مواطنون... شرعيتنا من أرضنا!!
نبيل عودة
كاتب , ناقد وصحفي فلسطيني – الناصرة
نشر وزير الدفاع السابق موشيه ارنس مقالا في جريدة "هآرتس" 2010/08/03 تحت عنوان "من أجل تجنيد العرب" يطرح فيه رؤية مشوهة لكل الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، الذي كان من نصيب الجماهير العربية في اسرائيل، منذ النكبة (1948) وحتى اليوم.
النقطة الأساسية، التي نوافقه عليها، هو انتقاده لجهود وزراء عنصريين من أجل إقرار قانون عنصري سخيف وتافه، يشترط على العربي أن يقسم يمين الولاء القانوني لدولة اسرائيل، من أجل الحصول على المواطنة، ويقول بوضوح: "أن هذا تضييع للوقت، وأن وزراء الحكومة لا يفهمون أنه لا، يمكن فرض قسم الولاء، خاصة حسب النص الذي صاغته لجنة الوزراء".
ويوضح ارنس أن الاخلاص للدولة يجب أن يتحقق بشكل طبيعي، وهو انعكاس للمشاعر العميقة جداً التي يحملها المواطن لدولته ومواطنيه" حتى هنا كلامه صحيح.
والسؤال الذي يتجاهله أرنس، كيف يمكن لمن فرضت عليه المواطنة، نتيجة نكبة شعبه، وصودرت أراضيه ويعتبر مواطناً من الدرجة الثانية أو الخامسة، أي مجرد مقيم في الدولة محروم من المساواة ومن الميزانيات المناسبة، وتمارس ضده سياسات عنصرية وقمعية وجرائم بشعة تكشف الوجه الحقيقي البشع لممارسات السلطة ونظرتها للأقلية العربية وكشف هذه الممارسات "ستكون لها اسقاطات حول أحترام القانون الدولي" ، كما حذر مسؤولين اسرائيليين كبار . إذن كيف يمكن لهذا المواطن أن يتحرر من ذاته، من تاريخه، من نكبته الذاتية، ونكبة شعبه المتواصلة منذ أكثر من ستة عقود ليقسم ما يظنه بعض الوزراء "حلاً" للإخلاص، أو هو مصيدة لتجريد المواطنين العرب من حقهم في العيش فوق تراب وطنهم، والحصول على حقوقهم كمواطنين وبني بشر، بدون تمييز عنصري من أبشع ما واجهته المجتمعات البشرية، عبر تاريخ لم يكشف منه إلا القليل جداً، وأنوه خاصة بما كشفه باحثين يهود أنفسهم، وأخص بالذكر الباحث من الجامعة العبرية "هيلل كوهن" في كتابيه "العرب الصالحون" و"جيش الظلال". كيف يمكن أن يقسم مواطن قسم ولاء لا يتضمن اعتباره انساناً يستحق نفس الامتيازات ونفس الحقوق الأساسية لكل مواطن آخر، ويستحق على الأقل أن لا يعتبر منذ يوم ولادته شخصاً غير مرغوب فيه، وخطراً أمنياً، تمتهن كرامته بأشكال عديدة؟
كان الأحرى بالسيد آرنس أن يقرأ تقرير "بعد الأزمة" الذي أعده عدد من الأكاديميين اليهود والعرب وقدم لرئيس الحكومة السابق ايهود براك، بعد انتفاضة اكتوبر 2000 ومقتل 13 مواطن عربي برصاص جنود وشرطة ، من المفترض أنهم يوفرون الحماية للمواطن العربي أيضاً، وخاصة حقه في الحياة!
ذلك التقرير يتضمن طرحاًَ موضوعياً لتعامل السلطة العنصري مع المواطنين العرب في جميع مجالات ومؤسسات الدولة منذ 1948، ويطرح ايضاً رؤية عقلانية واقعية من أجل تغيير الواقع.
أيضاً تقرير "لجنة أور" التي شكلت لفحص احداث أكتوبر 2000 وصلت الى نتائج تدين نهج السلطة في تعاملها مع المواطنين العرب، وتحذر من استمرار النهج. ويبدو أن كل التقارير تقود ليس الى استخلاص النتائج الصحيحة ، بل النشاط العنصري في فهم مناقض لأي تفكير منطقي بسيط، وكأن زيادة الضغط تضمن ما يحلم به العنصريون.
بالطبع آرنس يدعو الى أن تفرض الحكومة التجنيد الاجباري على المواطنين العرب ويعطي نموذجاً خاطئاً عن واقع الدروز في اسرائيل، الذين يجندون اجبارياً، متجاهلاً أن التجنيد لم ينقذ ابناء الطائفة المعروفية من التمييز العنصري ومصادرة أراضيهم، وأن المساواة الوحيدة التي حصلوا عليها هي المقابر العسكرية، وأن هناك حركة معارضة واسعة للتجنيد.
آرنس يرى الواقع، ولكنه يبتعد عن طرح الحل الوحيد الأساسي، ان تتخلص اسرائيل من سياسة الاحتلال والتوسع،وأن تعترف بحق الشعب الفلسطيني باقامة دولته المستقلة على ما تبقى له من أرض ، وأن يوجد حل مناسب لمآساة اللاجئين الفلسطينيين، عندها لن تكون بحاجة الى حروب وجيوش وتجنيد.
السؤال ما دام آرنس يشخص واقع العرب في اسرائيل، هل نعتبر ذلك عودة وعي فجائية لم تكن في السابق خلال وجوده وزيراً للدفاع؟!
ولماذا لا يوجه انتقادات للممارسات العنصرية التي جعلت المواطن العربي يرفض حتى أن يكون ممثلاً إسرائيل أسوة بالمخرج اسكندر قبطي من يافا تل أبيب الذي رفض أن يكون ممثلاً لإسرائيل مع أن فلمه عرض في الأوسكار كفلم اسرائيلي ؟
الحل لن يكون بالتجنيد لجيش قمع واحتلال بل بالاعتراف بالحقوق المتساوية الكاملة للأقلية العربية، وفي جميع مجالات الحياة، وبالاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بالتخلص من الاحتلال وبناء وطنه المستقل، بالتلخيص: رؤية آرنس أن التجنيد هو الحل لا تختلف في مضمونها عن عقلية وزراء الحكومة العنصرية بصياغة نص غبي لإعلان الولاء للدولة كشرط للمواطنة!!