إضاءات على مواجهات النصرة مع ثوار سورية

إضاءات على مواجهات النصرة مع ثوار سورية

محمد عبد الرازق

إنّ المواجهات الأخيرة التي دارت رحاها بين جبهتي: النصرة، و ثوار سورية، تكاد أن تكون رأس الجليد الظاهر من المشكلة بينهما.

 فجلّ الأمور التي أعلنتها النصرة لتبرير توجيه أفواه أسلحتها نحوهم لا تكاد أن تكون مبررًا مقنعًا للمتابع لما جرت عليه الأمور بينهما منذ أحداث الصيف على طول المناطق الحدودية مع تركيا، بدءًا من ( من عزمارين، و حتى الدانا، مرورًا بحارم، و سلقين، و قورقنيا، و سرمدا)؛ و عليه فهناك أكثرُ من إضاءة حول ما حصل:

 أولاً: القضية ليسَتْ في كونهم فاسدين، و لصوصًا، أو يتسترون على من يقوم بذلك؛ فهناك كثيرٌ ممّن يشاركهم هذه الصفة الذميمة من الفصائل الوطنية الأخرى، لا بلْ حتى من الإسلامية، و دونكم أمثلةً على ذلك ما يشهده معبر ( باب الهوى ) من تجاوزات باتت معروفة لجلّ الفصائل التي تتواجد فيه، و لا أدلّ على ذلك من:

 1ـ إحدى عشرة شاحنة سماد اليوريا أدخلت إلى سورية على الرغم من قرار إيقاف دخول هذا النوع من البضائع؛ كونها تدخل في صناعة المتفجرات، و قد وصلت إلى من كان ينتظرها من عناصر داعش قبيل الهجوم على مناطق ريف حلب الشمالي و الشرقي.

 2ـ سبع شاحنات من الحليب الفاسد، دفع المستورد مليون ليرة مقابل كل واحدة منها، و قد كادت أن تدخل لولا إصرار أحد الألوية على منعها، فعادت أدراجها، و أغلب الظنّ أنها دخلت من مكان آخر.

 3ـ شاحنة مملوءة بمادة ( المتِّة )، تحمل ثلاثة آلاف طنّ، على الرغم من منع تركيا لهذه البضاعة من دخول أراضيها.

 4ـ إصرار فصائل نافذة على منع نصب جهاز كشف المتفجرات في المعبر من الجانب السوري ( تركيا لديها هذا الجهاز، و يعمل بفعالية، و تحمي به جانبها )؛ و ذلك لأمور لا يفسرها أيّ تبرير كان.

 ثانيًا: ما يقال من أنهم يقومون بتهريب المازووت عبر الحدود التركية، فهذا أمرٌ لا يصلُ الخلاف فيه إلى حدّ الاقتتال بكلّ أنواع الأسلحة، فهل تجارة المازووت وليدة عهدٍ مع ثوار سورية فحسب، ألمْ تشاركهم جلّ الفصائل في تهريبه، لا بل حتى النصرة باتت منغمسة فيه. ثمّ هل تسهيلُ مروره إلى المستورد من قبلهم جريمة، في حين يعفى عناصر داعش من المؤاخذة، و هم يستخرجونه من الآبار بمئات الآلاف من البراميل، و يجنون منه ما يربو على ( مليوني دولار يوميًا )، و ليتهم توقفوا عند تهريبه إلى تركيا عوضًا عن بيعه إلى تجار الأسد و بأسعار غاية في الزهد و الإفراط.

 ثمّ أين البديل الذي أوجدوه للمواطن بعد توقف بيعه إلى دول الجوار، ألمْ يكن يساهم في تدوير عجلة الاقتصاد اليومي في عموم المناطق التي تمرّ فيها شحناته، إلى جانب التاجر، و المستورد؟ ألمْ تستغني كثيرٌ من المجالس المحلية عن مدّ يدها إلى الداعمين ( على قِلّتهم )، و تتدبر أمورها في تسيير الخدمات العامة لأبناء بلداتها؟.

 إنّ حجم العائدات من بيع ( أو تهريب ) المازووت عن طريق مناطق الثوار، لا يتعدّى نسبًا ضئيلة من المائة ممّا يتمّ بيعه لتجار السوق السوداء لرجالات النظام، و على مرأى و مسمع ( إخوة المنهج )، الذين هبوا لنجدة النصرة مؤخرًا، مبدين مثل هذه الذريعة.

 ثالثًا: إنّ ما يقال عن ارتباط ثوار سورية بجهات خارجية تحدِّد لهم سير معاركهم مع النظام، و لاسيما في جبهة ( وادي الضيف )؛ فهذا أمر تتقاسمه الفصائل العاملة على الأرض جميعُها، و مَنْ كان منهم غير منضوٍ تحت جناح داعمٍ خارجي يُملي عليه كثيرًا من إراداته فليرمِ غيره بما يملكه من شتى صنوف الأسلحة. و لعلّه من المناسب أن نذكر جبهة النصرة بشحنات السلاح التي كانت تصلها، وبـ ( الاسم ) عن طريق معبر السلاح الذي يعرفونه جيدًا، و تحت سمع و مرأى القائمين عليه.

 رابعًا: إنّ ما قيل عن أن ثوار سورية قد طعنوا النصرة في خاصرتها، و جعلوا ظهرها مكشوفًا يوم قامت بمهاجمة النظام في مدينة إدلب من جهة المسطومة، و ذلك عندما هاجمت بعض مقراتها في بلدة البارة؛ فهذا أمرٌ قد يكون فيه تقدير الموقف خطأ من قبل ثوار سورية، على الرغم من أنهم برروا ذلك برد ما لدى مجموعة انشقت عنهم، و التحقت بالنصرة، من عُهد ( أسلحة ) من حق ثوار سورية أن يستعيدوها منهم حسب الأعراف السائدة في مثل هذه الحالات.

 أليس هذا عينُ ما كِيلَ من تُهمٍ إلى النصرة عندما أخلت مواقعها في مناطق شرق شمال حلب عندما هاجمتها داعش، و في كسب، و في جبهة مورك في رمضان الفائت؛ على الرغم من المناشدات الملحة من قبل الفصائل الأخرى لها بالعودة، و مع ذلك أصرت على ما أرادت و قامت بالمواجهة مع ثوار سورية على طول الحدود التركية، و لولا تدخل السلطات التركية في أمر معبر باب الهوى لدخلوه عنوة، أو برضا الكتائب الموجودة في داخله، و هو الأمر الذي حذرت منه أيضًا قوى المعارضة السورية في هذه الأيام.

 لقد أعطوا للغرب مزيدًا من الذرائع عندما أقاموا حواجزهم الأمنية على جانبي الطريق الدولي إلى المعبر، تحت شعار ( قاعدة الجهاد في بلاد الشام، و حاجز أمني لإخوانكم في جبهة النصرة، و ستأتيكم النصرة من حيث لا تعلمون )، و قاموا فور بدء غارات التحالف الدولي على مقراتهم في المنطقة ( مدجنتان في منطقة وادي عبيد، و بيت القناص أبي يوسف التركي في كفر دريان ) قاموا بإزالة هذه الشعارات، و قلّلوا من وجودهم عليها إلى حدّ الانسحاب غير المعلن، هذا فضلاً على تواريهم وسط الحاضنة الاجتماعية في تلك المناطق.

 خامسًا: إنّ ما عابه الناس على داعش من فرضها هيئتها الشرعية على خصومها، هو عين ما تقوم به النصرة في نزاعها مع ثوار سورية، ألمْ يسعها أن تحتكم إلى غير ( إخوة المنهج )؟ أين المرجعية الشرعية ذات المسحة المحلية في خصومة لا يقبل أحد طرفيها بمرجعية ( إخوة المنهج )؟ ألمْ يكن الأجدى بهم أن يتحاكموا إلى مرجعية تكاد أن تمثل جلّ الجهات الشرعية في سورية، و نعني بها ( المجلس الإسلامي السوري )؟.

سادسًا: أين وجه الحق في مطلب النصرة بإلقاء القبض على قائد ثوار سورية ( جمال معروف ) ليتسنّى لهم محاكمته، و إنزال العقوبة الصارمة به، التي يُرجّح أن تصل إلى الإعدام؛ بناءً على التُهم المساقة ضده، و أقلها الخيانة العُظمى، هذا في الوقت الذي لا يقبلون فيه أن يقف أميرهم ( أبو محمد الجولاني ) معه على قدم المساواة في تلك المحاكمة؟ علمًا أن الخصومة بينهما تكاد أن تكون متساوية . أفليس هذا ما قرأناه في تاريخ الخصومات عند أسلافنا العظماء، و دونكم مثلاً ( قصة الإمام عليّ رضي الله عنه مع اليهودي بحضرة القاضي شرحبيل )؟ إنّ هذا لهو ما كان من أمر البغدادي المُحتجب عن الأنظار، و كذا هي حال أبي محمد الجولاني.

سابعًا: أليس الذي تقوم به النصرة هو ذات المسعى الذي قامت به داعش، عندما سعت إلى السيطرة على المناطق المحررة من قبل الآخرين، و بسط سيطرتها على المنافذ الحدودية؛ بقصد إقامة مشروعها عليها، ناهيك عن حصار خصومها في مناطق الداخل السوري، ليتسنّى لهم الانقضاض عليهم لاحقًا، أو لنقُل ــ تسامًحًا ــ : إيجاد ملاذات آمنة لهم على طول الحدود التركية، يجعلون منها معابر للهروب عندما تُطبق عليهم قوات التحالف الدولي؟

ثامنًا: هل تجدُ النصرة، و حليفتها جند الأقصى مبررًا مقنعًا تُبرران به اعتقال الساعين في الصلح بينها و بين خصومها، و نعني بذلك الشيخ محمد عز الدين الخطاب، و إخوانه الذين أباحوا دمائهم لطلقة طائشة من هنا، أو هناك تأتي بالخطأ، إن لم تكن بداعي الفتنة. هذا فضلاً على اعتقال أبي عبد الله أحد قادة حزم في خان السبل بعد أن قام حقنًا للدماء بتسليم مقراتها فيها، بعد أن أعطي الأمان له و لعناصره.

 إنّ هذا الذي سعت إليه جبهة النصرة في نزاعها مع ثوار سورية، غير مبرر تحت أي ذريعة يقدمونها بين يدي هذا الاقتتال الدامي، الذي لن يبرأ منه جسدُ السوريين على المدى المنظور، و سيحفر في ذاكرتهم عميقًا ما أصابهم على يديّ ( إخوة المنهج ) سابقًا، و لاحقًا.

 هذا في الوقت الذي تقف فيه قوات التحالف الدولي على بضع عشرات الكيلومترات من ساحة الاقتتال بين النصرة، و من آزرها من ( إخوة المنهج )، و بين ثوار سورية، و من يؤازرهم من أصحاب المشروع الوطني ( على ما يقال عنهم )، كحركة حزم التي بسطت النصرة سيطرتها على مقراتهم في بلدة خان السبل، بعد سيطرتها على مقرات ثوار سورية في جبل الزاوية.

 الأمر الذي سيُعطي ذريعة لهذه القوات كي تشمل تلك المناطق بغاراتها الجوية غير الذكية، فيتهدم ما تبقى من أطلالها الخربة، على غرار ما يحصل في عين العرب ( كوباني )، و بالذريعة ذاتها التي أعطتها داعش مجانًا لتلك القوات؛ هذا ناهيك عن تمكينها من فرض مشروعها على السوريين، بعد أن يكونوا قد نفضوا أيديهم من هذه التيارات و المذاهب جميعها.