عواصف سياسية في أمريكا وتركية
عواصف سياسية في أمريكا وتركية
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
عندما أثار القس جونز تلك العاصفة الهوجاء , وشغل العالم أجمع على مستوى الشعبي والرسمي , والمعبر عن حقده الدفين تجاه الإسلام والمسلمين , مع أنه لم يقرأ القرآن أبدا كما صرح بذلك ,وأراد من خلال ذلك إثارة مشاعر المسلمين في شتى بقاع الأرض
فما هي دلالات ذلك الفعل , مع أنه لم يحصل ,وما الذي يمكن أن نستفيد منه في مستقبلنا كأمة تعدادها تفوق المليار نسمة؟
دلالات الفعل ذلك يمكن اختصارها( بالفوبيا ) الخوف من شفاء عدو مثخن بالجراح , سبقها كتاب صراع الحضارات , ومن قبله توسعة حلف الناتو بعد انتهاء الحرب الباردة
فهل نحن صحيح أمة يحسب لها حساب في المعايير الدولية , رغم جراحنا وتفتتنا وتخلفنا عن الجميع ؟
فلو تعمقنا بواقعنا السياسي والنفسي والإجتماعي والإقتصادي لوجدنا:
أن هذه الأمة قد برئت من كل قوة تملكها وذهبت بها تلك البراءة لتكون في الدرك الأسفل من الكيانات البشرية , ومزقت أجسادها وتقطعت أوصالها بيد أبنائها المستبدين على مقدرات شعوبهم حكاما وأنظمة , وبدعم من القوى العدائية الخارجية , بحيث لم يبق أمام هؤلاء إلا:
القرآن الكريم القلب الذي ينبض في قلوب المسلمين والخوف من تأثيره في شفاء جروح الأمة
ونماذج العدوان على القرآن الكريم كثرت , وتعددت وسائلها بيد وفعل كل حاقد على هذه الأمة
من الشيعة في العراق بيد جيش المهدي ومن والاه لبعض الجنود من الأمريكان في العراق وجوانتنامو وإفغانستان , وصولاً لما أراده مايسمى بالقس جونز
فهذا الأخير أراد الشهرة , وحصل عليها ولم يفعل
وفي هذه الفترة حصل العدوان الفظيع , من قبل من يسمون أنفسهم بالشيعة بالإحتفال العلني بام المؤمنين عائشة رضي الله عنها ليتهموها باتهامات ماأنزل الله فيها من سلطان ولا يوجد منها على الواقع من شيء إلا إفك وكذب وخداع وافتراء
فالموضوع هنا جاء كله هجوم شرس على كل الذي بقي لنا
ومع هذا كله يفسر ذلك بالخوف منا كأمة
فلا بد لنا من قول هذا
لم يزل عندنا النور الذي من خلاله وبه , نستطيع شق طريقنا وشفاء جروحنا والعودة لأصولنا , والإيمان بأنفسنا وحقوقنا , وأن هذه الحالة ليست هي نهاية المطاف
لنؤمن بواقع مريض سرطاني, لا يمكن علاجه ولا الشفاء منه
لن يكون لنا شفاء ولا رفعة ولا مقام , حتى نزيح من أنفسنا ذلك الإستسلام الرهيب للواقع الذي نعيشه , والرضاء فيه , كالذي استسلم للموت في رمقه الأخير
لابد من ثورة على أنفسنا أولا , وثورة على كرامتنا ثانية والتي ضاعت تحت أرجل الحكام , وثورة على استرداد حقوقنا مهما صغرت وقلت قيمتها
فما تنازل رجل عن حق من حقوقه , إلا تبعها بتنازلات وهانت عليه حقوقه , كالواقع الذي نعيشه والتنازل المستمر عن الحقوق وإهمال الواجبات والتفرغ للتقوقع والخوف والفقر والرزيلة بشتى أنواعها
تلك هي مصيبتنا , تركنا حريتنا في قبضة الزبانية وتنازلنا عنها مستسلمين صاغرين . وتركنا العدالة بيد الظالم والفاجر والمستبد والفاسد , وتأقلمنا عليها , وحزفنا عن التقدم والتطور والتجمع والتكاتف , فهو من شأن غيرنا يقدمون لنا ما نريد , ولو على حساب كل مقدساتنا
ولن يكون لنا كيان إلا بعد أن نعي من نحن وهل نحن بشر نستحق الحياة , أم أننا خدم أذلاء تحت وطأة امرأة ظالمة في بيت من بيوت الأغنياء
وخلاصة الأمر عندما نشعر بكرامتنا , ونموت في الدفاع عنها فلن يجرؤ أحد بعدها على المساس بمقدساتنا
والعاصفة الثانية تتمحور حول التعديلات الدستورية في تركية , والذي قادها حزب العدالة والتنمية بتركية ,ونجح نجاحا باهرا في سعيه هذا
فما لذي جعل من حزب العدالة والتجربة التركية , مدرسة جديدة تستقطب الكثيرين
تذكرني مسيرة حزب العدالة بمقولة أدبية عن الشاعرين الكبيرين الفرزدق والأخطل
كان الفرزدق ينحت من صخر في شعره , والأخطل يغرف من نهر
وكذلك حال حزب العدالة والتنمية والذي بدأ مسيرته في النحت بالنحت في الصخر , ومن منحدرات وأعماق وآفات بشرية تمتلك كل وسائل القتل والتدمير
لقد استطاع حزب العدالة والتنمية التركية بقياداته الشابة , والمتمثلة بمجموعة فكرية وسياسية واقتصادية , أن تنفض عن كاهلها تلك , شيخوخة الحزب القديم وترهله , وخرجت بحزب شاب يؤمن بالتغيير والحركة والتقدم
وقبل كل هذا , يؤمن بنفسه وبمشروعه لصالح الوطن , ويؤمن بمقدراته وكرامته , وقد غابت تلك عن الأحزاب العريقة
ومضى في مشروعه السلمي الناعم وانتقل من العداوة مع كل جيرانه ,إلى السلام وتبادل المنافع , ومن اعتماده على مصدر واحد هو امريكا إلى اعتماده على الذات , ليكون قوة اقتصادية وسياسية مؤثرة على المستوى الدولي والمحلي
والذي أستشفه من التجربة التركية ومدى الإستفادة منها يمكن إجمالها باختصار بالنقاط الآتية:
1- تحكم الوطن العربي الأحزاب نفسها منذ عشرات السنين فلا تغير في قياداتها إلا بالموت ,وهي كما هي رهينة ماضيها ساكنة كئيبة مملة تعيش في قبور الولاء للحاكم فقط
2- لاتحاسب نفسها ولا همها الأخطاء المتراكمة وبعيدة عن كل تجديد
3- همها الحفاظ على مكتسباتها السلطوية , وغياب المبادرات الفردية , وكل مبادرة من فرد ولو حصلت ,تقابل بالخيانة العظمى , وإضعاف نفسية الأمة , والخوف حتى من مدونة ألكترونية لفتاة عمرها ثمانية عشرة سنة , كقضية المواطنة السورية طل الملوحي
4- استطاع حزب العدالة والتنمية التركية من الوقوف على قدميه واكتساب شعبيته تلك , من خلال برنامج طموح وضعه أمامه بعد أن خرج من رحم حزب الرفاه التركي القديم والمتسلط بداخله مجموعة همها القائد العام وكفى
5- هذا البرنامج المتكامل طبقه على أرض الواقع ليرفع مكانته عاليا من خلال تطبيق برنامج العدالة والتنمية , والأخذ بأسبابها ليحفر في الصخر ويكون دولة قوية محبوبة لجيرانها , مؤثرة بالسياسات الشرق أوسطية رافعة مستوى دخل الفرد عاليا , وفي خلال سنوات معدودات
6- ولن نخطو خطوة واحدة للأمام ما لم نمتلك زمام التغيير.

