فرنسا تُطفئ أنوار الأقصى
أ.د. ناصر أحمد سنه - كاتب وأكاديمي من مصر
هل صدقتم أننا "دعاة حرية التعبير عن الرأي"، و"الحوار المتبادل"، و"مقارعة الحجة بالحجة، والفكر بالفكر، والصورة بالصورة"، و"التعايش السلمي".. واهمون أنتم.
هل بهرتكم شعارات"الثورة الفرنسية.. الحرية والإخاء والمساواة".. ساذجون أنتم. هذه لنا فقط، لعرقنا البيض الجرماني / الأنجلو سكسوني/ الصهيوني. نحن الساسة ادري بالمصالح والمطامع، نرسل الشعارات، نسن القوانين نقلب السياسات وفق رأينا: (.. قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر: 29). لقد اختزلنا تضحيات الثوريين، ولنا كل الحق في اختزالها وتغييرها وفق مطامعنا الصهيو غربية. لقد كانت حقبة تاريخية وانتهت. لقد تغيرت شعارات "عصر الأنوار"، للتوافق مع متطلبات رأس الحربة الصهيوني، شوكتنا التي في حلقومكم، خنجرنا الذي في خاصرتكم، طفلنا المُدلل "إسرائيل"، الذي وجوده من وجودنا، ويلبي إطماعنا في الثروات والطاقات والكفاءات، ودعم الدكتاتوريات.
لقد بات "الفضاء الإعلامي"، و"قنواته المتعددة"، و"الفضاء الإلكتروني"، وإمكاناته الهائلة عوامل فاعلة ـ ذات شأن كبيرـ في توجيه السياسات، وتنفيذ "الإستراتيجيات"، وكسب/ خسارة الانتخابات، والدعوة إلي الحملات والإضرابات والإعتصامات، ودعم الديكتاتوريات، وغض الطرف عن الانتهاكات، و"الترويج" للحروب التي نشنها عليكم،، ثم العمل لإزالة أثارها، وغسل أدمغة الناس من كراهية القاتل، وتحويلها إلي المقتول، الذي ممنوع عليه الصراخ، فكفاه شرفاُ أنه قُتل بأيدينا.. تريدون أن تنافسونا في هذا المجال..أغبياء أنتم.
هل تريدون "تشكيل اتجاهات الرأي العام" المحلي العربي، والإقليمي الشرقي أوسطي، والدُولي العالمي، و"التأثير عليه" وفق أجندتكم أنتم؟. هل تريدون أن تري الشعوب، وبخاصة "رأينا المحلي" أشلاء الأطفال النساء والشيوخ ..مبتورة، مشوهة، تُستخرج من تحت المنازل التي نهدمها فوق رؤؤسكم، من تأثير أسلحتنا المحرمة (الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، الخ" المباح استخدامها وتجريبها فيكم؟؟.
إن نقل تلك الصور للضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ (إننا لا نفعل ذلك عندنا مطلقاً)، لا يترك للمشاهد فرصة للهروب منها. تريدون إن تستصرخونه لـ"يحدد موقفه" منها عبر التعبير عن رأيه.. انتفاضا وتضامنا وتظاهرا وتعاطفا وكتابة مشافهة الخ.. وسنعمل علي وقف ذلك بكل السبل.
إننا ليل نهار.. نسعى جاهدين برأسمالنا، وإغوائنا وإلهائنا.. لتغيير توجهات (إلا شرذمة قليلون ليس لها وزن ولا ثقل، متعاطفة معكم، ومع قضاياكم، وعما قليل سنجردهم من المواطنة، وننفيهم) وقناعات من نحتاجه فقط يوم التصويت في الانتخابات، ثم نفعل ما يحلو لنا لا ما يحلو لهم. إنها لعبة "الديمقراطية.. يا أعداء أنفسكم"، والمبررات جاهزة العدو تلو العدو جاهز مُعلب مقولب.. عدو شيوعي أحمر، وهذا تنين أصفر، ثم إرهاب أخضر سيدمر "حضارتكم.. ومتعتكم ورفاهيتكم".
أننا بذلك لا نريد للشعوب أن تعلم / تدرك أنها وحدها ـ وليس نحن القادةـ الذين يدفعون الثمن من جراء الحروب المستمرة التي نشنها.. نريد ألا يتكر تاثرها بفضائياتكم فيعلو صوتها ضاغطا ومؤثرا، كما حدث إبان "حرب فيتنام" وغيرها.
هل تريدون للرأي العام العالمي، الذي كافح لإسقاط نظام "الفصل العنصري/ الأربتهايد"، ومواجهة حكومة"بريتوريا" في جنوب إفريقيا، وساند ـ بفطرته المسالمةـ الشعوب المضطهدة/ المقهورة في أنحاء المعمورة، أن يكافح من أجلكم، وأن يساندكم ويقف معكم؟؟ ..هيهات هيهات.
نعلم تماما.. أن جوهر قيام الرأي العام بأثره وتأثيره يستند إلي حرية الرأي والتعبير، وقيم الإيجابية والمشاركة، ودور المثقفين والمفكرين، وحرية الوصول علي المعلومات المؤثرة والمكونة لتوجهاته، وهل دور وسائل الإعلام المتعددة، وعلي رأسها الفضائيات الإخبارية يخرج عن ذلك؟. لكن لن نتركه يفعل ذلك بكل ما أوتينا من قوة، وبطشن ومال وإعلام.. سخرناه لخدمتنا.
لقد برزت خلال دفاع "طفلنا الُمدلل" عن نفسه وغزوه لبنان صيف 2006م، وحربه علي "غزة"(2008/2009) ، و"حقه المشروع..دفاعاً عن أمنه" في تفتيش سفن "أسطول الحرية" في المياه الإقليمية محاولات منكم لجذب الرأي العام بأنواعه، ونيل ثقته بقضاياكم عبر فضائيات: "الجزيرة"، و"الأقصى"، و"الحوار"، و"القدس" و"المنار" و"العالم" و"الساعة" الخ. سنهددها، وسنقصفها(قصفنا مبني فضائية "الأقصى"، كما قصفت "المنار" من قبل، وكان نفس المخطط جاهزاً من قبل للجزيرة)، ونرهبها، ونحاصرها، ونطفئها واحدة إثر أخري حسب التكتيكات والظروف التي نراها مناسبة.
إننا وإسرائيل نفرض تعتيماً إعلاميا شديدا ونمنع العديد من وكالات الأنباء من تغطية الأحداث، ليبقي المواطن الغربي أسيراً لإعلامنا الأمريكي الأوربي الذي يقدم له ما نريد تقديمه عن: "اورشاليم، وأسحله التدمير الشامل العراقية، وتحالف صدام والقاعدة، وتخلف الطالبان، وقيامنا بتوفير حلاقين للنساء في كابول، وإدخال هؤلاء وغيرهم من " البربر" إلي فضاءات الحضارة". هل تناوئنا بكسر هذا التعتيم؟؟. لتطفي أنوار "الأقصى"، وكل من تسول له نفسه فعل ذلك، وليوقف بثها عبر "أقمارنا".
سنوقف النسخ العربية والإنجليزية في آن معاً هل تريدون تعريف شعوبنا الغربية بحقيقة ما يجري خارج إمبراطوريتنا..في فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان والشيشان وتركستان الشرقية وكشمير والصومال وكوسوفا، وسبتة ومليلة الخ.
فقط نسمح بكل من يوالي إسرائيل لتقديم كافة أشكال الدعم لها، وبخاصة الدعم الإعلامي. لا نمل من بث "إعلانات مدفوعة الأجر" عبر شبكات ووسائل الإعلام الدولية والأمريكية والأوربية "لتجميل صورة إسرائيل، و"دفاعها عن نفسها". بينما سنعمل ، ما بقينا، علي "تشوي صورة الفلسطينيين، والعرب والمسلمين، والصينيين، وكل من يريد محو إسرائيل من الوجود، والرأسمالية العالمية التي أنتهي التاريخ عندها.. وانتصرت علي ما سواها".
وسنشجع، بكل وسائل الدعم والتأييد، ولن يضيرها شيء، ما دمنا راضين عنها، مئات الفضائيات العربية ما بقيت مروجة "للتسلية المُخدرة/ وتغيب الذبيحة عن الوعي بما هي عليه أو قادمة إليه"، والدعاية "لسياساتنا في مناطق نفوذنا ومطامعنا"،"والترويج لثقافة التسامح/ التفاوض/ دفع عجلة السلام/ ونبذ مقاومة، و"كراهية" المحتل الذي سرق الأرض، وهتك العرض، ودمر البشر والشجر والحجر.. داعين الشعوب للقول: "رجاء زيدونا.. زيدونا، إننا نستحق ذلك، أننا نحب المحتلين ونعشقهم ولا نكرههم. انتم أسيادنا وأولياء النعم علينا، وما نحن إلا عبيد إحساناتكم.. قمحكم، وألبانكم، وملابسكم، وسياراتكم، وهواتفكم النقالة".
انتم تراهنون علي الرأي العام. ليكن، إنه "عاطفي وسريع التأثر ومتلقب المزاج في كثير من المواقف"، سيتبلد من استمرار الأمر، وسيفقد التفاعل، مع الأحداث بسرعة. وينقلب البعض ليسجن نفسه في إطار من السلبية، محاولا "الهروب من تحمل المسئولية إلي فضائيات التسلية"، كنوع من التعذيب الذاتي أو "انتقاما سلبيا من عجزه وعجز السلطة التي أدت إلي به إلي هذه الحالة". بيد أن بإعلام مضاد منا سنوقعه في حبائلنا، ولن يفلت من قبضتنا.
متوهمون أنتم ومزهوين بـ "رأب الصدع" الذي كان ملحوظا في الماضي بين الرأي العام العالمي وبين قضاياكم. تقولون إن: عدالة قضيتكم، ودفاع أهلها عنها، وتضحياتكم الكبيرة في سبيلها، وصبركم وصمودكم وتنامي دور الرأي العام، وتأثره بثورة الإعلام والاتصال.. كل هذا هراء، أننا نحن من سمح بكل هذا تنفيسا عن شعوبنا. وتزعمون: أن المساس بحقكم في الحياة والطفولة والمستقبل والأمل والعيش المشترك والمؤسسات الدينية الرمزية.. معتقدات عامة للرأي العام العالمي ستواجه بمقاومة شديدة وكفيلة بإثارته وتعاطفه معكم.. نحن أدري بشعوبنا ، ونشكله كيفما شئنا ن فنحن أوصياء عليه وهو الذي أعطانا ثقته وصوته في الانتخابات فلا تهتمون كثيرا بتمرده الشكلي علينا".
هل تحلمون أن الحكومات العربية ستعامل إسرائيل بالمثل؟، من حيث التشويش على قنواته الفضائية، ووقف بث القنوات الأوروبية. كونوا واقعيين، الحرب التي أعلناها سننتصر فيها وأعيدوا الحسابات.
إننا متحدون وحلفاء أقوياء .. إستراتيجيتنا ووجهتنا وهدفنا واحد. فإطفاء أنوار الأقصى، عبر إصدار مجلس البث الفرنسي تعليماته إلى إدارة القمر الصناعي "يوتلسات" بوقف إرسال وبث "قناة الأقصى" الفضائية، التي تبُث من غزة، ويُلتَقط إرسالها في فرنسا، جاء موافقة لطلب من الاتحاد الأوروبي بالعمل الفوري لإيقاف بثها، لمخالفتها قوانين البث الأوروبية" إن برامجها تُحرِّض على الكراهية، والعنف بخلفية دينية". نعم إن هذا الأمر يقرر ـ ضمنياً ـ أن هناك كسبا كبيرا لمعظم توجهات الرأي العام العالمي بتنوعاته معكم. تعاطفا وتضامنا وتأزرا، أصدقاء جدد، وأحرار جدد، ومتضامنون جدد، وقضايا مرفوعة أمام المحاكم ضد الصهاينة الخ. لكن لن ندع ذلك الأمر يمر دون وقفة حازمة مهما كان رد الفعل تجاهها.
ومن يهن يسهل الهوان عليه = ما لجرح بميت إيلام.
قرارنا الفرنسي/ الأوربي/ الأمريكي/ الإسرائيلي تجاه فضائيات عربية (الرحمة والأقصى وغيرهما)، بسب أنكم لا تعرفون حقوق الإنسان فليس غريبًا أن لا يحترم أحد حقوقكم في الإعلام، وغيره.
جملة واحدة نقولها لكم: ممنوع الصراخ عند قتلكم، لا تزعجونا وتزعجوا شعوبنا، فلن نجعلهم سيتعاطفون معكم، أو أن يذرفوا دمعة حزناً عليكم. كفاكم فخرا وشرفا أننا نقتلكم ونستبيحكم ونشردكم ونهدم بيوتكم وعشوائياتكم، ونقبل نفطكم وثراوتكم، ونخفف ـ بقتلكم ـ من "إحترار الأرض، وازدياد سكانها"جراء وجودكم، ووجود زيتونكم وكرومكم.