عام مضى أفلا تعودون إلى رشدكم ؟؟
عام مضى أفلا تعودون إلى رشدكم ؟؟
إيمان رمزي بدران
عضو رابطة أدباء بيت المقدس
لعل المتتبع لحال القصية الفلسطينية منذ عام مضى يلمح بوضوح هذا الكم الهائل من التطورات المتلاحقة على كل الأصعدة، تسارع رهيب في كل شيء وتغيرات ملحوظة وكأننا في عنق الزجاجة كما يقولون...
فعلى الصعيد السياسي أصبح لدينا عمليا سلطتان في الضفة المحتلة وفي غزة، وبغض النظر عن كل المعطيات القانونية والدستورية التي تمنح الشعرية وتسلبها، إن كلا السلطتان تمارس سيطرتها عمليا على جزء من الضفة والقطاع ولن أقول فلسطين، ففلسطين ليست الضفة والقطاع وحسب، وعلى ذات الصعيد نرى حصارا سياسيا خانقا على الحكومة في غزة في مقابل دلال سياسي واضح لرئيس السلطة في رام الله !
على الصعيد الاقتصادي، كنا نظن للوهلة الأولى أن الأموال ستغدق على الضفة المحتلة لتصبح كيانا يتمتع بقدر ما من الرفاهية مقارنة بالقطاع، ولكننا وجدنا سياسية اقتصادية أممية أقرب إلى الرهان منها إلى التنمية الاقتصادية، فالرواتب على مزاج صانع القرار الأوروبي والصهيوني، والمعابر والحواجز على حالها بل زاد عددها في تهكم واضح على الرئاسة في رام الله واستخفاف واضح بكل الطاقم الفلسطيني المفاوض! ولعل الغلاء الرهيب في كل شيء في الضفة المحتلة جعل الناس هنا في ضائقة لم يشعروا بها من قبل حتى إبان حرب الخليج أو ما يعرف أمريكيا ' بعاصفة الصحراء ' ! صحيح أنهم كانوا في منع تجول متواص ولكن كل شيء كان متوفرا، أما اليوم فكل شيء يسير نحو أن يصبح للنخبة فقط !
وهناك في غزة برغم وجود حصار اقتصادي دولي وعربي إلا أن هذا الحصار قد يقول البعض أنه مبرر لرفض الحكومة هناك التعاطي مع الاشتراطات الدولية والعربية ربما ولكن ما الذي يبرره هنا، إنها عقلية المحتل، ولا شيء غيرها...
و ربما من الإنصاف أن نقول إن هناك شيئا واحدا أصبح أرخص ثمنا هنا في الضفة المحتلة ألا وهو الإنسان ! فبالمقارنة بين حقوق الإنسان في الضفة المحتلة وبين ما هو عليه الوضع في قطاع غزة ترى فروقا واضحة للعيان فهناك الأمن والأمان تم بسطه إلى حد كبير؛ أما هنا فتتكاثر الجرائم دون وازع ولا حسيب تتكاثر جرائم القتل والتعذيب في المعتقلات وليس أدل على ذلك من مئات الذين خرجوا من سجون السلطة وقد حملوا إلى المشافي لتلقي العلاج مباشرة، ومن ينسى الشهيد مجد البرغوثي! والذي عرفنا من خلال ما جرى له حقيقة الحملات الأمنية التي تتستر بالسيارات غير القانونية لتقوم بحرب شرسة على كل ما هو قريب من الخصم السياسي الذي أصبح أشد خطرا من وجهة نظر الأجهزة الأمنية من الاحتلال ذاته !
وحين نشرح هذا الوضع بهذه الصورة ذلك لا يعني أن النفق مسدود وأنه لا أفق، بل على عكس ذلك تماما إن هذه الأوضاع المأساوية والتي تبدو لكل ناظر، هي بداية تغيير حقيقي فعبر التاريخ لم تصل الأمور في بلد ما إلى ما وصلت إليه هنا إلا وكانت مقدمة لتغيير جذري كامل في كل شيء، ولعل أحاديث التهدئة في غزة وصمود مقاومتها، وثبات منهج المقاومة في الضفة رغم الحملات والمضايقات من كل الأطراف المعادية للمقاومة لدليل على اقتراب التغيير فقد تغيرت العقلية ولم تعد كالمثل الشعبي ' اللي باخد أمي أقول له يا عمي ' بل أصبحت كالحكمة القائلة 'النصر صبر ساعة' !
ولعل أول الطريق نحو هذا الحل هو تعزيز مقومات الصبر والصمود وأولها الحوار على أساس العودة إلى منهج الكفاح المسلح أو المقاومة أو الجهاد، كخيار استراتيجي لا بديل عنه ولتكون المفاوضة وسيلة لا غاية في حد ذاتها، فإما ذلك الخيار؛ أو فالقضية والقدس والعودة ستصبح حلما بعيد المنال. والله سائلنا وسيحكم التاريخ علينا ساعتها أننا لم نغلب مصلحة الوطن على مصلحتنا الذاتية وستلعننا الأجيال المتلاحقة عبر القرون !
وأخيرا، عام مضى أفلا تعودون إلى رشدكم ؟ عودوا يا ساستنا إلى شعبكم وإلى سلاح قد علاه الصدأ إلا من رصاص خرج ليدخل صدر أخوة الدم ! لا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيكم إن لم تسمعوها! ولا نريد أن نكون كالذين قال اله فيهم(لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) صدق الله العظيم ..