تركيا اردوغان وسيط رئيس في السلام المأمول

 اسعد البيروتي

تركيا اردوغان و"بموروثاتهاالتاريخية والجغرافية" ، وبرؤيتها الجديدة في القرن الحادي والعشرين ، هذه التركيا ؛ تقيم توازنا بين الشرعية الدولية وقراراتها الملزمة ضد ايران ، وبين علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع طهران ، وهذا التوازن لن يسمح بأن تٌعطل احداهما الاخرى .

علاقات تركيا مع ايران ؛ لن تحجب علاقاتها مع الغرب ، والتي وصف رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان من يدعون ذلك بأنهم يلعبون "لعبة قذرة" ، هذا فضلاً عن مطالبته بأن لا يٌساء فهم الجهود التي تبذلها تركيا من اجل السلام . ولئن مارست تركيا سياسات استقلالية عن الولايات المتحدة الامريكية ، وبما يشبه الخلط المربك لاوراق امريكا في المنطقة ، وبما يبدو انه مضادٌ كلياً لسياسات دولة العدوان الاسرائيلي ؛ فانّ تلك السياسات منعت ايران من الاستئثار الحصري بالورقة الفلسطينية ، ولم تعد ايران وحدها في بقعة الضوء الممانع ! . وارجو الا يساء فهم لفظة "الممانع" هنا .

ان من يظن ان السياسات التركية الحديثة ، قد تضم تركيا الى معسكر الرفض والممانعة العربية ، شديد التوهم ، فهذا لن يتم اليوم ولن يتم غداً . الاستراتيجية التركية الحديثة قائمة ، ليس على ازالة اسرائيل من الوجود كما يبشر الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ، وانما على "احتوائها" . من هنا تأتي جوهرية سعيها الى اقامة التوازن والاستقرار والسلام في المنطقة . ثمة استطلاع للمركز الفلسطيني لابحاث السياسات والمسوحات قال : "43 في المئة من الفلسطينيين يصفون تركيا بأنها دعامتهم الخارجية الاولى ، بينما 6 في المئة فقط منهم يطلقون هذه الصفة على ايران .

   ثمة مفارقة تركية ايرانية في التعامل مع الورقة الفلسطينية ، ولابد من لفت النظر لها ، وهي تثبت ان تركيا اردوغان تفعل اكثر مما تقول ، وان ايران تقول اكثر مما تفعل ... المفارقة هي :

السفينة التركية "مرمرة" ، سفينة المساعدات الانسانية لغزة ، تعرضت لهجوم اسرائيلي ، استشهد فيه تسعة مواطنين مدنيين اتراك ، بينما صرح الامين العام للمؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية حسين شيخ اسلام في مؤتمر صحفي في 25 /6/2010 : " هذه الرحلة لن تتم " ، ويقصد السفينة الايرانية الحاملة ل 1100 طن من المساعدات الانسانية ، والتي سبق واعلنت ايران عن توجهها الى غزة بدءاً من ميناء بندر عباس الايراني ، والحجة ان الغاء الرحلة قد تم بسبب "عدم اعطاء النظام الصهيوني اي حجة" . ارى ان اكتشاف السلطة الايرانية لهذه "الحجة" لايقل اهمية عن اكتشاف كولومبس لامريكا ! .

المفارقة التي اشرنا اليها ، تؤكد ان ثمة فرقا كبيرا بين من يركب على ظهر الورقة الفلسطينية وبين من يخدمها بابعاد انسانية اكثر منها سياسية .

ان استشهاد المدنيين الاتراك على يد الاسرائيليين ؛ لم يمنع ان تصل مجموعة من المسؤولين العسكريين الاتراك في 23/6/2010/ الى اسرائيل في زيارة تستمر اسبوعين يتدرب خلالها هؤلاء على استخدام طائرات من دون طيار من طراز "هيرون" ، اشترتها انقرة بموجب اتفاق وقع عام 2004 بقيمة 180 مليون دولار . هنا يبدو التوازن الدقيق والقابل للاستقرار الذي يميز سياسات تركيا اردوغان .

  تركيا تدرك ان الغرب ربط عقوباته السابقة والراهنة واللاحقة ضد ايران برغبة مستمرة في التفاوض معها بشأن خروجها عن الالتزام الدولي بمنع انتشار السلاح النووي . هذا الادراك التركي نمطٌ من العلاقات الدولية قد يكون مساعدا على الاستقرار والامن في المنطقة وهما امران ترتكز اليها سياسات تركيا وفق تنظير وزير خارجيتها احمد داوود اوغلو . وربما يكون واقيا من حرب ستؤذي تركيا وايران والشرق الاوسط وحتى العالم . الدور التركي والدور العربي متكاملان من اجل صنع السلام لمنع العدوان ، ومن هنا جاء قول الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى : "نحن نرحب بالدور التركي كما ترحب تركيا بالدور العربي" .

    واذا كانت السلطة الايرانية الحاكمة ، كما قال رجل الاعمال الايراني امير جاهنشاهي، تملك مفتاح السلام بين اسرائيل والفلسطينيين ؛ فهي في نفس الوقت عامل قلق للعالم ببرنامجها الموصل للذرة فضلا عن تدخلها المكشوف في سيادة ورسم اهداف الدول المجاورة او البعيدة عنها في المنطقة . أما تركيا فهي عنصر استقرار ووسيط سلام رئيس مركزي في نجاح المسارين الفلسطيني والسوري .

   الحماس التركي للحق الفلسطيني هو حماس يوصل الى السلام ، وليس تحريضاً للحروب او الابتزاز باسم ذلك الحق ، الامر الذي تتقنه طهران الحكومة جيدا .

ان العلاقات التركية السورية الايرانية ورقة مهمة في الضغط على اسرائيل لكبح عدوانها ودفعها الى الكف عن محاربة السلام .