لماذا تطلبون الحي بين الأموات
لماذا تطلبون الحي بين الأموات؟؟..
القس لوسيان جميل
اعزائي القراء!
على الرغم مما يقال من ان الموت لا يقبل التفاوت، الا اننا نرى ان الموت، في حقيقة الأمر متعدد الأشكال والأنواع، وانه حقيقة تماثلية Analogique تجعل ان تتشابه كل الميتات في اسسها العميقة وتختلف من حيث ابعادها المتعددة وأوجهها المتباينة. وهكذا نجد موت الانسان الفرد، بمعناه الطبيعي المعروف، كما نجد موت الروح الذي يشبه الموت الطبيعي من بعض اوجهه، ويختلف عنه من اوجه اخرى. فضلا عن ذلك يشهد التاريخ على موت وانحلال المجتمعات والمؤسسات والأمم، بما يشبه الموت الطبيعي عند الانسان، وبما يختلف عن هذا الموت من اجه أخرى، حسب قانون التماثل المذكور.
تماثل حقيقة الموت:
من المعروف ان ظاهرة الموت تشمل الكائنات الحية العضوية، ومنها الكائن الفريد الذي هو الانسان. غير ان كلمة الموت لا تطلق على الحيوانات والبشر فقط، لكنها تطلق على أية صورة اخرى من صور الحياة، من باب التماثل، وليس فقط من باب المجاز. فكلمة الموت تطلق على الحياة الجسدية، لكنهـا تطلق ايضا علـى الحياة الروحية، كما تطلق على هذا الكائن البشري الذي نسميه المجتمع.
من هنا نسأل ببساطة ونقول:
ترى ما هو السبب الذي يجعلنا نطلق كلمة الموت على حياة الروح، وعلى حياة المجتمعات، كما نطلقها على حياة الانسان الفرد، او على أي كائن حي آخر؟ لكي نجيب على هذا السؤال نقول بأن الانسان يموت حين يحدث خلل في بعد او اكثر من ابعاده الجسدية ( اعضاء ). ذلك انه عندما يحدث خلل في ابعاد الانسان وبناه العضوية تفقد " ذاته " السيطرة على سائر أبعادها وبناها، وتزول الرابطة بين اعضاء الانسان المختلفة، وتتلاشى وحدة المنظومة الحياتية، الجسدية والروحية، فيقال ان فلانا قد مات.
غير ان ظاهرة الموت لا تشمل حياة الانسان الجسدية فقط، ولكنها قد تشمل حياة الانسان الروحية ايضا. فاذا كان موت الانسان بالجسد انحلالا وتفككا وفقدان سيطرة الذات على ابعادها وبناها المتعددة وتوقف منظومة الحياة عن العمل، فان موت الروح يحمل هذه الصفات تماما. فالإنسان يموت بالروح، او يموت روحيا، عندما يحدث خلل في منظومة الأبعاد الروحية عنده، وتزول وحدة هذه الأبعاد وتماسكها وتشابكها، وتتعطل بذلك الحياة الروحية عند الانسان، وهو ما نسميه الموت الروحي، المماثل للموت الجسدي من كثير من وجوهه الاساسية.
اما موت المجتمعات فينقسم هو الآخر الى ميتتين: الميتة الجسدية للمـادة الاجتماعيـة التي تأتي نتيجة تفكك البنى التحتية لأي مجتمع، والميتة الروحية التي تخص البنى العليا، او البنى الفوقية للمجتمع، بحسب المنظور البنيوي المعروف. فالميتة الجسدية الخاصة بالمجتمع قد تعني خللا كبيرا في بنى المجتمع التحتية، مما يؤدي بالنتيجة الى تفكك هذا المجتمع وموته.
غير ان ما يحدث احيانا كثيرة هو نوع من الانقلاب والتحول في المجتمعات، بحيث يموت المجتمع القديم، ليحل محله مجتمع جديد، ناتج عن ولادة جديدة. ففي هذه الحالة يمكننا ان نتلكم عن تغيير صورة المجتمع، وعن استحالته Métamorphose ، كما يمكننا ان نتكلم بصورة مبسطة عن تحول المجتمع Transformation وعن تبديلاته وتغييراته Transmutation .
من هنا نرى انه يمكن ان تحصل بعض التغييرات السلبية المدمرة للمجتمع، كما يمكن ان تحصل فيه تبديلات وتغييرات طبيعية نافعة ومجددة. اما التبديلات المدمرة فتشبه ما حصل عندنا في العراق وما يحصل غالبا اثر الحروب، سواء كانت حروبا عدوانية ام حروبا شرعية مفروضة على المحاربين، في حين نجد تبديلات ايجابية تؤدي الى انحلال مجتمعات قديمة لتحل محلها مجتمعات اكثر تقدما.
بعض انواع الموت الروحي:
وبما اننا هنا لا نريد ان نتكلم عن الموت الطبيعي، بل عن الموت الروحي، لكي نقارن فيما بعد بين حياة الجسد وبين حياة الروح، فإننا نسرد الان بعض الأمثلة التي تقدم لنا انواعا مختلفة من الموت الروحي, لكي نتعرف من خلالها على طبيعة الموت بشكل عام، وعلى طبيعة الموت الروحي بشكل خاص.
فهكذا مثلا نجد اناسا هم احياء بالجسد لكنهم اموات بالروح بسبب الأعمـال الشريرة الكثيرة التي يرتكبونها، او بسبب لا مبالاة هؤلاء الناس بالقيم الروحية في حياتهم: بمعنى انهم لا يحاولون ان يعيشوا بحسب هذه القيم الروحية الانسانية ولا يحاولون ان يتجنبوا كل ما يخالف هذه القيم في حياتهم. لذلك نرى مثل هؤلاء الناس احياء بالجسد وموتى بالروح، مثلما يحدث لأناس يموتون سريريا، في حين تبقى عندهم ما يسميه البيولوجيون بالحياة النباتية Vie végétative .
ففي الواقع قد تموت الكرامة عند بعض الناس، ويموت عندهم الشرف، وتموت عندهم الأخلاق موتا حقيقيا، دون ان يموت الجسد مع موت الفضائل الانسانية المذكورة. وقد يموت الضمير عند بعض الناس ويموت عندهم الوجدان وتموت عندهم القيم النبيلة وتموت عندهم المشاعر السليمة الحساسة، مع بقاء الجسد سليما، اللهم الا من بعض آثار هذا الموت الروحي الجانبية، من باب الاتصال الوثيق بين الجسد والروح، فيما يسميه علماء الحياة وعلماء النفس بالظاهرة النفسية الجسدية Psycho somatique والتي هي مسؤولة عن بعض التغييرات في الجسد، وخاصة في الوجه، بسبب حالة نفسية معينة.
غير ان الناس يتكلمون ايضا عن موت المحبة في قلوب بعض البشر، وعن موت فضائل العدل والحق والخير عندهم. كما يتكلم البعض عن موت الشجاعة فـي قلوب بعض الناس وعن موت فضيلة الأمل ( الرجاء ) في حياتهم، وعن موت فضيلة الصبر وفضيلة القوة التي تساعد على تحمل المشقات والآلام، وتساعد بالتالي على نصر الانسان في جهاده وصراعه مع الشر، بكل اشكاله. علما ان ما ذكرناه شيء قليل جدا من الفضائل الموضوعة في حياة الانسان لخدمته الانسانية المتميزة.
الحياة حقيقة تماثلية ايضا:
فكما ان هناك موتا بالجسد وموتا بالروح فان هناك حياة بالجسد وحياة بالروح. وكما ان موت الروح يرتدي اوجها مختلفة هكذا ايضا ترتدي الحياة اشكالا مختلفة ومتنوعة، بحسب قاعدة هذه الظاهرة الانسانية التي يسمونهـا التماثل او الأنالوجيا. فما يجمع بين جميع الميتات الجسدية والروحية هو الانحلال والتفكك وانفصام عرى الأبعاد المختلفة، وبالتالي فساد الكل، وزوال المنظومة الانسانية برمتها. اما العلامات الجامعة لكل انواع الحياة، فهي عكس علامات الموت تماما، اذ ان الحياة تعني وحدة المنظومة الانسانية بشكل كامل، وسيطرة مركز المنظومة الحياتية على كل ابعادها المختلفة، الجسدية منها والروحية، سيطرة تامة، كما ان الحياة، سواء كانت حياة روحية ام جسدية، فتعني التناسق الكامل والوحدة بين جميع ابعاد وبنى المنظومة من اجل تأدية خدمة الحياة للانسان على الوجه الأكمل.
وهكذا يمكننا ان نتكلم عن اختلافات بسيطة في الموت الطبيعي، لكن حالات الموت الروحي لا تعد ولا تحصى، لأننا نعرف ان امكانات التعددية في المادة هي اقل بكثير من امكانات التعددية في المجالات الروحية، على الرغم من ان قواعد انسانية تنظم جميع امكانات الجسد والروح، كل منها بحسب النظام الخاص به، أي بحسب طبيعته الخاصة، مع علمنا بأن ما هو روحي، بحسب تحليلنا الأنثروبولوجي للانسان، لا يأتي من عالم مختلف عن عالم الانسان المعروف.
وهكذا فان ما تقوله لنا الأنثروبولوجيا بكل ابعادها هو ان الروح، مثل الجسد، ظاهرة من ظواهر مادة الانسان الحية، وهذه الظاهرة لا تنفصل عن المادة التي تحملها وتحتويها، غير اننا يمكن ان نسمي ظاهرة الروح بظاهرة ما وراء المادة وما وراء الملموس، مثلما تكلموا في الفلسفة اليونانية عن ظاهرة الميتافيزيقا، أي ظاهرة ما وراء المادة الفيزيقية، مع امكانية ان نضيف نحن تسمية اخرى الى الظاهرة المذكورة، الا وهي ظاهرة ما وراء العضوي وما بعده، شرط ان نفهم ان ما وراء وما بعده لا يعنيان الانفصال ولا يعنيان المكان، وإنما يعنيان التميز فقط.
من الموت الى الحياة:
قرائي الأعزاء
اذا علمنا أن عنوان هذه الفقرة عنوانا يقع في صلب حياة الانسان، فإننا حينئذ لن نتعجب اذا كانت جميع الأديان تشيد بالإنسان الذي يقبل التضحية من اجل نيل الحياة، سواء كانت هذه الحياة الثمينة النبيلة على ارضنا هذه وفي عالمنا الانساني الخاص، او كانت الحياة السعيدة هذه مؤجلة الى العالم الآخر، كما تقول المعتقدات، في حين تقول النظرة العلمية الانثروبولوجية ان العالم الآخر رمز لعالمنا الراهن. وهكذا تكون اية تضحية مقرونة بمكافأتها، فلا تكون التضحية امرا سلبيا في حياة الانسان وفي حياة الشعوب بل تكون في قمة الايجابية، شرط ان لا تكون المكافأة المنتظرة مكافأة مادية تظهر وكأنها علاقة تجارة بين الله والبشر. وبذا تكون اية تضحية في حياة الانسان، سواء كانت كبيرة ام صغيرة موتا بحسب الجسد في سبيل الحياة، أي في سبيل التقدم الروحي الذي يسمى بالحياة الأبدية والحياة التي لا تفنى، لأنها ليست من طبيعة الحياة الجسدية الفانية.
غير ان قمة الموت الذي يقود الى الحياة هو الموت الاستشهادي، أي الموت في سبيل الله وفي سبيل الوطن وفي سبيل الفضيلة وفي سبيل خيارات الانسان الكبيرة. يقول يسوع في انجيل يوحنا: ليس حب اعظم من هذا ان يبذل ( يعطي ) الانسان نفسه عن احبائه. اما عند الاخوة المسلمين فالآية التي تتكلم عن الشهادة معروفة: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون.
موت العراق وحياته:
عندما نتكلم عن الموت والحياة فإننا نتكلم ايضا، بشكل مجازي وتماثلي، عن الموت والانبعاث وعن الموت والقيامة، بحسب المصدر الثقافي الذي نستقي منه مفرداتنا. وعليه فإذا ما تكلمنا عن موت العراق فإننـا تستطيع ايضا ان نتكلم عن حياة العراق وعن انبعاثه وعن قيامته. فالعراق قد مات حقا على ايدي قتلة الشعوب المحتلين وأعوانهم. لقد مات العراق حقا بشخص رئيسه الشهيد صدام حسين وسائر رفاق دربه الشهداء، لأن موت الرئيس يعني عادة موت الشعب الذي ينتمي اليه.
كما ان العراق قد مات بشخص شعبه الذي خضع لاضطهاد ظالم وبربري في شتى مناحي حياته السياسية والأمنية والمعيشية والصحية وغيرها. كما ان هذا الشعب صار ضحية المسدسات كاتمة الصوت وضحية الاغتيالات والتعذيب في المعتقلات، وصار ضحية التشريد في ارض الله التي لم تكن واسعة له على الاطلاق.
وفي حقيقة الأمر يمكننا ان نؤكد ان العراق قد مات موتا اكيدا من حيث جسده، أي من حيث تنظيمه المادي الاجتماعي، وذلك بسبب انفراط عقد وحدته نتيجة القضاء على قيادته السياسية وعلى جيشه الحامي لأية وحدة وأية حياة تستحق ان تسمى حياة، وعلى كل مقومات حياته الحاضرة والماضية والمستقبلية.
كان موتا حقيقيا:
وفي الحقيقة ان ما جرى للعراق لم يكن تغييرا، كما لم يكن تحولا، ولا أي شيء يشبه الاستحالة، لكنه كان تدميرا وموتا حقيقيا. ولذلك كذب الذين قالوا انهم اعطوا لنا عراقا جديدا. فالعراق قد مات حقا بعد ان ذبح من الوريد الى الوريد، لكن هذا الموت كان موتا بالجسد فقط، اي ان هذا الموت لم ينل من روح العراق، ولكن نال من جسده فقط، ونحن نحمد الله على ذلك استنادا الى مقولة كريمة تنسبها الاناجيل الى السيد المسيح تقول: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد انهم لا يستطيعون ان يقتلوا النفس ( الروح ).
موت على رجاء القيامة:
ولكن بما ان العراق لم يمت بالروح وانما بالجسد حسب، فان هذا العراق سيبعث حيا وسيأتي يوم قيامته، بحسب التعبير المسيحي الانجيلي عن القيامة، بمعناها الانساني الأنثروبولوجي العميق، وليس بمعناها القصصي التعليمي، وكذلك بحسب مصطلح البعث العربي والإسلامي، بمعانيه الدينية والإنسانية.
اما اليوم فان زمن قيامة العراق لم يأت بعد، لكن قيامته وبعثه يبقيان املا ورجاء ينتظره الشعب العراقي بشوق ومحبة، مثلما انتظر المسيحيون الأوائل الحدث الرمزي الأنثروبولوجي لقيامة يسوع في قلب المحبين، هذه القيامة التي تعني انتصار الشهداء وبقائهم خالدين عند ربهم، وعند من يحتاجهم ومن يؤمن بهم من البشر. لذلك نقول عن مثل هذه القيامة انها خارج الزمان والمكان، وان كان الكلام عنها وكأنها حدثت في مكان وزمن محددين.
اما من جانبي فاني اكتب ما اكتبه من باب المجاز والمقارنة والتشبيه فقط، عسى يفهم قارئي العزيز ما معنى قولنا ان العراق بقي حيا لا يموت، وأنه مات بالجسد وبقي حيا بالروح. ولذلك نسأل ونقول: اذا كان ايمان الرسل قد قال لهم بأن يسوع حي بينهم من جديد، على الرغم من موته الحقيقي او الظاهري على حد سواء، افلا يحق ان نقول ان العراق سيكون معنا من جديد، في مجيئه الثاني، بعد التحرير؟ نعم سيكون ذلك، ان شاء الله. حينئذ سنتمكن ان نقول: العراق قام، هليلويا ( هللوا للرب )، حقا قام: هليلويا، كما نقول نحن المسيحيين: المسيح قام: هليلويا، دون ان نلح على قيامة جسدية، في لاهوتنا المعاصر، لكي نستطيع ان نؤكد على القيامة الروحية الانسانية الانثروبولوجية الأنفع للإنسان.
لماذا تطلبون الحي بين الأموات:
وبما ان العراق بقي حيا لا يموت، يحق لنا ان نقول لكل محبي العراق: لماذا تطلبون الحي بين الأموات؟ اما قولنا هذا فهو شبيه بما قاله ملاكان للنسوة اللواتي كن يبحثن قرب القبرعن يسوع قائلين لهن: لماذا تبحثن عن الحي بين الأموات؟!
ليس ها هنا، قد قام.
نعم لا زال عراقنا حيا في ضمير ووجدان محبيه المخلصين لكننا لن نجده عند الأموات الذين اشتركوا في قتله وتسببوا في موته.
من هم الأموات ومن هم الأحياء:
اذا عدنا بسرعة الى فقرات المقال سنعرف حتما من هم الأموات الذين نقصدهم في هذا المقال، ومن هم الأحياء الذين نحترمهم ونمدحهم؟ اما الأموات فهم جميع المخدوعين بالاحتلال وبوعوده الكاذبة، من الذين قبلوا ان يدخلوا عمليته السياسية بنية ان يبنوا العراق من جديد كما يحلو لهم، وليس كما يجب ان يكون. فهؤلاء الواهمون قد خابت آمالهم وماتت مشاريعهم، مثلما ماتت روحهم، ومات ضميرهم وقلبهم، ليس فقط بسبب المقاومة العراقية الباسلة ورفض الشعب العراقي للاحتلال، ولكن، وخاصة بسبب تركيبة المحتلين القتلة نفسها، هذه التركيبة التي ولدت ميتة اصلا، ولا يمكن ان تنتج الحياة لأحد، لان هذه التركيبة كان ينقصها التجانس ووحدة الأهداف والقدرة على اتصال بنى الاحتلال بعضها ببعض، وتكوين منظومة حية تعمل بشكل سليم على انتاج الحياة.
ويقينا ان المحتل الخبيث كان يعرف ذلك، لكنه لم يبال بغياب التجانس وغياب الروابط الحقيقية بين اتباعه، لا بل ربما، او بالأحرى من المؤكد انه كان يريدهم امواتا لا يصلحون لبناء حياة، وذلك لان المطلوب من هؤلاء الاتباع جميعهم، لم يكن انتاج الحياة ولا اقامة عراق حي، بل كان المطلوب منهم فقط تدمير هذا العراق والقضاء عليه من اجل ان يرث المحتلون خيراته. فهل يمكن لأحد ان يجد العراق هنا في هذه الاوساط الميتة؟ كلا وألف كلا...
الختام:
فاذا كان من المستحيل ان يجد العراقيون عراقهم الروحي الحي في وسط المحتلين الذين ما عادوا يلتقون الا للشر وعلـى التنازلات المهينة، فأين يجد العراقيون عراقهم الحـي،يا ترى؟ انهم بالحق والحقيقة لن يجدوه الا بين الأحياء، اولئك الذين وضعوا العراق في حدقة عيونهم وفدوه بدمائهم وآلامهم ومضايقهم، وأولئك الذين حفظوا عراقهم كما تحفظ الكتب المقدسة بأقمشة من حرير وعلب مطرزة بماء الذهب، لكي تبقى قدسية كتابهم مصونة محفوظة.
كما لن يجد العراقيون عراقهم الحي الا في وسط أولئك الذين لم يسجدوا للبعل الأمريكي ولا لأعوانه، ممن لم يشفقوا على عراقهم وشعبه، وممن كانوا غير مبالين بعراقهم ومصيره، تنفيذا لأهداف غريبة عن مصلحة العراق والعراقيين.
اما هذا الكلام فيعني ان العراقيين سيجدون عراقهم في وسط الرافضين للاحتلال بأشكالهم المختلفـة، شرط ان لا يكون هذا الرفض من اجل مصلحة شخصية او حزبية، مهما تكن هذه المصلحة شرعية ومقبولة.
نعم
سيجد العراقيون عراقهم بين كل من يعمل لوجه العراق وحده مؤمنا انه بذلك يعمل لوجه الله ايضا،
وسيجد العراقيون عراقهم بين كل من يؤمن ان العراق لم يمت، وانه لا زال حيا، وأن يوم قيامته وبعثه قريب ان شاء الله.