الوعي العربي فشل أيديولوجي

تحسين أبو عاصي

– غزة فلسطين –

[email protected]

كثيرا ما تراودنا مجموعة من الأسئلة عن أسباب تخلف العرب ، رغم الإمكانيات والثروات التي يملكونها ، والتي توازي أو تفوق كثيرا من الدول المتقدمة .

وبعيدا عن شماعة أمريكا وإسرائيل والغرب ، والتي يسهل على الفاشلين تعليق ملابسهم القذرة عليها ؛ لتبرير عجزهم المتراكم وضعفهم الفاضح ولا مسئولياتهم المعيبة في تحمل مسئولية اتخاذ القرار ، متناسين بذلك ما نملك من طاقات وإمكانيات هائلة وعقول جبارة مبدعة .

فهل الأسباب الكامنة من وراء التخلف العربي ، هي أسباب متأصلة في طبيعة تكوين بنيتهم الذهنية والنفسية ، بحيث لا يمكن البتة التعامل معها ، وصرنا كما يقول المثل العربي : المائل عن المعوج معتدل ، فألفنا الاعوجاج لدرجة القناعة به ، أم أن هناك أسبابا أخرى لا بد من البحث عنها بحثا موضوعيا علميا جادا ، خاصة ونحن نرى الشباب العربي يقف اليوم على ناصية مفترق طرق خطيرة ، لا يتمكن من خلاله تحديد هدفه أو طريقه في مسيرة التوجه الفكري والمعتقدي ، أمام المشكلات ومظاهر العنف والتخلف والضياع ، وأمام التحديات التي تلعب بالوعي العربي وتهدد هويته ووجوده ، مقابل مظاهر التقدم والتطور والرخاء والبناء في كثير من دول العالم ؟ .

فما الذي يمنع الوعي العربي من الوثوب والنهضة واليقظة من  سباته العميق وترنحه المذل ؟ وما الذي يحول بينهم وبين تقدمهم في جميع مجالات الحياة ؟ ، هل هو الوعي والفكرة ؟، وأية فكرة يمكن أن تنهض بالعالم العربي مع أن الغرب يحكمه تقريبا فكرة شبه واحدة ؟ .

لقد حكم العرب القوميون والاشتراكيون والعلمانيون ، وكان العرب في عهدهم يترنحون تخلفا .

المشكلات الأخلاقية في جميع دول العالم تقريبا متشابهة ، ولكنها لا تقف حائلا أمام التطور والنهوض في أوروبا وأمريكا وروسيا وتركيا والصين واليابان وسنغافورة والكيان الغاصب ، والوعي الذاتي لسكان تلك البلاد على سبيل المثال يدفعهم نحو التقدم نحو آفاق واسعة من الإبداع والازدهار .

وإذا كان الغرب هو سيد العالم اليوم ، فهو لا يقف حجر عثرة أمام تطوير الذات العربية والمجتمعية في كل هاربة وواردة وصغيرة وكبيرة ، كما يحلو للبعض تعليق عجزهم على شماعات غيرهم دائما ليبحثوا عن مبررات لفشلهم ولجهلهم ، ولا يمنع الغرب من بناء حضارة أو تشكيل حالة من الوعي تؤدي إلى النهوض والتقدم ، فلماذا يعجز العرب عن إنشاء المصانع ومحاربة التصحر ، وبناء المؤسسات والاكتفاء الذاتي على الأقل معتمدين على أنفسهم ، بدلا من الاعتماد على الغير من حبة القمح إلى الطائرة ، على الرغم من أن أرض السودان الزراعية وحدها تكفي لإطعام كل العالم العربي ،  هل تمنع أمريكا السودان من الزراعة ؟ وهل تمنع أمريكا أي دولة عربية من بناء المصانع والسدود ، وإنشاء المصانع ؟ أم أن الوعي العربي لا يملك من مقومات الحركة ما يؤهله لتحمل مسئوليته ؟

ليس دفاعا عن أمريكا والغرب ، فسياساتهم واضحة معالمها ومعروفة للجميع ولكن سياساتهم لا يمكن أن تؤدي بنا إلى الطمس والتخلف على أيدينا أولا وقبل أيدي غيرنا .

لقد افتقر الوعي العربي إلى كل شيء حتى إلى التعامل الإنساني البسيط مع المواطن المسكين ، وامتلأت ملفاتهم في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان لأعلى النسب العالمية وفق تقارير مؤسسات هيئة الأمم المتحدة .

لقد برع الوعي العربي إلى درجة الامتياز مع مرتبة الشرف في مباريات الكأس النهائي ، وفي متابعة مسلسلات سنوات الضياع ، وباب الحارة و ليالي الصالحية ، وأعطى الوعي العربي كل وقته واهتمامه وتفاعله مع تلك المسلسلات ما لم تحظ به القضية الفلسطينية ، ويا ليته أعطى عشر اهتمامه ووقته في تلك المسلسلات لقضايا الأمة المصيرية وأمنها المستباح وكرامتها المهانة ، كل ذلك من أجل إلهاء الأمة عن قضاياها المركزية .

ثم لماذا تهاجر العقول المبدعة وأصحاب التخصصات النوعية إلى خارج الوطن ؟ وما معنى أن نجد كثيرا من الأحياء السكنية المنتشرة  في طول الوطن العربي وعرضه بدون بنية تحتية ولا كهرباء ولا مياه ولا حتى تليفونا واحدا ؟ هذا هو الواقع في كثير من الدول العربية ، في المغرب وسورية والسعودية ، واليمن والسودان ولبنان ، والأردن وفلسطين والعراق حتى قبل احتلالها ، ورأيت بعضها بأم عيني وسمعنا عن الكثير حتى المواصلات المؤدية إليها قليلة ، والخدمات الطبية والتعليمية المقدمة ضعيفة ، فأين الوعي العربي هنا ؟ وهل تمنع أمريكا من ذلك كله ؟ ليس دفاعا عن أمريكا ولا حبا بها ، ولا اقتناعا بظلمها وغطرستها ، على الرغم من أن الجميع يدرك بأن الغرب هو وراء بناء السدود والقنوات ، والمصانع والموانئ والمطارات ، والمنشئات والأنفاق والأجهزة والآلات الكهربائية الموجودة الآن عند العرب ، وهل تمنعنا أمريكا من التجارة والصناعة والزراعة والتصدير والتطوير؟ أم أن الوعي العربي يفتقر إلى معرفة أسس ذلك كله وللأسف الشديد !!! .

ما الذي يمنع العرب من بناء معابر حدودية تليق ببني البشر؟ ما الذي يمنعهم من احترام آدمية الإنسان ؟ قارنوا على سبيل المثال لا الحصر بين معابر كل من فلسطين وليبيا والأردن وسوريا ومصر من جهة ، والمعابر الإسرائيلية من جهة أخرى مع الأسف الشديد ، ستجدوا العجب العجاب ، وعندئذ حدّث بما شئت ولا حرج عليك ، وربما يحمل الوعي العربي أمريكا مسئولية الانهيار الأخير لاستاد السودان و مقتل وجرح العشرات ، أو يحمله مسئولية انهيار العمارات السكنية في مصر فوق رؤوس ساكنيها من الفقراء والمغلوبين على أمرهم ، أو مشكلة أطفال الشوارع وسكن مئات الألوف في المقابر وعلى أسطح المنازل ، وانزلاق الحافلات الممتلئة بالركاب إلى قاع النهر ، والتقاليد والعادات التي تنخر جسد المجتمع العربي ، وأخشى أن يأتي يوم يُحمّل الوعي العربي أمريكا مسئولية عطل أصاب إشارة ضوئية أو حادث طرق هنا و هناك .

 فهل لأن الوعي العربي غائب تماما كما قال شارون في مؤتمر صحفي عندما سؤل عن إتباع إسرائيل خطة هجوم على العرب سنة ( 1967 ) وهي نفس خطة الهجوم على العرب سنة ( 1956 ) قال وبالحرف الواحد : إنا نعتقد أن العرب لا يقرؤون وإذا قرؤوا لا يفهمون وإذا فهموا لا ينفذون  !! .

أمام تراجع جميع النظريات والأفكار والمبادئ ، فالحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة ، وللنهوض بالوعي العربي من براثنه هو الإسلام على منهاج النبوة والخلافة الراشدة ، ويكفينا قانون واحد من رب السماوات والأرض وهو (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )).