الأحواز.. شعب يأبي النسيان

الأحواز.. شعب يأبي النسيان

(2)

د. رفعت السعيد

ونعود إلي التاريخ لنعرف حقيقة عروبة الأحواز،والسبب في تسميتها عربستان. فمنذ زمن طويل جداً كانت «الأحواز» مستقلة بأرضها وشعبها وكانت عربية الوجود والشعب والتاريخ واستمرت كذلك، ففي القرن الأول الميلادي كتب المؤرخ الروماني باليني مؤكداً عروبة كل هذه المنطقة ولعله كان أول من أسمي الخليج بالخليج العربي مؤكداً أنه وبكل شواطئه جزء مما أسماه «الأرض العربية السعيدة». وتوالي مختلف المؤرخين القدامي علي الاعتراف بعروبة هذه المنطقة، بما دفع السير أرنولد ولسن في كتابه «الخليج العربي» إلي التأكيد علي ذلك واصفاً «عربستان بأنها تختلف عن إيران اختلاف ألمانيا عن إسبانيا». أما المؤرخ «هورديك أوتي» فقد كتب في كتابة «الفقاعة الذهبية - وثائق الخليج العربي» قائلا: أنه كان يعتقد ان هذا الخليج اسمه الخليج الفارسي لكنه وبعد زيارة المنطقة والتعرف عليها وعلي تاريخها أقر بتسميته «الخليج العربي» ووصف شواطئه قائلا «إن هذه المساحات الشاسعة الرمال البنية،وهذه المياه الضحلة الزرقاء المترامية الأطراف وكل ما فوقها وكل ما تحتها هي عربية، وقد كانت وستظل جزءاً لا يتجزأ من الخليج العربي.

 كذلك كتب المؤرخ الفرنسي«جان جاك برسي»في كتابه«الخليج العربي»لقد مرت عربستان مع الوطن العربي في مراحل واحدة وبخطوات واحدة منذ أيام العيلاميين والسومريين والكلدانيين،ويؤلف القسم الذي تغسله مياه قارون مع بلاد ما بين النهرين وحدة جغرافية واقتصادية شاركت سابقاً في الازدهار السومري والكلداني،وإذا كانت قد خضعت علي يد كوروش وداريوش عندما أسسا امبراطوريتهما فإنها ما لبثت أن أصبحت عربية من جديد.

وقبل الاسلام نزحت إلي منطقة الأحواز قبائل عربية أخري آتية من قلب الجزيرة العربية منها قبائل مالك وكليب واستقرت هناك وعندما قامت الجيوش العربية الاسلامية بفتح هذه المنطقة ساهم السكان العرب معها في القضاءعلي الهرمزان سنة 17 هجرية وطوال عهد الخلافة الاموية ثم العباسية وثورة الزنح ثم الحكم العثماني كانت جزءاً لايتجزأ من الأراضي التابعة للخلافة..واستمر الأمر كذلك حتي 1925 عندما تآمر الإنجليز مع رضا شاه والذي كان جنديا بسيطا ثم تدرج في الجيش حتي قاد انقلابا مدعوما من الإنجليز ضد سيد ضياء الدين الطبطبائي في عام 1921 وألقوا القبض علي أمير الأحواز الشيخ خزعل وسلمت الأحواز إلي ايران.

 وإذا كان الايرانيون يجادلون في أحقيتهم التاريخية في أرض الأحواز بمقولة إن حكام فارس قد احتلوا هذه المنطقة لفترة من الزمن فإن الاحوازيين يردون عليهم بأن اليونان والرومان والعرب حكموا فارس ثلاثة عشر قرنا.. وقد استمرت السيطرة العربية علي بلاد فارس آماداً طويلة فهل إدعي أحد عروبتها. ويعود المؤرخون لاسترجاع حقائق تاريخية مهمة.

فالمؤرخ الانجليزي لونفريك يقول في كتابه«أربعة قرون من تاريخ العراق» في أراضي عربستان الزراعية المنبسطة تستقر قبائل عربية تمتلك الأرض وتسيطر علي طرق المنطقة وتفرض الضرائب علي الطرق النهرية دون معارضة من أحد وأكثر من مرة حاول الإنجليز بالتعاون مع الفرس احتلال «الاحواز» دون جدوي. ويأتي القرن التاسع عشر والأحواز دولة عربية مستقلة وقوية قادرة علي حماية منطقة الخليج العربي هي وحلفاؤها الاقوياء في إمامة عمان ووقفنا معاً في وجه محاولات الفرس والترك والانجليز للسيطرة علي المنطقة.

كما ان دولة فارس نفسها قد اعترفت باستقلال إمارة عربستان ففي عام 1857 أصدر ناصر الدين شاه مرسوماً ملكياً يقول: تكون امارة عربستان للحاج جابر بن مراد ولأبنائه من بعده.

ويقيم في مدينة المحمرة «عاصمة عربستان آنذاك» مأمور من قبل الدولة الفارسية ليمثلها لدي أمير عربستان وتنحصر مهمته في الأمور التجارية فقط. ويتعهد أمير عربستان بنجدة الدولة الفارسية بجيوشه في حالة اشتباكها في الحرب مع دولة أخري.

وعندما أرادت بريطانيا انشاء معمل لتكرير البترول في عبدان وهي جزء من أرض عربستان انتدبت السير برسي كاكس ليتفاوض نيابة عنها مع أمير عربستان باعتباره الحاكم العربي الأعلي في المنطقة لعقد اتفاقية بشأن السماح باستخدام خط أنابيب البترول للمرور عبر أراضي إمارته متجها إلي مصفاة عبدان وكان يتسلم وفق هذا الاتفاق ايجاراً سنويا قيمته 650 جنيها.

كما ان بريطانيا أبرمت معاهدة أخري مع أمير عربستان تعهدت فيها بالدفاع عن الأمير وامارته وان تشاركه في صد أي هجوم خارجي عليه.. وبرغم ذلك كله فإن بريطانيا قد تآمرت مع ايران علي تسليمها دولة عربستان.

 ويمكن ان ندرك المفارقة بالعودة إلي المؤرخ الفرنسي جاك بيريبي في كتابه الخليج العربي إذ يقول «ان عربستان هي طرف الهلال الخصيب الذي يبدأ عند السهول الفلسطينية وينتهي عندها ماراً بلبنان وسوريا والعراق». فبريطانيا أسلمت الطرفين أحدهما لايران والآخر لليهود في فلسطين. أليست هذه مفارقة تستحق التأمل؟

 لكن ذلك كله لم يجب علي السؤال المرير: لماذا تصمم إيران علي محو عروبة الاحواز وإنكار تاريخ عربستان وتحكم قبضتها عليها؟

والاجابة تأتي من فحص الإمكانات الاقتصادية لهذه المنطقة..

فلنحاول في المرة القادمة.

ملاحظة :

 إقرأ القسم الأول من : الأحواز.. شعب يأبي النسيان (1)