وهوت الأصنام..!!
وهوت الأصنام..!!
ماذا وراء عرقلة المسيرة التعليمية ؟
م. زياد صيدم
مرت المسيرة التعليمية في قطاع غزة بمنحنيات متعددة فمنذ الخمسينات اقتنع سكان القطاع بعد أن استقرت فيها أفواج اللاجئين القادمة من أنحاء فلسطين هربا من مجازر وبطش وطرد وتهجير من أراضيهم من قبل اليهود على اثر النكبة لعام 48 ، فقد ظهرت حقيقة الأوضاع الاقتصادية المزرية لهم فوكالة الغوث بخيامها وإغاثتها (المستمرة) لم تقنع طلبة العلم بالرضوخ والاستسلام لتداعيات اللجوء وقسوة المعاناة فكان الجميع أن بدأ في التهام العلم والتحصيل في مدارس أقيمت بداية تحت الأشجار وفى خيام كبيرة ثم تطورت إلى بيوت من القرميد والحجارة وفى هذه الفترة وتحديدا في الستينيات انطلقت جموع الطلبة وتحديدا إلى مصر الشقيقة بالآلاف والى البلاد الأخرى بنسب متفاوتة وحسب الإمكانيات المتاحة للأسر لمن وجد عملا في وكالة الغوث باتجاه الجامعات والمعاهد المتعددة فكانت طفرة قوية وردف المدارس بخريجي الجامعات الجدد بدلا من حملة التوجيهي من الكوادر الشابة المؤهلة حتى جاء الاحتلال للقطاع في العام 67 واضطر صاغرا لتكفله بموازنة ونفقات التعليم الثانوي فقط حيث خضعت المدارس الابتدائية والإعدادية لإشراف هيئة الأمم المتحدة لجميع اللاجئين الذين يشكلون 70% من الشعب في القطاع وتطورت وكالة الغوث سواء ببناء المدارس وإعطاء الرواتب وهكذا رويدا.. رويدا أصبح لدنيا الأطباء والمهندسين والمعلمين بعشرات الآلاف ومثلهم وأكثر انطلقوا نحو الدول العربية وأهمها السعودية والكويت والإمارات وليبيا والجزائر عبر بعثات تعليمية كانت تنتظرهم كل في سفارته في دول الجوار مصر والأردن وسوريا على وجه التحديد وما أريد قوله هنا في هذه المقدمة البسيطة المختصرة هو أن لا أحد كان يجرؤ على عركسة وتشويش المسيرة التعليمية أبدا حتى من قبل الاحتلال الصهيوني البغيض للقطاع الحبيب ولو انه نهج سياسة التسهيل لأسباب أخرى!
ومع قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة الرئيس الراحل الشهيد / أبو عمار قامت ببناء وتطوير مئات المدارس سواء باستحداث الجديد أو تطوير القديم وتبنى مواكبة عصر التكنولوجيا والمعلومات فشاهدنا المختبرات وصالات الكمبيوتر في كل مدرسة حتى أنها أصبحت تدرس في المنهاج نفسه ومن المواد المقررة فيه. ثم وبشكل موازى كانت الجامعات والكليات والمعاهد تبنى وتنتشر في كل المناطق كصروح ومنارة للعلم ودليل عملي على تقدم وازدهار الأمة وتطورت لتشتمل على كليات الهندسة والعلوم بفروعها وأخيرا كليات الطب البشرى لتستقبل ألاف الطلبة في كل عام بفروعها العلمي والأدبي والصناعي ولا ننسى بقاء دور وكالة الغوث حيث قامت بإنشاء بعض المعاهد التربوية والصناعية وهكذا سارت العملية التعليمية بشكل متنامي ومستمر في رسالتها الخالدة عبر الأزمان.
فماذا يحدث الآن في غزة ؟؟ ولماذا يحدث ؟؟ ومن المسئول وبكل صراحة ووضوح ؟؟ حيث بالأمس كانت كلية العلوم والتكنولوجيا بطرد طاقمها كله و تستباح جامعة الأزهر وجامعة الأقصى واليوم جامعة القدس المفتوحة في كل فروعها وخاصة في خان يونس فماذا جرى ؟؟؟ ولمصلحة من ؟؟ ولماذا لا تمس جامعات أخرى مثل الجامعة الإسلامية مثلا ..!!!
لهذا يبقى التحليل المنطقي الذي يفرض نفسه وأتمنى أن نكون مخطئين !:
نظرا للأوضاع السائدة من إغلاق المعابر فقد تضرر قطاع الطلبة أسوة بكل القطاعات الأخرى ومنذ الصيف الماضي مما حال دون خروج أعداد كبيرة للخارج طلبا لجامعات أخرى والآن وحتى لا يتكرر هذا للطلبة ونظرا للازدحام الشديد في معظم الكليات هنا والتي لم تعد لتسمح للجميع بالتسجيل حيث ستلجأ إلى زيادة معدلات القبول أو إغلاق بعض الكليات لعدة سنوات للاكتظاظ والطلب الهائل وهذا يحدث في كل دول العالم وهنا سيلجأ الطلاب إلى الخارج لعدم وجود بدائل داخلية متاحة كالسابق وهنا تكمن الكارثة لأنهم سيصطدمون في مشكلة المعابر المغلقة وعدم إيجاد حلول لها منذ الانقلاب في غزة وهذا يتطلب من حكام غزة البحث عن الحل الموجود والمطروح لكيفية فتح المعابر حسب الاتفاقيات الدولية وهذا يعنى ضغوطا داخلية ستزداد عليهم إلى جانب الشعب الذي لا يستطيع ممارسة حركته منذ 8 شهور وأكثر لهذا وباعتقادي إن ما يحدث للجامعات في غزة من تخريب واستباحة ورعب فوضع الطلبة في أجواء غير مستقرة وغير آمنة يضغط على العامل النفسي وبالتالي على قدرة التحصيل وهنا يحدث الآتي:
عدم استمرار يتهم وعدم نجاحهم وهذا ما يُسعى له من وجهة نظري حتى لا يصلون إلى البحث عن عمل ووظيفة لاحقا سواء داخلية أم خارجية فهنا لا تسمح الأوضاع بفتح وظائف جديدة ولا تسمح المعابر بالخروج للبحث عنها واستباقا لهكذا أوضاع ضاغطة تُفتعل هذه الأعمال الغير مبررة ويتم اللجوء إلى هذا العبث لتأخير وضرب العملية التعليمية حتى لا تكون ورقة ضغط شعبية فمستقبل الطلاب والخريجين يهم ويؤثر على جميع الأسر دون استثناء فوجدوا طريقة مختصرة في عرقلة وإجهاض أي تحركات شعبية كاسحة مستقبلية ومن الجذور وهذا هو البلاء الأعظم،وهذا هو الجهل بعينه أن نتمنى لشعبنا بنغلادش أخرى ؟؟!!!.
وعليه: فإننا نتمنى بل ونرجو بل ونتضرع إلى الله ألا تُربط المسيرة التعليمية بالسياسة المحلية هنا في غزة وان تفصل نهائيا عما يدور من عبث لا نهاية له على المستوى الإقليمي الذي ليس لنا به ناقة ولا جمل..فتخريب التعليم ليس في صالح من يفكرون آنيا ومرحليا فحتى لا تكتظ شوارعنا بالشباب التائه والفاقد لمستقبله العلمي ، فينتهي إما في مليشيات فقيرة معدمة لا أهداف سياسية لها وإما كبركان تحت الرماد مهيأ للانفجار في أي لحظة مبشرا بتضامن أهاليهم وأسرهم وكل المجتمع وكل الشعب في قطاع غزة ..
فيا أولى الأمر والمسئولية ( المؤقتة) في غزة هل تفكرتم قبل فوات الأوان ؟؟ فالطلاب في خطر.
والله من وراء القصد.
إلى اللقاء.