شعب سورية بين حكّامه ولوّامه
مَن عرفَ القوم ، أقلّ علينا اللوم!
عبدالله القحطاني
1) الشواهد الأدبية كثيرة .. شعراً ونثراً ، حول معاناة من يعاني ، ولوم من يلوم ! وحول ابتلاء المبتلى المتوجّع ، وبطر المعافى ، الذي ينعى عليه توجّعه ، ويلومه على شكواه ، أو تذمّره .. أو تمرّده !
يقول الشاعر: لا يَعرف الشوقَ إلاّ مَن يكابده ولا الصَبابةَ إلاّ مَن يعانيها
ويقول الشاعر الآخر: مَن جرّبَ الكيّ لا ينسى مَواجعَه ومَن رأى السمّ لا يشقى كمَن شَربا
ويقول مثل قديم : ويل الشجيّ مِن الخليّ ..!
ويقول مثل سوري شعبي : اللي ماذاق المِغراية ، ما بيعرف شو الحكاية !
ويقول مثل شعبي آخر : من يأكل العصيّ ليس كمَن يعدّها !
2) حال الشعب السوري ، اليوم ، بين حكّامه ولوّامه .. ينطبق عليه كثير من الشواهد المذكورة ، آنفاً ! والغريب ، بل البديع ، أن لوّامه كلهم ، من خارج بلاده .. ممّن ينظرون إليه من بعيد ، ولا يقدّمون له شيئاً، سوى اللوم ! ولو قدّموا له النصح ، بدلاً من اللوم ، لكانوا منصفين ! لكنهم يلومونه ، وأحياناً يعنّفونه ، ويوبّخونه ! ويصل الأمر ببعض هؤلاء اللوّام ، المعنّفين الموبّخين إلى اتّهام الشعب بتهم شتى أبرزها: تهمة الوقوف في وجه الممانعة الأسدية ، للمشروع الصهيوأمريكي ! عبر اتّهام فصائله المعارضة ، التي تعبّر عن سائر فئاته وشرائحه ، ومشاربه السياسية والفكرية .. ولكل من هؤلاء اللوّام أسبابه:
* بعضهم منحاز للنظام المستبد ، ابتداء .. انحيازا فكرياً ، أو سياسياً ، أو عقدياً .. وهؤلاء لالوم عليهم ، ولا تثريب ، حين يلومون ، أو يعنّفون ، أو يتّهمون .. فهم في خندق النظام ، ضدّ شعبه !
* وبعضهم يقبض من النظام ، أجراً معيّنا متّفقا عليه .. أو حسب ماتجود به النفس ، من مال أو هدايا !
* وبعضهم ـ وهم أتعس القوم ـ يرون شعارات برّاقة مرفوعة : وطنية ، قومية ، حماسية ، نضالية .. مقاومة ، صمود ، تصدّ ، ممانعة ..! و لايعرفون ما يجري تحتها ، ولا يعرفون حقيقة مَن يرفعها ، ولمَ يرفعها ، ومدى قدرته على تطبيقها ، وحقيقة نيّته ، أو إرادته ، حول تطبيقها.. ! كما يرون بعض المظاهر، التي تعزّز تصديقهم لهذه الشعارات ورافعيها.. من مواقف تجارية استهلاكية ، ظرفية ، تجاه هذه القضية ، أو تلك المجموعة .. فيصدّقون أن ( تحت القبّة مزاراً) ! غاضين بصرهم عن تاريخ حافل ، من المواقف المناقضة تماماً ، للشعارات المرفوعة .. بل من الخيانات المفضوحة ، التي عرفها العالم كله ، بالأمس القريب ، ومن الخيانات التي يراها العالم كله ، كل يوم ! وسبب تعاسة هؤلاء القوم ، أنهم مستغفَلون ، بشكل مخزٍ! وأنهم سعداء باستغفالهم هذا! لأنه يوفّر لهم فرصة اللهاث ، خلف أوهام جميلة ، تتحرّر بها أوطانهم، عبر شعارات زائفة، دون أن تكلفهم شيئاً ، سوى الهتاف والتصفيق ، واحتساب الأجر عند الله ! أيْ : أجر الهتاف والتصفيق ! مع إظهار أنفسهم ، أمام أنفسهم ، أنهم أبطال ، لأنهم يصفّقون للبطولات الصبيانية ، الوهمية المجّانية !
فسبحان الله !