ماذا جرى مع السوريين في معهد السلام بواشنطن قبل ايام ؟

الشيخ محمد اليعقوبي

ماذا جرى مع السوريين

في معهد السلام بواشنطن قبل ايام ؟

الشيخ محمد أبو الهدى اليعقوبي

كلنا شركاء 

أحببت بادئ ذي بدء أن أكتب هذه السطور لأقدم للمواطن السوري المهتم بشأن بلده شرحا عما جرى في مؤتمر الأقليات الذي نظمه معهد الولايات المتحدة الأمريكية للسلام USIP في واشنطن قبل أسبوع وخلاصة عن أهم ما نتج عنه موقفنا من القضايا التي طرحت فيه .

ولا بد من الإشارة أولا إلى أن هذا المؤتمر هو الثاني من نوعه في سلسلة لقاءات دعانا إليها معهد السلام ، وكان اللقاء الأول قد أقيم في إسطنبول مطلع العام الجاري وكان قريبا في موضوعه حول سبل تجنب العنف الطائفي . وهي سلسلة مؤتمرات تهدف إلى تهيئة سورية لمرحلة ما بعد الأسد من خلال إعادة لحمة التواصل والانسجام بين جميع مكونات الشعب السوري بعد الهزة التي تعرضت لها وكادت أن تحدث فيها شرخا عميقا .

موضوع اللقاء الجديد هو موضوع حساس لدى الغرب ولدى السوريين على حد سواء ، وإن كان بعض السوريين ينظرون إليه من منظور مختلف بشيء من الشك والريبة . إنه موضوع أسسِ العلاقات بين الأقليات أو مختلف الطوائف الآن وبعد انهيار نظام الأسد . بعيارة أخرى حوار بين نشطاء من مختلف الطوائف حول موقف هذه الطوائف من بعض ومما يجري ويرتكب من الجرائم بحق هذه الطوائف والجماعات ضد بعض ونظرتها إلى مستقبل سورية بعد سقوط الأسد . 

وهذا موضوع لا غبار عليه من الناحية الإسلامية من منظور أهل السنة والجماعة والمذاهب الفقهية . فالاستئصال والقتل والسلب والاسترقاق والتهجير في حق أبناء الطوائف هي أفعال شنيعة محرمة وتعد جرائم يحاسب عليها المسلم في الدنيا والآخرة ، وهي تسيئ إلى الإسلام ويجب على علماء المسلمين استنكارها .

والله تعالى يقول كما روي في الحديث القدسي الصحيح وهو حديث خاص بأهل الشام يعرف عند المحدثين بالحديث المسلسل بالدمشقيين: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا” وهو واحد من الأحاديث الأربعين التي انتقاها شيخ أهل الشام الإمام النووي رحمه الله وجعل مدار الدين عليها . ولذلك يتحتم علينا نحن أهل سورية أن نطبق هذه المبادئ على أنفسنا وعلى غيرنا سوية ، ولا يجوز أن يكون تعرضنا للظلم والاضطهاد خلال خمسين سنة من عهد الأسد الأب والابن مبررا لنا لكي نظلم غيرنا من الناس بدافع الانتقام ، فقد نهانا الله تعالى عن ذلك في القرآن الكريم إذ يقول: {ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَنْ لَا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ}.

أي لا يجوز أن يحملكم بغض قوم على ظلمهم وعدم إقامة العدل ، بل يجب عليكم أن تقيموا العدل على الجميع فذلك هو الدين والتقوى ، وإقامة هذا العدل هو ما يسمى في القوانين الحديثة اليوم بالعدالة الانتقالية .

ومن أهم المواضيع التي نوقشت خلال اللقاء معالجة الجرائم التي ترتكب من طرف النظام ضد الشعب السوري بجميع طوائفه وخصوصا ضد أهل السنة . وقد ارتفعت أصوات عدد من المعارضين لنظام الأسد الذي ينتمون إلى طائفته تدين هذا النظام وتجنيد أبناء الطائفة العلوية لدعم نظام حكمه وتؤكد وقوف الطائفة العلوية إلى جانب الشعب وأنها تعاني من الفقر والحرمان وأن المنتفع الحقيقي هو عائلة الأسد وأن . وهو ولا شك موقف جيد لكن يحتاج إلى أصوات أقوى من هذه الطائفة تعلو على صوت النظام وتنقذ الأبرياء من أبناء هذه الطائفة ، وقد كان العمل جاريا على تأمين انشقاق المزيد من العلويين ، ولكن تهديدات داعش وغيرها من الجماعات المسلحة التي يقودها الغضب والانتقام والكراهية لا يشجع اليوم أبناء الطوائف على الانشقاق ، وهو هدف سعى إليه النظام منذ بداية الثورة وتمكن من تحقيقه ليظهر على أنه حامي الأقليات وأن الثورة هي جماعات إرهابية تأسيس دولة إسلامية وإقامة الحدود الشرعية ، وهو رأي كرره خلال اللقاءات الصحفي الأستاذ علي ديوب .  ولا شك أن صور إعدام الجنود الأسرى في الرقة ستجعل من كل جندي في جيش النظام أيا كان دينه يقاتل حتى الموت دفاعا عن نظام لا يؤمن به لا حبا بهذا النظام ولكن فرارا من الموت ذبحا على يد داعش أو غيرها . 

وقد  قمنا بما يجب علينا من إدانة جرائم النظام والجرائم التي ترتكب من قبل من الجماعات التي تنتمي زورا وبهتانا إلى الإسلام  نحو داعش وغيرها ممن يرتكبون أفظع الجرائم في حق أبناء الشعب السوري عامة وفي حق أبناء الطوائف والأقليات الدينية خاصة في العراق وسورية . وهو ما يطمئن هذه الطوائف إلى أنه ما زالت في الشعب السوري بقية من أصوات العدل  والمحبة والتآخي والعيش المشترك تحت سقف الوطن . 

وقد ضم اللقاء عددا من النشطاء تم اختيارهم من قبل معهد السلام لاعتبارات مختلفة قد نتفق معها وقد نختلف ، منهم مسيحيون وعلويون وإسماعيليون وعلمانيون وعلماء ودعاة وداعيات ومحامون ، يجمع بينهم أنهم جميعا معارضون لنظام الأسد وإن كان لكل منهم طريقته في المعارضة . إذ منهم من انشق عن النظام مثل الدكتور رياض نعسان آغا وأبى أن يشارك النظام في المسؤولية الأخلاقية ، ومنهم من من كان معارضا قديما عانى في سجون النظام كالأستاذ بسام يوسف . وممن دعي إلى المؤتمر وحضره وشارك في نقاشاته الشيخ سارية الرفاعي رغم مرضه عافاه الله والشيخ مرشد الخزنوي والداعية السيدة هدى الحبش وداعية الحوار بين الأديان السيدة أسماء كفتارو . ومنهم معارضون جاؤوا من داخل سورية وسيرجعون إليها أحطيت مشاركتهم بالكتمان ولم تنشر لهم أي صور حفاظا على سلامتهم . وهذه هي النقطة التي كانت ربما سبب إثارة الشكوك حول المؤتمر وأنه لقاء سري ، والحق يقال أن المؤتمر لم يكن لقاء سريا ولم يقل فيه شيئ لا يقال عادة علانية على وسائل الإعلام . 

لقد دعانا معهد الولايات المتحدة الأمريكية للسلام مشكورا للاطلاع على آرائنا أولا ثم للحوار فيما بيننا ، ولا شك أن الحوار ضرورة وشرط لا بد منه إذا ما أردنا إسقاط نظام الأسد وتأسيس دولة حديثة تقوم على العدل والمساواة في الحقوق والواجبات .

والمسؤولية التي تقع على عاتقنا نحن العلماء (وأنا خادم للعلم الشرعي الشريف) أشد وأكبر ، لبيان مبادئ الإسلام في العدل والرحمة والمساواة . فقد انطلق صوتنا عاليا لنؤكد على وجوب تطبيق الآية الكريمة {ولا تزر وازرة وزر أخرى}  والآية الأخرى: {كل نفس بما كسبت رهينة}  لكي لا يمتد الغضب والثأر إلى أي فئة من فئات الشعب ، وإنما يحاسب المجرم على جرائمه ، ولا نتعداه للانتقام من البريء . 

ولقد جرى خلال المناقشات نقد شديد لسياسة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وإدارة الرئيس أوباما في سورية ، كما جرى التأكيد على أهمية دور الولايات المتحدة في إزاحة نظام الأسد ، كما طالب بعض المعارضين الذي جاؤوا من الداخل حكومة الولايات المتحدة بكف يدها عن التدخل في الشأن السوري . 

وفي ظل الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على داعش فقد أكدت أنا شخصيا خلال النقاشات واللقاءات مع المسؤولين الأمريكيين أكثر من مرة أنه ما لم تتم إزاحة الأسد ونظامه المجرم ووقف مجازر النظام في حق الشعب السوري فإن داعش ستظل تنمو وتكبر وتجند المزيد من أبناء شعبنا وتقتل المزيد من الأبرياء . 

لم تخرج عن اللقاء قرارات إذ لا يملك أي من المشاركين سلطة اتخاذ أي قرار ، وإنما اتفقنا بعد أيام من النقاشات على جملة من المبادئ لعلها تكون نقطة انطلاق لنا في عملنا لإنهاء معاناة شعبنا ورفع الظلم عنه ووقف مجاز النظام والخلاص ممن اغتصب ثورتنا وأساء إلى ديننا . ومن جملة هذه المبادئ: الاتفاق على أن الدين مصدر للمحبة للسلام ولا يجوز أن يكون مصدرا للتعصب والكراهية ، وأنه لا يجوز استغلال الدين للوصول إلى السلطة . واتفقنا على وجوب وقف العنف والإرهاب الذي يتعرض له شعبنا ، ووجوب البحث عن حل سياسي ينهي معاناة شعبنا المستمرة منذ نحو أربع سنوات لبناء سورية المستقبل دولةً مدنية ديمقراطية تعددية لجميع السوريين . واتفقنا على إدانة جرائم النظام وجرائم داعش وغيرها ، واتفقنا على تحقيق العدالة الانتقالية وأن المجرم يحاسب على جرائمة ولكن لا يجوز تحميل أي طائفة أو فئة وزر جرائم النظام، كما لا يجوز تحميل أهل السنة وزر جرائم داعش ، مع اتفاقنا على إدانة جرائم النظام وجرائم داعش وجميع الجرائم والانتهاكات التي ترتكب بحق شعبنا من أي طرف . 

وقد نظمت وزارة الخارجية الأمريكية للمشاركين في هذا المؤتمر عدة لقاءات خاصة مع عدد من المشاركين في صناعة القرار في الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض والكونغرس ووزارة الخارجية عرضنا فيها مأساة الشعب السوري والمستوى الذي وصل إليه شعبنا من المعاناة ، كما طرحنا بصراحة عدة تساؤلات حول موقف الإدارة الأمريكية من النظام السوري وثورة شعبنا والمصالح الأمريكية . وقد تلقينا تأكيدات من جميع من التقينا بهم من المسؤولين السياسيين ، وخصوصا المدير بوكالة الأمن القومي الأمريكي NSC روبرت ماللي Robert Malley الذي قابلناه في البيت الأبيض ، والسفير الأمريكي المعين للمعارضة السورية دانييل روبنستين Daniel Rubenstein على أن الإدارة الأمريكية ما زالت على موقفها من أن الأسد فاقد للشرعية ولا يمكن التعاون معه ، وأن الإدارة الأمريكية لا مكان للأسد في سورية المستقبل. 

كما نظم المجلس السوري الأمريكي SAC لقاءات للمشاركين في المؤتمر مع عدد من أعضاء الجالية السورية في واشنطن وشيكاغو وديترويت كانت مفيدة في الحوار وتبادل الآراء رغم اتساع الهوة في الرأي بين أعضاء الجالية حيث حضر متدينون وعلمانيون ، لكن الجميع كان متفقا على معارضة النظام . وقد ألقيت كلمة في ختام لقائنا بالجالية في شيكاغو حثثت فيها أبناء الجالية على التعاون والتعاضد ونبذ الخلافات.

كما نظم المجلس السوري الأمريكي SAC لقاء مع مجلس مدينة شيكاغو للدفاع عن حقوق الإنسان ضد جميع أشكال التمييز ولقاء مع عدد من أعضاء الجالية اليهودية في  ديترويت أبدوا خلاله تعاطفهم مع الشعب السوري وتأييدهم لحقوقه وإدانتهم لجرائم نظام الأسد، كما طالبنا ببيان موقف الجالية من القضية الفلسطينية فتلقينا تأكيدا واضحا لإدانة جرائم إسرائيل وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ، وعبر المشاركون في الوفد عن إدانتهم لجرائم إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني واتفقنا على ضرورة الفصل بين اليهودية كدين وإسرائيل كدولة وأكد المشاركون في اللقاء من الجانب الأمريكي على أنهم مواطنون أمريكيون لا يحملون الجنسية الإسرائيلية، وقد اهتموا بالاستماع إلى جميع أعضاء الوفد وخصوصا العلماء مثل كاتب هذه السطور والشيخ سارية الرفاعي الذي حضر جميع اللقاءات على كرسيه المتحرك وكان مصدر إلهام في همته ونشاطه لجميع المشاركين . وكان ختام اللقاءات حفل عشاء للوفد أقامه الدكتور يحيى الباشا حدثنا فيه عن نشاطه في دعم قضية الشعب السوري في دوائر صنع القرار في الإدارة الأمريكية . 

لا شك أن اللقاء كان هاما ، وأن معهد الولايات المتحدة للسلام يستحق الكثير من الشكر على دعوتنا وفتح باب الحوار فيما بيننا حول مستقبل العلاقات بين مختلف فئات الشعب ، في جو هادئ بعيدا عن التشنج والكراهية . 

كما أن من الأهمية بمكان إيصال صوت المشايخ والعلماء الذين يمثلون شرائح واسعة من المجتمع السوري . لقد انتفضنا  في وجه نظام الأسد قبل الثورة ومعها وبعدها ، ومورست علينا سياسة الإقصاء والتهميش من قبل بعض أطياف المعارضة التي سيطرت على المجلس الوطني ثم جرى إقصاؤنا عند تأسيس الائتلاف بشكل مقزز ، لإبعاد صوت الوسطية والحكمة من ساحة العمل السياسي للمعارضة ، والمحافظة على احتكار طيف واحد يمثل أجنحة الإسلام السياسي وتوجيه الصراع في سورية في اتجاه التطرف . وهذا ما حدث بالضبط  ، وها نحن نواجه اليوم انتحال داعش للإسلام ودعوتها زورا وبهتانا لإقامة الخلافة الإسلامية وتهديدها لأهل السنة وجميع فئات الشعب من كل من لا يتفق معها .

إن على شعبنا أن يعي أن سورية لا يمكن أن تكون لفئة أو طائفة أو عرق واحد ، وإنما هي وطن مشترك يعيش فيه مواطنون متساوون ينتمون إلى ديانات وطوائف ومذاهب دينية وسياسية وأعراق مختلفة ، ولك ننتصر في ثورتنا على الظلم والطغيان لا بد من أن نضع أيدينا بأيدي بعض ونتحد من أجل تحقيق أهدافنا في بناء دولة تقوم على العدل والمساواة. 

لقد تمكن أجدادنا من فعل ذلك خلال الثورة السورية على الاحتلال الفرنسي التي قادها سلطان باشا الأطرش ثم خلال النضال والمفاوضات من أجل الاستقلال التي قادها هاشم الأتاسي وفارس الخوري إلى أن استقلت سورية وتأسست دولة لجميع السوريين.

لقد ظهر جليا أن ثمة خلافا بين المشاركين حول مواضيع أساسية فعلت أصوات العديد خلال النقاش وأهم الاختلافات كانت مع المعارضين الذين جاؤوا من الداخل حيث أن مشاركاتهم اقتصرت على إدانة جرائم داعش وبعض هؤلاء دعا إلى إدانة جرائم الجيش الحر ، وسكت عن جرائم النظام ، وبعض هؤلاء توجه إلى تحميل الإسلام المسؤولية عن وصول الثورة إلى ما وصلت إليه ، وبعض المشاركين دافع عن العلمانية وأصر على الدعوة إلى تأسيس دولة علمانية ، وهو ما عارضناه بشدة . كما أن بعض المشاركين كان لا يخفي العداء للدين عموما والكراهية  للعلماء والمشايخ  خصوصا . ومع كل ذلك فقد تجاذبنا أطراف الحديث وشرح كل منا موقفه . 

إن الحوار بين المتفقين على مبدأ واحد لن يؤدي إلا إلى الإقصاء والتعصب والكراهية ، ولذلك فإن من الضروري أن يكون الحوار بين المختلفين في الرأي والفكر والتوجه وطرق العمل ، ومن هنا تكمن أهيمة هذا اللقاء . 

ليس مهما أن نتفق مع كل معارض حول جميع التفاصيل المتعلقة بشكل الدولة أو طرق الحل ، ولكن من المهم جدا أن نتفق على المبادئ الإنسانية الكبرى التي جاء بها الإسلام وأقرتها جميع الأديان في المساواة بين الناس وتحريم الظلم والاستبداد والطغيان ووجوب محاسبة المجرم ، وتحريم استعباد الناس سواء بالعمل أو بالفكر ، وتحريم الأخذ بلثأر والانتقام ، ووجوب تحقيق حياة حرة كريمة لكل مواطن صغيرا كان أم كبيرا عربيا أم كردين أم شركسيا أم تركمانيا ، مسلما كان أم مسيحيا شيعيا كان أم سنيا .

كما أنه من الأهمية بمكان أن لا تتجاوز خلافاتنا مرحلة الحوار إلى الصراع ، لأن الصراع سيؤدي إلى هدر طاقاتنا وبعثرة جهودنا وضياع حقوقنا ، ولعل هذا أحد أهم أسباب تأخر الثورة في تحقيق أهدافها في إسقاط النظام . فهل نستفيق ونعقل أم ما زلنا في سبات ننتقل من عالم الأحلام إلى عالم الأوهام . 

إن شعبنا في سورية يواجه تحديات كبرى لم يسبق له أن واجهها من قبل:

فهو يصارع للنجاة والغذاء والماء لكي لا يموت جوعا وظمأ … 

ويبحث عن الأمن لكي لا يخطف أو يعتقل أو يخطف أولاده على أحد الحواجز … 

ويبحث عن المسكن لكي لا يموت بردا في أو يعيش مشردا … 

ويبحث عن العمل لكي يكسب  قوت أهله وأولاده … 

ويواجه تحدي الكرامة لكي لا يعيش ذليلا … 

وقبل كل شيء يحاول الحفاظ على الإيمان بالله تعالى ويبحث عن أي شيء يعينه على أن يرضى بقضاء الله فيما قدره وقضاه سبحانه .

ومعظم أبناء شعبنا يشتركون في مواجهة هذه التحديات:

فالمعارض للنظام معرض للاعتقال والتعذيب بسبب معارضته … 

والمسالم الذي يجلس في بيته معرض للموت بالقنابل والصواريخ والغازات والبراميل المتفجرة التي لا يفتأ النظام يضرب بها المدن والأحياء والمدارس والمخابز والمستشفيات … 

والمواطن المقيم في مناطق النظام معرض للاختطاف أو القتل على الحواجز بسبب هويته السُّنية

والعلوي والدرزي والإسماعيلي وإن نأى بنفسه عن الصراع معرض للموت على يد داعش بسبب طائفته … 

وزوجته وابنته معرضة للسبي والبيع والاغتصاب بسبب المعتقد

والمسيحي معرض للقتل أو التهجير والسلب بسبب دينه 

والسني معرض للموت على يد داعش بسبب مذهبه (لأن غالبية شعبنا كفار مرتدون بنظر داعش لاعتقادهم بالأولياء والطرق الصوفية) … 

والعلماني معرض للموت بسبب فكره 

والمدافع عن الديمقراطية معرض للإعدام بدعوى كفره ورِدته …

والإعلامي معرض للموت من قبل النظام وداعش معا بدعوى عمالته …

ومن نجا من جميع هؤلاء فهو معرض للموت 

في صقيع الشتاء القاتل في المخيمات …

أو غرقا في رحلات قوارب الموت …

أو بإبرة لقاح يرسلها الائتلاف إلى أولاده …

إن هذه التحديات تفرض علينا في الدين والفقه أن نبدأ بحفظ الحياة وإنقاذ الناس ووقف القتل وإحلال السلام والتخلص من المجرمين القتلة قبل أن نبحث في شكل الدولة ونتصارع ويكفر بعضنا بعضا ، نعم لا نرضى بغير الإسلام دينا لنا ونظاما لحياتنا حيثما وجدنا إلى ذلك سبيلا بالحوار والحجة والإقناع لا بقوة السلاح ولا بالظلم والاستبداد .

إن أول خطوة يجب أن نقوم بها اليوم هي أن نتحد بجيمع أطيافنا ونوحد جهودنا لتصب في هدف واحد تتلخص فيه جميع الأهداف وهو إنقاذ شعبنا من جميع ما تقدم من الأخطار وتحقيق الكرامة والحرية وإعادة الأمن والسلام.