هل سورية مستعدة للانفتاح على الإخوان؟
هل سورية مستعدة "للانفتاح على الإخوان"؟
عاكف أمره*
ترجمة: د. طارق عبد الجليل
موقع أخبار العالم التركي
أرى أهمية بالغة في التقارب الذي يجري حالياً بين تركية وسورية، رغم كل تحفظاتي على النظام البعثي؛ حيث أن ذلك التقارب سيصبّ في صالح كل من تركية وسورية بعيداً عن مسألة النظام الحاكم.
وبداية، فأجدني مدفوعاً إلى القول بوجوب هدم كل هذه الجدران والأسوار الوهمية التي نصبت بين شعوب منطقة جغرافية تجمعها حضارة واحدة مشتركة. فإزالة هذه العراقيل شرط أساسي من أجل القدرة على بلورة إدراك ثقافي وحضاري مشترك. فلم يستطع أيّ مغتصب محتل في فترة من فترات التاريخ أن يُقسّم منطقة الشرق الأوسط أو يفرّق بين لبناتها كما حدث في الفترة الحديثة والمعاصرة. فعلى سبيل المثال لم تنفصل مدينة حلب عن مدينة عينتاب في أي حقبة تاريخية بما فيها عصر ما قبل الإسلام. فالفستق الذي يزرع في عينتاب، عُرف بفستق الشام أو الفستق السوري لأنه ينتقل إلى العالم من خلال سورية، وقس على ذلك الكثير ممّا تتلاحم فيه المدينتان وتكمل إحداهما الأخرى فيه.
فأنا أرحب بهذا التقارب بين تركية وسورية من أجل تحقيق التواصل والترابط بين شعبين تجمعهما صلات قربى مباشرة، وإن كان هذا التقارب لم يترك تأثيراً سياسياً له إلى الآن.
فرغم أن إدارة الأسد الابن تعدّ أكثر مرونة عن إدارة الأسد الأب، إلا أنها لم تقدم تغيّرات أساسية مهمة. فسورية منغلقة على نفسها سياسياً، وتحاول الانفتاح على الخارج في ظل إدارة تقلص من الحريات والمشاركة السياسية. فهي تحاول تقديم نموذج في العلاقات الدولية يشبه النموذج الصيني حينما تحولت الصين إلى الرأسمالية اقتصادياً وسعت للإبقاء على نظامها الشيوعي سياسياً.
ولا شك أن هذا النموذج غير قابل للاستمرارية، فسورية عاجلاً أو آجلاً ستجد نفسها مضطرة إلى إجراء مراجعة داخل نظامها السياسي، والانتقال إلى نظام يتصالح مع مجتمعه، ويعترف بالحرّيات السياسية الأساسية على الأقل. وذلك لأنها لن يمكنها الانفتاح على العالم بهذه الكيفية، كما أن النظم المنغلقة على نفسها لن يمكنها البقاء حيّة فترات طويلة.
وسورية مقدمة على أكبر امتحان لها، ستتضح نتائجه في العلاقة التي ستقيمها مع القوى المعارضة بداخلها.
وعندما نتكلم عن القوى المعارضة فإن أوّل ما يتبادر إلى أذهاننا بالطبع هم الإخوان المسلمون في سورية. فنحن نتحدث عن علاقة أعلن فيها النظام السوري أن الإخوان هم عدوّه الرئيس وخاصة بعد أحداث أوائل عقد الثمانينيات، ونحن نتحدّث عن علاقة يُحكم فيها على عضو الإخوان المسلمين بالإعدام.
إن مصالحة يجريها النظام السوري مع الإخوان، إنما تعني صلة وتقارب بين النظام والمجتمع. إن تصالح الإخوان مع النظام رغم نفيه لهم بعيداً عن أوطانهم زهاء ثلاثين عاماً، ورغم وضعه يده على أموال ما يزيد عن مئة ألف منهم، إنما يبرز وضعاً جديداً، يجعل إدارة الأسد عاجزة أن تصمّ آذانها عنه فترة طويلة.
ولا أحد يعلم إلى أيّ مدى يمكن للنظام السوري أن يظلّ منغلقاً على نفسه، مع إشارة الإخوان إلى دخول حلبة النظام من خلال تأسيس حزب سياسي.
لقد اختار الإخوان المسلمون قبل أيام مجلس إدارة جديد لهم. وأعلنت الإدارة الجديدة بوضوح نيّتهم الكفاح السياسي من خلال تأسيس حزب سياسي. ولا ريب أن تولّي محمود رياض شقفة لرئاسة إخوان سورية يعدّ نقطة تحوّل جادّة.
والمهم هنا، هو كيف ستتجاوب سورية مع هذا التحوّل؛ بمعنى أن إدارة الأسد أصبحت مضطرّة للإجابة عمّا إذا كانت مستعدة للانفتاح على الإخوان أم لا؟. وهو ما يدفع إلى سؤال أهم، وهو متى سيقوم الرئيس الأسد، وهو الذي ألغى الحدود والحواجز السياسية مع تركية باسم احتضان المسلمين في تركية، باحتضان بني شعبه ووطنه؟!.
وهنا تقع على تركية مسئولية مهمّة، وهي أن تتحوّل أنقرة التي تجعل من نفسها "دولة نموذج" إلى معمل نشط فعال لتختبر فيه هدفها، وتحدد فيه إلى أي قدر يمكنها أن تؤثر في إدارة لم تستطع احتضان شعبها، وحرمته من حقوقه الإنسانية والسياسية الأساسية.
وإلا فإن تركية، بدخولها في علاقات استراتيجية مع سورية، وتغاضيها عن أيّ مشكلة تجب مناقشتها، لن تكون سوى دولة أضفت المشروعية على الأوضاع المعيشة في سورية.
إن انفتاح سورية على الإخوان، إنما يعني في الوقت ذاته اختباراً لتركية في مسألة انفتاحها على الشرق الأوسط.
* رئيس تحرير موقع أخبار العالم