري ، وهي نواة ضاغطة ، وهي ديناميكية العمل في تنفيذ الفكرة التي انطلق كل مستقل فلسطيني من أجلها ، فهل نجح المستقلون الفلسطينيون في تحقيق ذلك حتى الآن ؟ .  

ولعلنا نقرأ الكثير من خلال تجليات أداء المستقلين الفلسطينيين في الميدان ، بحيث يمكننا الكتابة عنه الآن ، ونقرأ الكثير مما لا يمكننا الكتابة عنه إلا في حينه ، ومن أهم ذلك التنفذ والوصولية ، وعشوائية القرار وضعفه ، والاتكالية وشغل الدروشة والمخترة والهيَّات ، وضعف الانتماء للفكرة في عقولهم ، والتي جميعها تنخر في جسد ومفهوم العقيدة السياسية لمعنى الاستقلالية ، كمصطلح في مدلوله اللغوي والعلمي والسياسي شكلا ومضموناً ، وروحا ونصاً .

إن العقلية السائدة في هذه المرحلة للمستقلين الفلسطينيين وذلك وفقا لمعطيات كثيرة ، لا يمكنها أن تهضم طبيعة المرحلة بمدلولاتها العلمية والتحليلية ، مع إدراكنا العميق بأن المستقلين الفلسطينيين ليسوا تنظيما ولا حزبا سياسيا ( في الوقت الحاضر ) ، وأنهم مجموعات التقت حول فكرة وهدف ولا ثقل لهم ، لكنهم يفتقرون بسبب عشوائيتهم الواضحة ، وبسبب غياب حس الانتماء وعمق الرؤية والتحليل ، وسوء الإدارة والتخطيط ، وضعف الأداء ، يفتقرون إلى الكثير مما يمكن القيام به بسهولة كبيرة ، من أجل تشكيل رافعة تنهض بالشعب الفلسطيني ، ويملكون الكثير من أوراق العمل التي يمكن أن تؤهلهم إلى تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني ... ولكن تلك الأوراق مرهونة وفق حسابات متنفذة خاصة بهم ، وسآتي إليها تفصيلا في وقت لاحق ، بغض النظر عن ما يصدر عنهم من تصريحات على استحياء من هنا وهناك ...

من ناحية أخرى فمن المعيب أن يكون المستقلون الفلسطينيون كالقطط التي تأكل صغارها ، كما يتجلى ذلك بوضوح ، ومن المعيب أيضا وضع الرجل الغير مناسب في المكان المناسب ، إلا إن كان هناك هدف في نفس يعقوب كما يقول المثل ، ومن المرفوض أسلوب التعالي وتعويم الحقائق ، والهروب نحو الخلف والاستخفاف بالآخرين والتفرد بالقرار ، ومن المذموم التسلق على أكتاف الآخرين من أجل تحقيق مجد شخصي لهذا الرجل أو ذاك ، فهذا يعني شكلا آخرا من أشكال تجلي طبيعة تلك العقلية التي ربما تحكم شعبنا في يوم من الأيام لا سمح الله .

لقد اتخذ الكثير من المستقلين الفلسطينيين لهم ومن خلال مواقعهم التي ألوا إليها ركنا صنعته كثير من المعطيات مثل الدرجة الأكاديمية ، وطبيعة المهنة ، والعلاقات ، والمال والأعمال وغيرها ، بحيث تحول هذا الركن إلى أداة استرخاء لهم ، وإلى هوس الصور الفوتوغرافية ، وغرام العلاقات مع قيادات الصف الأول ، على حساب الهدف المركزي النبيل الذي تنطلق منه فكرة الاستقلالية السياسية ، لينسجم ذلك تماما مع طبيعتهم النفسية ، وليكشف نمط عقلياتهم وتفكيرهم ، فطُمست لديهم بفعل ذلك كله العقيدة السياسة لمفهوم الاستقلالية ، وآثروا بذلك القليل على الكثير الذي لا بد من عمله من أجل إثبات المصداقية في الميدان ، لا من خلال رتوش الأنشطة وفقاعات الإعلام هنا وهناك ، بل من خلال التلاحم الجماهيري ، ووضع الخطط والبرامج ومتابعتها ، وحسن التخطيط ، وتصحيح الأداء .

لقد سمعت عبارة رددها بعض المستقلين المؤسسين تقول : (( لقد جاء إلينا المئات وكما دخلوا خرجوا )) - وهنا أترك التعليق للقارئ على قولهم هذا -   

إن التفرد بالقرار ، واعتبار الغير حجارة شطرنج ، والتخبط في القرار الإداري ، لا يبشر في النجاح ، إلا إن كان نجاحا فرديا وشخصياً ليرتب المتفرد في القرار أوراقه من جديد ، فيصبح رئيسا للوزراء ، فعندئذ تتساقط كل أوراق التوت ، وتبدو العورات جلية من غير حاجة إلى دليل .  

هذه عموميات وتنبيهات أضعها بين أيدي وسائل الإعلام ، ولا أقصد بها حتى اللحظة أحدا بشخصه .

               

* كاتب فلسطيني مستقل