هل ستصل عجلة المفاوضات إلى بر الأمان

هل ستصل عجلة المفاوضات إلى بر الأمان؟

محمود رمضان أبو الهنود

[email protected]

بعد فترة طويلة من الجمود السياسي وتوقف عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية،    أعلن قبل عدة أيام  في البيت الأبيض عن انطلاق عجلة المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال احتفال رسمي استضافه الرئيس الأمريكي باراك أوباما ،وبمشاركة كل من الزعيمين المصري حسني مبارك والملك الأردني عبد الله الثاني، حيث سارعت وسائل الإعلام الدولية والعربية على تغطية الحدث المهم ، وتسابق المصورون  الصحفيون على التقاط  الصور التاريخية التي جمعت للمرة الأولى رئيس الوزراء الإسرائيلي وزعيم حزب الليكود اليميني بنيامين نتنياهو، بنظيره الفلسطيني محمود عباس في أول لقاء رسمي لهما بعد سيطرة الليكود والأحزاب اليمينية الإسرائيلية المتطرفة على سدة الحكم في إسرائيل ، وهو ما أدى في حينه إلى تراجع العملية السلمية للخلف وتعطل مسيرة المفاوضات بفعل المواقف المتشددة التي صدرت عن رؤساء أحزاب الائتلاف الحاكم التي لا تقر بحق الفلسطينيين بإقامة دولتهم على أراضي العام 1967م ، ورفض مبدأ حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، مع استحالة الموافقة على تقسيم القدس واعتبار الجزء الشرقي منها عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة.

آمال ووعود عديدة سمعناها من رؤساء الوفود المشاركة في حفل انطلاقة المفاوضات تؤكد جميعها على ضرورة التمسك بعملية السلام ، والسعي لانجاز اتفاق  سلام تاريخي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في أقرب وقت ممكن ، وهو ما شجعت وعملت الولايات المتحدة مدعومة من الاتحاد الأوروبي والأسرة الدولية  منذ تسلم اوباما الحكم على  انجازه وتحقيقه، إلا أن الحديث عن السلام يختلف تماماً عن  القدرة والاستعداد الفعلي للتوصل لحلول سلمية تضع حد لحقبة طويلة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وتفتح المجال واسعاً أمام إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية وقطاع غزة بما فيها القدس الشرقية  ،لتحقيق إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة على أراضي العام 1967م، وحل قضايا الحدود والقدس واللاجئين ، إن الروح الجديدة للسلام التي أعلن عن انطلاقها  في البيت الأبيض ستواجه أزمة حقيقة  إذا ما اصطدمت بسياسة التهرب و التعنت الإسرائيلي المعتادة والاستمرار في تطبيق نظرية الأمن الإسرائيلي باعتبارها جوهر وأساس العملية السلمية دون النظر لأمن الفلسطينيين واعطاءهم حقوقهم المشروعة التي كفلتها لهم الشرائع والمواثيق الدولية ،  فالملاحظ من خطاب بنيامين نتنياهو الذي أعطى فيه مساحة واسعة للحديث عن مفهوم الأمن باعتباره على رأس أولويات العملية التفاوضية،  ومحاولة خداع العالم وكسب التأييد الدولي لصالح  الرؤية  الإسرائيلية  التي تركز على الأمن ، والقفز والالتفاف على  مطالب واستحقاقات العملية السلمية من خلال التباكي وتسليط أنظار العالم على عملية الخليل الأخيرة التي سقط خلالها أربعة قتلى إسرائيليين، في الوقت الذي كان يتطلب من نتنياهو الاعتراف بالمعاناة التي سببها الاحتلال الإسرائيلي لأبناء الشعب الفلسطيني على مدار ستين عاما ماضية ، واستعداد حكومته لإعادة حقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة ، والاعتراف بدولة فلسطينية على حدود العام 1967م، لإثبات حسن النوايا ومصداقيته تجاه العملية السلمية ، بدلاً من البحث عن حجج وذرائع  تبقي مجالاً للمناورة و تعطيل المفاوضات في أي وقت  إذا ما تعارضت مع رؤية إسرائيل  للحل السلمي .

إن الحكم على إمكانية نجاح المفاوضات المباشرة من فشلها يدفعنا نحو  دراسة ومراجعة الوضع الداخلي الإسرائيلي وقدرة الجبهة الداخلية علي استيعاب عملية سلمية  مع الفلسطينيين ينتج عنها تنازلات سياسية وجغرافية تعتبرها إسرائيل مؤلمة بالنسبة لها ، وصمود الائتلاف الحاكم المشكل من أحزاب اليمين المتطرف أما م توقيع أي اتفاق سلمي ، أو تفككه الأمر الذي سيسمح بتقوية دور المعارضة ويدعم إمكانية دخولها الحكومة أو عودتها لسدة الحكم في إسرائيل، وهو الأمر المرجح في ظل إصرار حكومة نتنياهو واجتماع أحزابها على فكرة الاستيطان وتهويد القدس وضرورة اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة الإسرائيلية مقابل توقيع اتفاق سلمي يضمن قيام دولة فلسطينية ، وبموازاة الوضع الداخلي الإسرائيلي يعاني الداخل الفلسطيني من ويلات الانقسام الذي أضعف من الموقف الفلسطيني، وساعد إسرائيل على  التحكم  والتأثير في القرار الفلسطيني  وهو ما تحاول استثمار نتائجه من خلال ابتزاز المفاوض الفلسطيني ، واستمرار تحكمها في  أمور الحياة السياسية والاقتصادية للشعب الفلسطيني ، سعياً وراء فرض رؤيتها للحل القائمة على انتقاص حقوق الشعب الفلسطيني واختزالها في قضايا بعيدة عن جوهر الصراع .

إن الأسابيع والأشهر القادمة جديرة بأن تكشف لنا مسار العملية السلمية وحول ما إذا  كنا نقف فعلاً على أبواب عملية سلمية حقيقة ، أم أننا سنكون على موعد مع خيارات أخرى على صعيد الداخل الإسرائيلي، وتغييرات على الساحة الفلسطينية فيما يتعلق بتعديلات على حكومة سلام فياض خصوصاً في ظل الضغوطات المالية التي قد تعاني منها السلطة الفلسطينية إذا ما أوقف الاتحاد الأوروبي والداعمون الدوليون مساعداتهم للشعب الفلسطيني في حال فشلت المفاوضات.