العلويون يسيطرون على حزب البعث
قرأت للشيخ سرور زين العابدين (1)
العلويون يسيطرون على حزب البعث
د.خالد الأحمد *
لابد أن أصرح بأنني مبهور بثقافة وأكاديمية وسعة إطلاع الأخ سرور زين العابدين ، وأنه من القلائل الذين أجد فيما يكتبونه معلومات جديدة موثقة ...وأنني أحبه في الله – ولم أره في حياتي – وأدعو الله عزوجل أن ينفعه بعمله ويجعله خالصاً لله في صحائف أعماله يوم القيامة .... ( وليعذرني الشيخ سرور حيث بدلت مفردة واحدة من مفرداته بمرادف لها ) ..
د. خالد الأحمد
يقول الأخ سـرور :
تمهيد:
العلويون الذين استعمروا بلاد الشام منذ أربعة عقود، هل يثقون بالمسلم السني كائناً من كان؟!.
بادئ ذي بدء لابد لي من القول بأنني لا أعني بالمسلم السني من كان ملتزماً بأحكام دينه، عاملاً لنصرة شريعة الله، فبغضهم لمن كان هذا شأنه مفروغ منه، ولا حاجة فيه إلى سؤال وجواب .. وإنما أعني موقفهم بكل من كان محسوباً على المسلمين السنة حتى ولو كان علمانياً أو قريباً من العلمانية. وإذا اتضح هذا، فسأعرض فيما يلي موقفهم من صنفين من الناس:
1- : موقف البعثيين(العلويين) من أساتذتهم وزملائهم في الحزب:
تسلل النصيريون إلى حزب البعث في الظلام، واستغلوا فراغ الحزب والحزبيين، فسيطروا على جميع شؤون ومؤسسات الحزب، ثم أطاحوا بقادة الحزب ومؤسسيه الذين كانوا لا يشكون بهم ولا بولائهم لهم وللحزب. احتفظ الحكام الطائفيون الجدد باسم الحزب ومبادئه، ولكن التطبيق كان يختلف كل الاختلاف، ويروى عن ميشيل عفلق قوله بعد فوات الأوان: لا هذا الحزب حزبي، ولا هذا الحكم هو حكم البعث الذي أعرفه.
لم يترك الحكام الجدد القادة المؤسسين وشأنهم، وإنما أرادوا بهم شراً. فميشيل عفلق غادر دمشق تحت جنح الظلام، أي قبل وقوع انقلاب 23/2/1966 بساعات قليلة، ثم عاش بقية عمره غريباً يحلم بالعودة إلى دمشق التي أحبها مرة أخرى، ولو تمكن منه طلابه لقتلوه، وأكرم الحوراني حاولوا اغتياله صباح الثامن من آذار عام 1963، وحاصروا منـزله، لكنه كان شديد الحذر، وعنده معلومات أكيدة عن الإنقلاب ورجاله وموعده فغادر منـزله قبل الإنقلاب بأيام. أما صلاح البيطار الذي توارى عن الأنظار ليلة 23/2/1966 ثم فر إلى لبنان، وأمضى بقية عمره متنقلاً بين لبنان والعراق وباريس، وفي أوائل الثمانينيات من القرن الماضي اغتالوه في باريس دون أية مراعاة لغربته وشيخوخته أو لفضله عليهم.
أما بقية القادة فكانوا بين قتيل وطريد وسجين، وتكرر المشهد نفسه مع الذين شاركوهم في انقلاب 23/2/1966، كانوا يمتصون كل ما عند الشركاء "من غير أبناء الطائفة" من طاقه، ثم يلفظونهم كأوراق محروقة أو كنفايات .. وهذا ديدنهم منذ انقلاب الثامن من آذار 1963 وحتى يومنا هذا .. ولينظر من شاء إلى مصير كل من: صلاح البيطار، منيف الرزاز، أكرم الحوراني، أمين الحافظ، مدحت البيطار، نور الدين الأتاسي، يوسف زعين، ناجي جميل، محمود الزعبي، عبد الرؤوف الكسم .. حكمت الشهابي، مصطفى طلاس، عبد الحليم خدام، وكثير غيرهم.
هل كان ميشيل عفلق يتصور أن يغدر به ضابط صغير مثل النقيب صلاح جديد؟ لنقرأ سوية ما كتبه زهير المارديني:
"سبق لي أن كنت إلى جانب الأستاذ ميشيل عفلق في رئاسة الأركان العامة يوم كان رجال حركة الثامن من آذار يؤلفون أوّل وزارة بعد نجاح حركتهم. وقد اختار الأستاذ أن يجلس في غرفة أحد كبار الضباط بعيداً عن حركة الاتصالات التي كانت تجري، وبينما كنا نتبادل الحديث دخل الغرفة ضابط نحيل يضع على كتفيه ثلاث نجوم وراح يقترب من الأستاذ للسلام عليه، فإذا بالأستاذ يهب واقفاً، ويصافح القادم بحرارة لم يعرفها أحد من الحزبيين. همس القادم بإذن الأستاذ ببضع كلمات ثم انصرف دون أن يلتفت إلى الحضور أو حتى يسلم عليهم. عندها سألت الأستاذ عن اسم هذا الضابط المتعالي، الشامخ بأنفه، فأجابني:
النقيب صلاح جديد أحد أركان حزب البعث، ثم راح يغدق عليه من الألقاب ما لم يسبق أن أغدقها على أي حزبي، عندها وجدت نفسي أهمس في أذن الأستاذ:
- الله يجيرك منه يا أستاذ فهناك حكمة مأثورة تقول:
- اتقوا صفـر الوجوه بدون علة!.
فإذا بالأستاذ عفلق يؤنبني على ملاحظتي تأنيباً قاسياً لم آلفه منه قبل.
وفي مناسبة ثانية، وكنت ألاحق عن بعد تكتيك صلاح جديد للوصول إلى استراتيجيته، سألت الأستاذ عفلق وقد سمعته يغمز من تصرفات جديد:
- ما هو مأخذك الرئيسي على صلاح جديد؟ فأجاب: إنه ذكي طموح. بدأ يخطط، منذ دخل الحزب للوصول إلى قيادته". [1]
- وهل كان أكرم الحوراني يتوقع أن يكون ذلك الفتى الصغير الذي تلقفه حزبه منذ كان طالباً في ثانوية حماة هو الذي سيحاصر منـزله يوم الثامن من آذار 1963 ليقتله وليس ليعتقله، وهذا ما ذكره الحوراني في مذكراته، وذكرته زوجته في مذكراتها؟!.
مع أن الحوراني كان بعيد النظر، وتغلب عليه الشكوك، فلا أعتقد أنه كان ينتظر شراً من الفتى محمد إبراهيم العلي الذي أحسن إليه وإلى أهله وطائفته، ونصّب نفسه محامياً عنهم، ثم توسط له ليكون ضابطاً في الجيش، وتدخل لعدم تنفيذ حكم الإعدام بحقه عام 1962 يوم أن قتل هو ومجموعة من أبناء طائفته زملاءه الضباط السنة الأربعة: نصوح النعال، كامل عرنوس، جميل قباني، صفوت خليل .. وكان كل من: محمد عمران، وصلاح جديد، وحافظ الأسد متورطين في هذه المجزرة التي شهدتها حلب بحجة إعادة الوحدة مع مصر، وثبت فيما بعد أن مسألة إعادة الوحدة كانت ذريعة عندهم للسيطرة على الحكم في سورية وتكريس الإنفصال.
أكرم الحوراني كان مجانباً للعدل والإنصاف عندما رمى بثقله من أجل وقف تنفيذ الحكم بالإعدام الذي أصدرته محكمة أمن الدولة بتاريخ 17/1/1963 بحق الملازم الأول محمد إبراهيم العلي وآخرين من المجرمين المشاركين في فتنة حلب [4/4/1962]، ومن المؤسف أن رئيس الجمهورية [آنذاك] الدكتور ناظم القدسي كان ضعيفاً فاستجاب للضغط السياسي الذي مارسه الحوراني وحزبه. أما الملازم أول محمد إبراهيم العلي الذي أصبح فيما بعد لواء وقائداً للجيش الشعبي في نظام طائفته، فكان يتهم الحوراني بأنه وراء الحكم عليه بالإعدام.
وخلاصة القول: هذا هو موقف الحزبيين العلويين من زملائهم، ويستطيع أي بعثي قديم أن يذكر عشرات الأمثلة على غدرهم بهم. وهذه واحدة، أما الثانية، فقد جاء في مذكراتهم أو تراجم بعضهم التي كتبها مقربون منهم أنهم ما كانوا يكنون أي ودٍ أو محبة لمؤسسي حزب البعث: عفلق، والبيطار، والحوراني، وجلال السيد، وهذا يعني ببساطة ووضوح أنهم كانوا يظهرون لهم الود والاحترام، ويبطنون الكراهية والحقد عليهم، وهذه سمة بارزة من سمات الباطنية .[2]
2- موقفهم من الحكومات، والأحزاب، والهيئات التي تنادي بمبادئ مماثلة للمبادئ والشعارات التي ينادي بها حزب البعث:
كالوحدة العربية، والاشتراكية، والحرية، والتقدمية، وتحرير فلسطين. وكان بينهم وبين البعثيين عهود ومواثيق، تظاهر الباطنيون بالتمسك بها إلى أن قويت شوكتهم، وأخلص الشركاء في تعاونهم معهم، فقلبوا لهم ظهر المجن، وبطشوا بهم متنكرين لكل عهد وميثاق، ومن هؤلاء الضحايا:
* الناصريون: ويشكلون تياراً واسعاً في سورية، وقد وثقوا بحزب البعث، القيادة القومية بزعامة ميشيل عفلق التي لم تشارك في الانفصال، واتفقوا على أن يعملوا من أجل وحدة سورية مع مصر بزعامة جمال عبد الناصر .. ولولا هذا الاتفاق لما استطاع البعثيون من الوصول إلى الحكم .. وبعد انقلاب الثامن من آذار بأشهر قليلة تنكروا لعهودهم، وأسفروا عن نواياهم المعادية للوحدة، أما الحرية فهم والناصريون سواء.
لم يتحمل الناصريون خيانة البعثيين لهم، ففي [18/7/1963] حاول العقيد جاسم علوان الاستيلاء على وزارة الدفاع وعلى مبنى الإذاعة، ولكن المحاولة فشلت لأسباب منها أن البعثيين كانوا على علم مسبق بتحركات الناصريين، التي كان يوافيهم بها النقيب النصيري محمد النبهان الذي أوهم الناصريين بأنه واحد منهم .. وبعد فشل المحاولة بساعات بدأت المحكمة الميدانية عملها في سجن المزة، يقول أكرم الحوراني في مذكراته:
"قالت السيدة نعمت فوق العادة، وكانت مديرة لإحدى المدارس وهي قريبة لزوجتي ومن الناصريات المتحمسات أنه قبض عليها يوم محاولة جاسم علوان ووضعت في سجن المزة، وأن محاكمتها كانت أطول محاكمة إذ دامت ثلث ساعة، بينما لم تدم محاكمة كل واحد من الآخرين سوى خمس دقائق، وقد اقترح صلاح الضلي رئيس ا لمحكمة إعدامها، ولكن رباح الطويل أحد الأعضاء قال:
لن أسجل على نفسي أنني اشتركت بأول إعدام سياسي لامرأة في سورية" [3].
تذكر جمال عبد الناصر بعد مجزرة المحاكم الميدانية أن حزب البعث انفصالي، وأن قيادته يتبعون أساليب ملتوية تخدم أهداف حزبهم ولا تخدم الأمة العربية، فقال في خطاب له بتاريخ 22/7/1963:
"إن الجمهورية العربية المتحدة لا تعتبر نفسها مرتبطة أو ملزمة بأي اتفاق مع الحكومة السورية الحاضرة، لأن حكم البعث حكم فاشستي متسلط ودموي وهو حكم المشانق وحمامات الدم".
كان عبد الناصر – في خطابه – يتحدث نيابة عن كل ناصري داخل سورية وخارجها، ولكن البعثيين كما خدعوه من قبل، فقد خدعوه مرة أخرى، واستدرجوه إلى حرب كانوا يعلمون جميعاً أنها خاسرة، أعني حرب الخامس من حزيران عام 1967، وبالمقابل فقد خدعوا التيار الناصري في سورية مرات ومرات [4].
* أحزاب الجبهة التقدمية:
وهم خليط، فمن جماعة الحوراني الذين اختلفوا معه، إلى أكثر من حزب ناصري، إلى الشيوعيين ... الخ، ولهؤلاء مشاركة رمزية في حكم سورية، وكان جمهورهم من قبل نزلاء السجون السورية .. وبعد الإذلال والقهر في زنازين البعث الطائفي، وهذه فترة ترويض .. أخرجوهم بعدها من السجون، ومنحوهم ترخيصاً بإنشاء أحزاب، وصار لهم وزراء ونواب، لكنهم ليسوا أكثر من "ديكور للنظام"، يرددون ما يريده، ولكن بنكهة لا تخلو من معارضة.
* منظمة التحرير:
تحالفوا معها حيناً من الزمن، ورفعوا مثلها شعار تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وعندما دخلوا لبنان في بداية عام 1976 زعموا أن هدفهم حماية منظمة التحرير والمقاومة الفلسطينية، ولكن قولهم شيء وفعلهم شيء آخر، ومن أفعالهم: تكوين منظمة لهم داخل منظمة التحرير هدفها شقها، ثم اشتروا ضمائر منظمات أخرى باسم اليسار، وشقوا منظمة فتح، وفي لبنان قاتلوا قوات منظمة التحرير، واستباحوا حرمة المخيمات الفلسطينية، وتعاونوا عسكرياً مع من قاتل الفلسطينيين .. فكان دورهم من هذه الناحية مثل دور الموارنة أو الشيعة، وأكاد أقول مثل دور القوات الإسرائيلية، وفي دمشق أنشأوا فرعاً من أسوأ فروع المخابرات، سموه فرع فلسطين، وقد استضافوا في زنازينه آلافاً من مختلف المنظمات الفلسطينية.
تعليق الدكتور خالد الأحمد :
وهكذا استطاع حافظ الأسد أن يسيطر على حزب البعث ، ثم يرميه بعد أن حقق له مقصده ، كما ترمى العلبة الفارغة بعد أن شرب العصير منها ، وبعد أن سيطر العلويون على حزب البعث ، وتخلص حافظ الأسد من البعثيين ( غير العلويين ) ….بدأ المعركة مع العلويين حتى تخلص منهم مستعيناً بشقيقه المجرم الأول رفعت ، وغيره من أفراد أسرة الأسد وآل مخلوف ، كما هو معروف ….
*كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية