الإخوان المسلمون

الإخوان المسلمون

والإضرابات بين السياسة والتاريخ

عبده مصطفى دسوقي

باحث تاريخي وطالب ماجستير في التاريخ الحديث

[email protected]

الإخوان المسلمون اسم لا يجهله أحد في الشارع المصري أو الإسلامي أو العالمي فهي من أكبر الحركات الإصلاحية التي نشأت في القرن العشرين واستطاعت على مدار ثمانين عاما أن تحدث تغيرات وسط الشارع المصري والإسلامي لأهدافها الواضحة ومبادئها الشاملة التي تشبع كل الأطياف السياسية وتسير وفق شرع الله.

والإضرابات وسيلة من الوسائل المشروعة التي تستخدم لتقويض الاستبداد ما لم تصل لحالة الفوضى أو تؤدي لضرر اكبر أو أعظم مما ترجوه هذه الإضرابات.

لقد أصبحنا نشاهد الإضرابات والاعتصامات بشكل متكرر شبه يومي في المصانع والمصالح الحكومية بسبب ارتفاع السعار والظلم الذي أصبح يشعر به كل فرد في هذا الوطن بسبب التقسيم غير العادل لثروات البلاد واحتكار فئة قليلة لهذه الثروات لقربها من السلطة والنظام.

والإخوان المسلمون ما هم إلا أفراد من نسيج هذا المجتمع يتأثرون بما يتأثر ويعانون مما يعاني، بل زاد عنه أنهم مضطهدون من قبل النظام والحكومة بسبب المنهج والمبادئ التي يؤمن بها أفرادها والتي من أجلها أنشأ الإمام البنا هذه الجماعة ألا وهى العودة للإسلام الصحيح الشامل وإحاطته بجميع جوانبه مما أدى للصدام مع النظام والحكومات المستبدة.

لقد شهدت البلاد إضرابين متتالين في 6/4، 4/5 أحداهما قد حقق بعض النجاح والآخر لم يحقق إلا نجاح بسيط وكان للإخوان المسلمين موقف منهما.

 فما حقيقة الإضراب في مفهومهم السياسي وماضيهم التاريخي؟

وهل هم يتعامل مع الإضراب على أنه وسيلة فعالة في التغيير أنهم يدركون أنه أقل الوسائل فعالية للتغيير؟

 وما حقيقة موقفهم من الإضرابين الماضيين؟

 وما المكاسب التي حققوها من ورائهما؟

الإضراب ليس جديد على جماعة الإخوان المسلمين بل هي إحدى الوسائل التي استخدمها الإمام البنا للاعتراض على الاحتلال الإنجليزي وأفعاله تجاه الشعب المصري والفلسطيني أيضا، بل حرك الإمام البنا إخوانه للإضراب اعتراضا على بعض تصرفات رؤساء الوزراء وسياستهم الاستبدادية التعسفية، بل حرك العمال للإضراب ضد استغلال أصحاب المصانع والشركات للعمال، فنرى مثالا الإمام البنا يشارك في الإضرابات التي عمت البلاد وهو مازال صغيرا فقد قاد وهو تلميذ في الإعدادية وفي سن الثالثة عشرة الحركة الوطنية وقيادة زملائه في المظاهرات والإضرابات التي كانت تنظم في المدرسة فيقول الأستاذ البنا في مذكراته: «ولست أنسى أستاذنا الشيخ الدسوقي موسى ناظر المدرسة الذي كان يخشى هذه التبعات كثيرا وقد أخذ بيدنا إلى مدير البحيرة حينذاك محمود باشا عبد الرازق- وألقى مسئولية إضراب الغير علينا وقال إن هؤلاء هم الذين يستطيعون أن يقنعوا الطلاب بالعدول عن إضرابهم. وعبثا حاول محمود باشا أن يقنعنا بالوعد أو الوعيد أو بالنصح، ثم صرفنا على أن نتدبر الأمر. فكان تدبيرنا أن أوعزنا إلى الطلاب جميعا بالتفرق في الحقول المجاورة طول اليوم وكان يوم 18 ديسمبر ذكرى الحماية البريطانية وذهبنا نحن إلى المدرسة وسلمنا أنفسنا لإدارتها وانتظرت وانتظرنا من يجيء ولا من يجيب، فانصرفنا بعد فترة رغم الإضراب وانتهى اليوم بسلام.

بل إن الإمام البنا شارك في الإعداد للإضراب ويواجه ضابط البوليس الذي جاء ليقبض عليه وزملائه ويذكره بواجبه الوطني حتى يرجع الضابط عن مهمة القبض عليهم ويطمئنهم ويؤمنهم فكان مما قاله البنا للضابط ليصرفه "إن واجبه الوطني يفرض عليه أن يكون معنا، لا أن يعطل عملنا ويقبض علينا ولا أدري كيف كانت النتيجة أنه استجاب لهذا القول فعلا، فخرج وصرف عساكره وانصرف معهم بعد أن طمأننا».

كما أن الإخوان حركوا إضرابا بعد مذبحة كوبري عباس التي ارتكبها محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء في 9 فبراير 1946م في حق طلاب الجامعة والتي أدت إلى إقالته من منصبه.

وكانت حكومة صدقي تتعامل مع الطلبة بطريقه عنيفة فكانت تقوم باعتقالهم كما فعلت مع مصطفى مؤمن (زعيم الطلبة الإخوان في الجامعة) وبعض زملائه, كما تم القبض على 13 طالبا من مدرسه رأس التين الثانوية بالإسكندرية بتهمة التحريض على الإضراب, وقدموا للنيابة فحققت معهم وقدموا للمحاكمة، كما أن الأستاذ احمد السكري (وكيل الجماعة) تابع أخبار إضرابات العمال وحاول علاج مشاكلهم مع الإدارة وقابل وزير الشئون الاجتماعية حيث اخذ منه وعد بحل مشاكلهم, ولم يقتصر الأمر على ذلك بل توجه للمسئولين عن إدارة الشركة لإزالة سوء التفاهم، وليس ذلك فحسب بل تفاعل قسم العمال في الجماعة مع الإضرابات التي قام بها العمال في الشركات وناشد العمال الإخوان بمشاركة زملائهم في الإضرابات مادامت في صالح العمال ولم تخرج عن أطرها المشروع.

كما أعلن الإخوان عدم التعاون مع الإنجليز اقتصاديا والإضراب عن شراء كل ما هو إنجليزي أو البيع لأية جهة إنجليزية أو التعامل مع أي بيت أو شركة أو محل إنجليزي كائنا ما كان، وثقافيا بمقاطعة الصحف والمجلات والكتب والجرائد الإنجليزية الامتناع من التحدث أو الاستماع للغة الإنجليزية, واجتماعيا بقطع علائق المودة والصداقات الشخصية والعائلية، والانسحاب من عضوية الأندية أو الهيئات التي تضم العناصر البريطانية، وهكذا يجب أن يشعر الإنجليز المحليون والإنجليز الاستغلاليون والإنجليز في بلادهم، أن حرب السخط قد أعلنت, وأن وادي النيل غاضب ثائر لا يرضى بغير حقه بديلا.

كما أن الإمام البنا كتب في مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية العدد 75 يقول: « الإخوان المسلمون يشاركون إخوانهم أهل فلسطين الإضراب يوم 2 نوفمبر 1945م ويضمون جهودهم إلى جهادكم حتى يتم النصر إن شاء الله».

كان ذلك هو شأن الجماعة في عهد الإمام البنا ويرى أن سياسة الإضرابات ليست جديدة عليهم بل أن مؤسس الجماعة والجيل الأول من الجماعة قام بها لاسترداد الحقوق المسلوبة سواء من المستعمر أو أصحاب الشركات والمصانع.

وما قام به الإخوان بالإعلان عن مشاركتهم في إضراب 4/5 ليس بالشيء الجديد عليهم، فلا موقفهم مستغرب من أن يشتركوا ولا الإضراب فشل بسبب مشاركتهم كقول البعض وإن كنت أرى أنها أراء أفراد منها الصواب ومنها الخطأ.

فعدم مشاركة الإخوان في إضراب 6/4 كان فرصة جيدة لظهور قوى أخرى تستطيع أن تقف أمام النظام والحكومة، وتفند نظرية أن الإخوان هم القوة الوحيدة التي تقف في وجه النظام والذي يستعملها كفزاعة في وجه الغرب والجبهات الداخلية فلظهور قوى تستطيع أن تحرك الشارع وان تظهر مساوئ النظام شيء يحمد للإضراب الذي أظهر هذه القوى بعدم مشاركة الإخوان، كما أن اشتراك الإخوان في رأي في إضراب 4/5 لم يكن بالقرار الجيد في هذا التوقيت خاصة أنهم يدركون جيد أن نسبة نجاح هذا الإضراب ضعيفة بسبب قصر المدة بين الإضرابين، وعدم وجود قوى موحدة ومؤثرة تحرك وتنظم الإضراب، كان لابد أن يدركوا أن النظام والداخلية لن تتعامل مع الإضراب كتعاملهم مع إضراب 6/4 بل كان أمامها فرصة وأمام النظام أن يجفف منابع الإضراب من البداية حيث استخدم التهديد والعيد لكل الموظفين في حال تغيب احد منهم في ذلك اليوم خاصة سيفصل من العمل ويعرض للمحاسبة القانونية بل والاعتقال فهذا ما تعاملت الداخلية به في إضراب 4/5 أضف لذلك أن الإخوان أعلنوا عن مشاركتهم في وقت متأخر مما أدى لعد وضوح الرؤية أمام الكثيرين هل الإخوان سيشاركون في الإضراب أم أنها تصريحات سياسية خاصة وان لهم موقف مخالف في إضراب 6/ فكانت التصريحات السياسية الكثيرة أثر في ضعف مشاركة الإخوان في الإضراب، غير أن الإضراب الأخير كان له أثر إيجابي على بعض فئات الشعب المصري وزاد منه إعلان الإخوان وبعض الحركات والأحزاب السياسية مشاركتهم في الإضراب وهى إعلان الرئيس مبارك وحكومته أكبر علاوة اجتماعية للعاملين بنسبة 30 % وان كان في اليوم الثاني أضاع بهجتها غلا أنها كانت من أثر الإضراب أما الزيادات التي أعلنها ثاني يوم الإضراب فأكيد سيكون لها وقفاتها الاحتجاجية الشديدة.