المفاوضات ومستقبل إسرائيل
المفاوضات ومستقبل إسرائيل
في الوعي العربي والإسلامي
د. عصام مرتجى- غزة
[email protected]
أكثر من ستين عاما مضت على ضياع فلسطين وقيام كيان صهيوني وسط العمق العربي
والإسلامي على أنقاض فلسطينية. في هذه الفترة الزمنية المديدة والتي تعتبر صغيرة في
عمر الأمم والشعوب ، استطاع الكيان الغاصب و المستعمر الصهيوني اليهودي أن يشق له
طريق وينتزع اعتراف بوجوده من دول غربية وشرقية ، وفاق الأمر كل التوقعات عندما
انتزع اعترافا عربيا بوجوده كدولة تسمى "إسرائيل" !!!
لقد تباينت رؤى القوى الوطنية والقومية والإسلامية في كيفية إدارة الصراع مع هذا
الكيان الاستعماري وكيفية الخروج من النكبة والنكسة . ولقد مارس الشعب الفلسطيني
ومعه الشعوب العربية حربا وكفاحا طويلا على مدى الستين عاما الماضية وحروبا كان
آخرها في لبنان وغزة وصراع لم ينتهي لهذه اللحظة.
هذا الاختلاف في إدارة الصراع لم يختلف في الهدف التحرري النهائي للكفاح، ولكنه
اختلف في رؤيته لقبول كيان إسرائيلي في المنطقة. وكان الفكر القومي العربي والوطني
التحرري يرفض كيانا أجنبيا صهيونيا استعماريا في فلسطين التاريخية وسط العمق العربي
مهما اختلفت موازين القوى.
ولحين وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أسلو، كانت بداية للتبشير بإمكانية حل
سلمي للقضية الفلسطينية.
في حين أن بعض الفصائل الإسلامية في فلسطين والوطن العربي كانت تؤمن بأن زوال
إسرائيل حتمية دينية وواجب شرعي للعمل به، ولكن مع دخول بعض هذه القوى ميدان العمل
السياسي والدولي اقتربت كثيرا من رؤية الحل السلمي للصراع مع الكيان الصهيوني.
لم يأتي هذا القبول بإمكانية الاعتراف العربي بوجود كيان صهيوني كانت نشأته
استعمارية في قلب العالم العربي الإسلامي بسهولة. ولم يكن التفاوض مع هذا الكيان
وطرح المبادرات لحل النزاع حبا فيه ، ولكن كان حصيلة حروب مريرة واختلال بموازين
القوى الدولية والإقليمية، وضغوطات ومفاوضات عسيرة، وعلى أمل أن يتم حل القضية
الفلسطينية بما يضمن مستقبل الشعب الفلسطيني ويقرر مصيره بكرامة مثل باقي الشعوب و
يضمن حقوقه الوطنية.
هذا الأمل الذي راود العرب والمسلمين بحل الصراع مع هذا الكيان الصهيوني الاستعماري
سلميا، وقبوله في قلبهم كدولة مسالمة بدون نزاع ولا صراع كان بشرط ضمان قيام
دولة فلسطينية تنهي معاناة اثنين وستين عاما من النكبة وتعيد بعض الحق الفلسطيني
الضائع في فلسطين.
هذا الأمل أصبح يلاقي بعض القبول للجمهور العربي والإسلامي وربما أصبح هناك قرب من
أن يصبح قناعة وإرادة عربية وفلسطينية وحتى قبلت به بعض الحركات والدول الإسلامية
التي كانت متشددة، وصار يبث عبر وسائل الإقناع الدعائية والإعلامية وبات الفلسطيني
والعربي والمسلم قريبا من قناعة أن هناك إمكانية ولو محدودة لقبول وجود هذا الكيان
المغتصب سلمياً إلى جانب دولة فلسطينية مستقلة وموحدة، عاصمتها القدس على حدود
ال67. وصار الإسرائيلي يظهر على الشاشات العربية ليقص وجهة نظره ويدخل بها إلى
البيوت العربية بعدما استضافته العواصم !!!!
ولكن كانت المفاجأة الصاعقة عند خروج المفاوض الفلسطيني قبل عدة شهور ليصرح أن
مفاوضات ثمانية عشر عاما أفضت إلى صفر كبير، حيث كانت بمثابة قنبلة كبيرة هزت الوعي
العربي والإسلامي لوجود الإسرائيلي وقبوله بعدما تسويقه رسميا من قبل العرب لسنوات،
ومثل طرحا قويا لزوال إسرائيل من الفكر والوعي العربي والإسلامي.
اليوم بعد سنوات مريرة من المفاوضات ومن الصمود الفلسطيني وبعد الانفجار الذي حصل
بعد صمود الرئيس الشهيد ياسر عرفات في كامب ديفيد واشتعال انتفاضة الأقصى، أصبح
الأمر في الصراع السياسي مع الكيان الإسرائيلي على مفترق طرق.
رغم صعوبة التوقيت وصعوبة المرحلة على الفلسطيني الذي بات وحيدا في الميدان، وبعد
هذه الأشواط المديدة من المفاوضات وما رشح عنها من تفاهمات عديدة، كان ذهاب الرئيس
عباس لواشنطن متسلحا بالحق الفلسطيني ليقول أنه لم يعد للفلسطيني ما يخسره وأن
الكيان الإسرائيلي بات على مفترق طرق في الوعي الفلسطيني والعربي و الإسلامي .!!!
وأن الخاسر الوحيد من فشل المفاوضات هي إسرائيل.
الأمر اليوم لا يقف على إمكانية بقاء السلطة أو انهيارها فيما لو فشلت المفاوضات
المباشرة مع إسرائيل فهذا لن يغير كثيرا من الواقع، ولكن الأمر الحاسم هو أنه سيغير
قناعة الشعوب العربية والإسلامية وإمكانية قبول الكيان الصهيوني في الوعي العربي
والإسلامي، وهذا بالطبع سيغير وجه المنطقة في الشرق الأوسط وسيلقي بظلاله على
العالم وتنحسر المساحات التي يتحرك بها الإسرائيلي.!!!
إن الفريق الفلسطيني المفاوض يمتلك بيديه مستقبل إسرائيل في الوعي الفلسطيني
والعربي والإسلامي، وعندما يخرج الفريق الفلسطيني المفاوض ليعلن أنه تم الاتفاق على
معاهدة سلام وإعلان قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس إلى جانب كيان إسرائيلي
على حدود ال67 ، فإن هذا يعني أن الفلسطيني استرد بعضا من حقه، وأن الإسرائيلي
سيصبح يلقى قبولا في الوعي الفلسطيني ومنه إلى العالم العربي و الإسلامي بضمان الحق
الفلسطيني بتقرير المصير.
ولكن لو خرج الوفد الفلسطيني ليعلن بفشل المفاوضات وضياع الأمل بوجود حلول وسطية مع
الكيان الصهيوني فإن هذا سيغير قناعة الفلسطيني الذي كان يؤمن بان هناك في الكيان
الصهيوني من يمكن أن يوقع معه معاهدة سلام ، وسيعود لدراسة خيارته الأخرى !!!
إننا كفلسطينيين لن نخسر شيئا إذا فشلت المفاوضات المباشرة، كما قال السيد الرئيس
محمود عباس، ولكن إسرائيل هي التي ستخسر كل ما حصدته من قبول عربي وإسلامي بوجودها
، وما ترتب على هذا القبول من أمن ومساحات حركة للإسرائيلي عربيا ودوليا أيضا
ستخسره !!!!
إن الخاسر الأكبر من فشل المفاوضات المباشرة هي إسرائيل، وخسارتها لن تكون فقط في
مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية أوفي الكيان الصهيوني نفسه، ولكن إسرائيل ستبدأ
بحصد خسارة مادية ومعنوية على المستوى الدولي والعالمي ، أما الفلسطيني لن يكون
جديدا عليه لا القيد ولا الخيمة ولكنه سيعود يتنفس عشقا لفلسطين بكل حرية في كل
بقاع الأرض !!!!