ماذا بعد الانسحاب الأمريكي من العراق 2011...؟

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

 ليس الخوف الناتج من البكاء على انسحاب المحتل , ولا الأسف عليه , ولكن من الوضع الذي أفرزه الإحتلال الأمريكي في العراق

خوفي يقودني للمقارنة بين ماحصل في فلسطين , بعد انسحاب القوات البريطانية منها , وانهزام الجيوش العربية أمام عصابات الصهاينة في فلسطين , لتبقى قضية فلسطين الشغل الشاغل للجميع , وما أفرزه هذا الكيان البغيض من أمراض قاتلة ومازالت مستمرة حتى الآن

والتاريخ سوف يعيد نفسه على أرض العراق , بعد مأساة فلسطين ب61 عاما

لقد وجدت القيادات العربية ضالتها في أسباب هزيمتها في فلسطين , واختبأت وراء الإستعمار وضعف جيوشها , ومنها ماكان مستعمرا بفتح العين أيضا

علينا كعرب ودول عربية ,أن نضع قضية العراق قضية الأمة كلها ,ولا يوجد قضية أهم منها مهما بلغت أهمية القضايا الأخرى

قبل الخوض في ميادين اللعبة تلك , لعبة الحياة أو الموت , لعبة الوجود أو العدم للأمة كلها والدول العربية ,لابد من فرز المكونات العراقية في الداخل , المؤثرة حاليا والمكونات المحتملة والتي يمكن أن تكون مؤثرة في المستقبل

الواقع أفرز مكونين رئيسيين

1-                    المعتمد على التمايز العرقي (القومي)

2-                    والمعتمد على التمايز الطائفي(المذهبي)

هذان المكونان الرئيسيان :

ونختصر توجهاتهما وسياساتهما ومدى نجاحهما مرتبط بوجود الإحتلال الأمريكي للعراق , وبعد جلاء القوات الأمريكية سوف يفتقدان الدعم الأساسي لوجودهما ككيانات لها تأثير على الوضع الداخلي والخارجي

مما يضطرهما الواقع للجوء , إلى حليف قوي يحل بديلا عن الحليف السابق

والمرشح للعب هذا الدور وهو ليس خافيا على أحد

فإيران لم تنتظر الموعد وإنما وضعت ثقلها كاملا في التدخل واستطاعت أن تمتلك كل أسباب القوة للحكومات العراقية المتعاقبة بعد الإحتلال . والتي اتخذت طريقا واضحا في دعم الشيعة (الدعم على أساس طائفي)

الكيان الأوربي وإسرائيل وجدوا الطريق سهلا للتدخل في مسار عرقي , عن طريق دعم منطقة كردستان العراق

السنة العرب ضاعت جهودهم بين المقاومة المستمرة للإحتلال وأعوانه ,وبين الإستسلام للواقع المر والإنخراط في العملية السياسية

الشيعة العرب , لازال القسم الأكبر منهم يتبعون أوامر الفقيه في طهران , والقسم الكبير منهم يرفضون هذه التبعية , ولكن الخوف والقتل والسيطرة الآنية للأحزاب الدينية الشيعية , جعلت نفوسهم تتوق للأمة العربية والتخلص من التبعية الإيرانية , ولكن مبدأ الصمت هو الغالب عليهم

يبقى عندنا فريق واحد ومكون أساسي , هذا الفريق هو المهم وهو الذي يمكن أن يكون طوق النجاة للعراق والمنطقة كلها

هو محور المقاومة العراقية

هذه المقاومة البطلة والتي استطاعت بإصرارها وإيمانها العميق, بأنه لايمكن تخليص العراق من محنته إلا بمحاربة المحتل

واستطاعت أن تشق طريقها ضمن أعتى الموانع وحقول الألغام والأعداء , ومحاربة القوة الأولى في العالم , لتضع حدا للقيادة الأمريكية , وإيصالها لقناعة أن بقاؤها في العراق سوف يكون مدمرا لأمريكا كلها

ورغم نجاحها في إجبار المحتل على الإنسحاب

ولكن هذا لايكفي عليها أن تكون حريصة على كسب  ماضحت من أجله , وأن تكون حريصة كل الحرص على أن لا تعطي مكتسباتها لغيرها

فعلى المقاومة العراقية واجبات متعددة كثيرة , وطريقها وعر جدا , وستكون وعورة الطريق بعد الإنسحاب أشد بكثير مما هي عليه الآن

فحراكها الآن يجب أن يكون سياسيا بحتا , هذا الحراك السياسي يرتكز على محورين رئيسيين هما:

1-كسب الأصدقاء

2-التقليل من الأعداء

لكسب المزيد من الأصدقاء في الداخل العراقي بشكل خاص والخارجي بشكل عام

فعلى مستوى الداخل يكون الحراك على أساس الإستفادة من المخلصين في العراق باتجاه الذين لم يتأثروا بانتماؤهم الطائفي وإنما بقيت قناعتهم العراق أولا وأخيرا

وتغيير اللهجة الخطابية في عموميات التخوين والعمالة واعتمادها على الذاتية المقننة جدا , مع الإتصال سرا وعلانية برؤساء العشائر وشيوخ العشائر وأبنائها والتي وقفت موقفا مشهودا له , في أنها أحبطت مشروع فصل الجنوب والتي سعى إليها الكثير من الرموز المتعاملة مع المحتل

وفي إطار التقليل من الأعداء أو جعلهم على الحياد أو حتى يمكن تحويلهم لأصدقاء . وذلك من خلال فتح مجال للتحاور بين المقاومة العراقية وبين القيادات الكردية في الشمال , وأن يتم الإتفاق بين الطرفين معتمدا على المصالح المتبادلة بين طرفي الحوار

كذلك يمكن كسب التركمان بغالبيتهم لجانب المشروع الوطني للعراق والذي توضحه المقاومة العراقية بمشروعها السياسي القادم في العراق

فالسيناريو المحتمل في العراق بعد الإنسحاب الأمريكي , هو أن تتجه المقاومة العراقية للسيطرة على مراكز القرار في دولة العراق , مع ماتملكه من كيانات سياسية وفكرية وثقافية قادرة على إدارة الدولة الحديثة بإذن الله تعالى

ولكنها سوف تجد مقاومة متعددة من جميع الأطراف والتي كانت السبب في تدمير العراق وتشريد وقتل أبنائه , وتمتلك قوة لايستهان بها , ومدعومة من الدولة القوية إيران , مع دخول اسرائيل  بكامل قوتها للحيلولة دون استلام المقاومة مراكز القرار في العراق

ماهو موقف الدول العربية من هذا السيناريو المحتمل؟

عندما كان الإحتلال الأمريكي كانت حجة الأنظمة أنها لن تستطيع محاربة أمريكا وتربطهم بها علاقات وجودية لتلك الأنظمة ,والأنظمة تلك دائما تفكر بواقعية , وبناءا على واقعيتها تلك , رفضت التدخل في الشأن العراقي وتركته لقمة هنية للحكومة الإيرانية

ولكن ؟!

مالذي ستفعله الحكومات العربية تجاه العراق ؟

فالإحتمال الأقل سوءاً سيكون الآتي:

دولة بالجنوب محتلة من قبل إيران

دولة في الشمال (دولة الأكراد)

دولة في الغرب (دولة السنة العرب)

ولكن سوف يكون الصراع المر والشديد على بغداد

وإن تم ذلك فمسؤلية حصوله يقع على كاهل الدول العربية بأنظمتها مجتمعة , ولن تجد حجة مقنعة لالنفسها ولا لشعوبها ولا التاريخ سيرحمهم .

فلا حجة لهم , لأنهم لو أرادوا العمل لخير العراق أولا , وخير أنفسهم ثانيا فلن يخذلهم الله تعالى

وقد يقول قائل ولكنهم يخشون إيران أيضا

ولكن يوجد بأيديهم وسائل يمكن أن تطيح بالنظام الإيراني , كما هدد بذلك مسؤول أمني إماراتي منذ فترة طهران

(إذا حركت خلاياها النائمة في بلادنا فسوف نحرك خلايانا في إيران , يوجد في إيران 22 مليون من أصل عربي)

بما أنه عندها تلك الإمكانيات فلما لاتسعى لدعم المعارضة الإيرانية على سبيل المثال

فإيران تسعى علانية وليست تسعى فقط للسيطرة على الدول العربية وإنما تعمل بذلك سرا وعلانية

فهل تنتظر الدول العربي احتلال العراق وسورية واليمن ولبنان حتى تتحرك ؟