اوباما ، خطوتان للأمام ، خطوة للوراء

اوباما ، خطوتان للأمام ، خطوة للوراء

اسعد البيروتي

اوباما رئيساً ، حدث بارز جدا في التاريخ الامريكي ، حكاية انتصار سياسي ديمقراطي اخلاقي وفي غاية الانسجام مع حضارية حقوق الانسان الدولية . توهم الكثيرون ان الرئيس الامريكي الاسمر سيصنع المعجزات في زمن اصبحت المعجزات فيه امرا مستحيلا ، ولانه لم يفعل ؛ ارتفعت نسبة الساخطين الامريكيين  على ادائه الاداري والسياسي من 20% في كانون الثاني 2010 الى 40% في يونيو حزيران 2010 .  

    مؤكدٌ ان اوباما لم ولن يصنع المعجزات الشبيهة بمعجزة انتصاره . المؤكد اكثر انه مرر وباكثر من عام بقليل سبعة انجازات . اولا مرر برنامجه للضمان الصحي حيث يتجاوز عدد المستفيدين منه الثلاثين عائلة امريكية جديدة  ، ثانيا وقّع معاهدة ستارت الجديدة مع روسيا لخفض السلاح النووي ، ثالثا جمع العالم بما فيه روسيا والصين حول القرار 1929 بصدد نووي ايران ، فلاول مرة في 12 تموز يوليو 2010 وبشكل علني اعلن الرئيس الروسي ديميتري ميديفييف ان ايران تقترب من امتلاك القدرات النووية التي يمكن ان تسمح لها بامتلاك الاسلحة النووية ، واصاف ان ايران لا تتصرف كما ينبغي ، وعقب البيت الابيض ان هذه علامة على تزايد الوحدة الدولية بشأن برنامج ايران النووي . رابعا اصبحت صورة امريكا اقل سوءاً في نظر الكثيرين في العالم . لم يكن اوباما مثاليا اطلاقا ، بل لعله رئيس اكثر واقعية وبرغماتية من سلفه جورج دبليو بوش .. . خامسا اقنع الكونغرس الامريكي بخطة تفعيل الاقتصاد وانعاشه للخروج من الازمة المالية العالمية والامريكية التي تفجرت عام 2008 ، فضلا عن رقابة شفافة على مؤسسات المال الكبرى منعا للوصول ثانية الى ازمة شبيهة بتلك الازمة . سادسا نفذ وعده بانسحاب القوات الامريكية من العراق ، وكثف حربه ضد ارهاب القاعدة والمتحالفين معها ، واصر على تدمير بيئتها المركزية في افغانستان وجزء من باكستان ، باعتبارها خطرا تقليديا وفوق تقليدي نووي على امن المدنيين في كل مكان في العالم . سابعا ، وهو الاهم من كل ما سلف ، اصراره على ان السلم الاوبامي يقوم على ركيزتين الاولى ردع دولة العدوان الاسرائيلس عن القيام بحرب تهرب اليها من عزلتها بحجة الذرة الايرانية ، والركيزة الثانية ردع ايران من ان تجر المنطقة الى حرب تجر وراءها بها مليار وثلث مسلم ، وتهرب بها من ازمتها الداخلية ، وتكرس بها ديكتاتورية السلطة الايرانية الحاكمة على كامل المجتمع الايراني .

   ما حدث في الاشهر الاخيرة بين اوباما ونتنياهو ؛ كان حوارا قاسيا ، وكان تبادلا دراميا لوجهات النظر ؛ رغم كل هذا الضجيج الاعلامي والسياسي الفارغ والمملوء بشجاعة "الممانعين" للسلام الاوبامي وغيره ، والمملوء ايضا بتفاهة اليمين الاسرائيلي الذي ظن انه قد لوى ذراع اوباما . لم يخرج اوباما عن الاستراتيجية المركزية الامريكية ، بل انه اضاف مساهماته في انجاحها . هذه الاستراتيجية تقوم على عجلتين ، الاولى المثابرة على حل النزاع الفلسطيني الاسرائيلي استنادا لحل الدولتين باعتباره مصلحة حيوية للامن القومي الامريكي ، في 8ايار 2009 قال اوباما : "من مصلحة الفلسطينيين والاسرائيليين والولايات المتحدة والمجتمع الدولي ان يتحقق حل الدولتين حيث يعيش الاسرائيليون والفلسطينيون جنبا الى جنب في سلام" . العجلة الثانية دفع ايران الى الامتثال لقرارات مجلس الامن الدولي بمنع الانتشار النووي ، عبر العقوبات والا فان الا لها ما وراءها ، وفيها ان الخيارين العسكري والسلمي لن يرفعا من على الطاولة كاجراءين ردعيين ، وقد تتبادل العجلتان سلم الاولويات ، الا ان الاستراتيجية لن تسير الا بهما معا .

     هل يبيع اوباما نتنياهو امكانية قرار امريكي بمواجهة ايران النووية ؟ نتنياهو ويشاركه في ذلك اغلب الاسرائيليين يرى ويرون في الذرة الايرانية تهديدا وجوديا لليهود عامة وللدولة العبرية خاصة ، ولان الامر كذلك فالثمن المطلوب من نتنياهو والاسرائيليين يتلخص في ثلاث كلمات : اقامة الدولة الفلسطينية .

   السؤال الذي يبدو ساذجا ، لماذا لا تقبل كل الاطراف الحل الااوبامي ؟ طالما ان لا حل غيره بحرب او بدونها .

اوباما ، خطوتان الى الامام ، خطوة الى الوراء . تعلمنا عندما كنا اطفالا في دور الحضانة ان 2-1=1 أي ان اوباما يسير الى الامام ، نرجو ان يتذكر المبشرون بزوال الامبراطورية الامريكية وبزوال اوباما بالذات هذا الدرس جيدا .