استقالة ماكريستال
استقالة "ماكريستال"
إنهم يجرون أذيال الخيبة كما جرها السوفييت
أ.د. ناصر أحمد سنه - كاتب وأكاديمي من مصر
استقال الأربعاء 23/6/2010، قائد القوات الأمريكية و قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) في أفغانستان وباكستان، الجنرال ستانلي ماكريستال، بسبب مقال في مجلة «رولينج ستون» أظهر فيه استياءه إزاء مخاوف مسئولين أمريكيين بارزين بشأن جهود الحرب المستمرة.
وكان ماكريستال قدم اعتذاره لأوباما، وقال في بيان: إن المقال المنشور في إحدى الصحف والذي تضمن هذه الانتقادات «خطأ ويفتقر إلى التقييم الدقيق» وأنه يكن عظيم احترامه لإدارة الرئيس أوباما وأن ما جاء في المقال بعيد عن مبادئه .قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما الثلاثاء إن أكبر قادته في أفغانستان أظهر "حكما سيئا" بخروجه بتصريحات انتقاديه ضد الإدارة، قد تجبره على تقديم استقالته. وقال اوباما امام الصحافيين في حديقة البيت الأبيض بخصوص ماكريستال ان سلوكه مثلما ظهر في مقالة نشرت مؤخرا لا ينسجم مع المعايير المطلوبة من جنرال لكنه اشاد بمسيرة الضابط وأكد انه لم يقله بسبب اهانات شخصية، وأضاف إنه وافق على استقالة الجنرال ماكريستال بأسف لكنه شدد على ضرورة وحدة الجهود من قبل فريقه بخصوص أفغانستان. هذا وقد عين "اوباما" الجنرال "ديفيد بترايوس" قائدا جديدا للقوات الدولية في أفغانستان، كما أكد أن تعيين بترايوس مكان ماكريستال لا يعني تغييرا في الإستراتيجية على الأرض.
تأكيدا لما جاء في مقال سابق ـ لكاتب هذه السطورـ بعنوان: :" كما الهزائم تتراكم.. الانتصارات كذلك"،منشور في عدد من المواقع الالكترونية، وبعيدا عن الاتهام بمجافاة الموضوعية، وعدم قراءة الواقع، والتحليق مع أوهام وأمنيات.. ثمة ملاحظات وأسئلة تُطرح تحتاج إلي أجوبة:
- مضي ما يقرب من عقد من الزمان علي احتلال أمريكي/أطلسي/ عالمي/ عولمي لأفغانستان وما حولها من باكستان وقواعد عسكرية وإمدادات هنا وهناك في قرغيزيا وغيرها من البلدان المجاورة الخ، فأين أكاليل النصر، وأهازيج الفرحة، ونشوة الفوز، وتوزيع الغنائم، وإعداد الولائم من التخبط والاستكبار والاستقالات والانتقادات، والكُفلة المادية والمعنوية والبشرية؟. إن الأكفان والنعوش والأحذية العسكرية تتري وتتوالي محمولة عائدة ـ بشرف وفخر إلي بلدانهاـ يبكي ذووها، بينما لا يبالي أهل الحرب والاحتلال، والاستغلال والاٌستنزاف بهؤلاء وأولئك.
- يقول أن قراره المتعلق بتغيير القائد في أفغانستان هو:"تغيير في الأشخاص وليس تغييرا في السياسة"، وأنه لا يمكنه المحافظة على «وحدة الجهود» في الحرب في أفغانستان من دون إجراء تغيير في القيادة، مشددا على أنه لن يقبل أي انقسام بين قادته العسكريين.ويتابع :"إن أمتنا في حرب، نواجه قتالا شرسا جدا في أفغانستان". وهل السياسة منفصلة عن الأشخاص الذين كانوا من قبل "ملء السمع والبصر ومشهود بكفاءتهم الحربية والسياسية"؟؟. ثم ماذا أثمر عقد من ذات السياسية، إلا قتل المدنيين العزل من الشيوخ والنساء والأطفال في الأفراح والمآتم والساحات، فضلا عن شيوع المخدرات والإفقار والفساد؟؟. لكنهم مؤخراً: " اكتشفوا مناجم معادن بمليارات..".
- أين علائم النصر من التنابذ والنقد والسخرية واللوم المتبادل، والتصدعات والتشققات البادية في صفوف هذه الحملة الأمريكية/ الأطلسية؟؟، ومن الذي بقي، ومن الذي أنسحب يجر أذيال الهزيمة من نحو عشرات من الدول المشاركة في الاحتلال، وهم من هم عدة وعتادا مقابل حروب عصابات ومقاومة بأبسط أنواع السلاح إلا من أيمان بأن الأرض لأهلها ولن يبقي محتل فيها؟؟.
- في وقت سجلت "كانبيرا" اعلي خسائر تتكبدها منذ اجتياح أفغانستان.. أعلن وزير الدفاع الاسترالي في ذات اليوم الأربعاء 23/6 أن بلاده قد تسحب جنودها من أفغانستان في غضون 2-4 سنوات ( ليكن في غضون عشرة سنوات، حتى تزداد أعداد قتلاه التي يعترف هو بها، إنها حروب النفس الطويل، صاحب الرض ماكث متشبث بحقه ، وعلي المحتل الغازي/ القلق المتوتر المقتول أن يرحل).. ثم أين الإيطاليين والبولنديين والرومانيين والألمان والكوريين وغيرهم وخسائرهم وهزيمتهم وانسحاباتهم؟.
- الطريف أن الصور التي يبثونها تُظهر عيد من الجنود يترجلون ـ كأنهم ناظرين إلي أشباح ـ هنا وهناك ، لا احد يواجههم ولا أحد يقاومهم فمتى يحدث القتل إذن؟. وعندما يتم الإعلان الرسمي عن مقتل جنودـ ونحن نري العشرات من الجنود السائرين، والمحمولين برا وجواـ يشار إلي أن "جنديا قتل"، أو "بحد أقصي أربعة جنود".. ذرا للرماد في العيون"، وهل يسير جندي في حرب فلاة بمفردة؟.، مع ذلك يعلن عن مقتل ما يزيد عن سبعين جنديا خلال هذا الشهر فكم يا تري العدد الحقيقي شهريا ومنذ نحو عقد من الزمان؟.
- تارة يوضع من يوصفون "بـ المتمردين/ الإرهابيين" من طالبان والحزب الإسلامي وغيرهم علي" القائمة السوداء المطلوبة لما يسمي بمجلس الأمن" ثم يحذفون بعض الأسماء " جزرة لمولاتهم والتفاوض معهم". وأين القائمة السوداء لمرتكبي مجزرة أسطول الحرية، ومجازر غزة وأطفالها ونسائها والفسفور الأبيض (2008/2009) و"تقرير جولدستون"، وغيرها من عشرات المجازر.
- هل لمنتصر أن يطلب ويلح ويستغيث بهذه الدولة أو تلك لتجري "مفاوضات مع "طالبان وغيرها"؟؟، بينما يصر الأخير علي شروطه من خروج المحتل أولا، الذي ما زال ـ وقائد القوات يقدم استقالته ـ يأملً «أن يري هذه المهمة تنجح"، بينما يحذر العملاء من :"أن الفراغ لن يساعد على تسوية النزاع الجاري".
- أنظر إلي مواقف وأحاديث هؤلاء المنتصرين من القوات الأمركية وقوات حلف الأطلسي الناتو والحلفاء والشركاء والعملاء والأصدقاء الخ: لفت ماكريستال ـ في مقالة مجلة رولينغ ستون التي أجراها الصحافي المستقلّ مايكل هاستينغزـ إلى أنه "شعر بالخيانة من قبل كارل ايكنبري، سفير الولايات المتحدة في كابول وجنرال سابق بثلاث نجوم خلال مناقشة في البيت الأبيض حول إستراتيجية الحرب العام الماضي.ونُقل عن أحد مساعدي ماكريستال في إشارته إلى ريتشارد هولبروك المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان وباكستان: "قال القائد بأنّ هولبروك مثل الحيوان الجريح. كان على دراية بالشائعات السارية حول إقالته الأمر الذي جعله خطيراً".وعبّر ماكريستال ذات مرّة عن سخطه عندما تلقّى رسالة عبر البريد الإلكتروني من السيد هولبروك، وقال: "أوه، ليست رسالة أخرى من هولبروك. أنا لا أريد حتى قراءتها". كما ظهر ماكريستال يسخر من نائب الرئيس جو بايدن المعروف بشكوكه حول إستراتيجية الحرب التي ينفّذها ماكريستال. وقبل أن يستقلّ الطائرة المتّجهة إلى واشنطن، هاتف الجنرال سلسلة من كبار المسئولين، بمن فيهم بايدن وغيتس وهولبروك لتقديم اعتذاره. وتردّد أن غيتس كان غاضباً وقلقاً على الأضرار التي قد تلحق بإستراتيجية الحرب في أفغانستان بعد أفعال الجنرال ماكريستال.وقال غيتس: "إننا نخوض حرباً ضد القاعدة وحلفائها المتطرفين الذين يشكّلون تهديداً مباشراً على كلّ من الولايات المتحدة وأفغانستان وأصدقائنا وحلفائنا حول العالم". وأضاف غيتس:" علينا المضي قدماً ومتابعة هذه المهمة مع وحدة الهدف. يقوم قواتنا وشركائنا في التحالف بتضحيات استثنائية دفاعاً عن أمننا، فيقتضي أن ينصبّ تركيزنا الوحيد على دعمهم والنجاح في أفغانستان بمنأى عن اضطرابات من هذا القبيل".
"لم يشفع له تاريخه"، هذا هو القائد المهزوم / المستقيل/ المُقال/ المغضوب عليه: "ستانلي ماكريستال"... جنرال العمليات الخاصة.
تاريخ الجنرال ماكريستال، الذي أعلن تعيينه قائداً للقوات الأميركية في أفغانستان، يحفل بالعديد من الأمور الهامة، من أهمها فترة تولّيه قيادة قوات النخبة، التي حققت نجاحات لافتة في العراق وأفغانستان. وتولّى ماكريستال مهمات القائد العام للعمليات الخاصة المشتركة في قاعدة فورت براغ في نورث كارولاينا بين أيلول 2003 وشباط 2006، وعيّن بعدها قائداً للعمليات الخاصة المشتركة حتى آب 2008. وبحكم هذين المنصبين، أشرف ماكريستال على العمليات الخاصة الأميركية في أفغانستان والعراق. وتنسب إليه العمليات المحددة الأهداف، التي أدّت إلى قتل زعيم تنظيم «القاعدة» في العراق عام 2006، أبو مصعب الزرقاوي. كما ينسب إليه وضع الاستراتيجية المستخدمة للقضاء على خلايا مدعومة من القاعدة ومن إيران في العراق في 2007 و2008، وهي استراتيجية لا تزال سرية. ويشار إلى أن الوحدات الخاصة اتهمت في ظل قيادته بارتكاب تجاوزات بحق معتقلين، ويقال إن هذه المسألة هي التي أخّرت تعيينه في منصبه الحالي مدير أركان الجيوش الأميركية، العام الماضي. وماكريستال متخرّج في كلية وست بوينت العسكرية العريقة، تولّى مناصب قيادية مهمة تخلّلتها فترات دراسة في جامعة هارفرد ومجلس الشؤون الخارجية وكلية البحرية الحربية.
وبدأ في عام 1980 بالعمل في العمليات الخاصة قائد وحدة خاصة في المجموعة السابعة للقوات الخاصة، وخلال حرب الخليج الأولى، أرسل إلى السعودية ضابطاً في العمليات العسكرية الخاصة، قبل أن يتولى في عام 1997 قيادة فوج من قوات الحرس، ثم كتيبة حرس في 1997ـــــ1999. وفي 2001ـــــ2002، أثناء الحرب التي شنّتها الولايات المتحدة على أفغانستان إثر اعتداءات 11 أيلول 2001، كان رئيس أركان الفيلق المجوقل الثامن عشر، القوة الخاصة المشتركة، التي قادت عملية «الحرية الدائمة» التي أطاحت نظام «طالبان» في أفغانستان. وتولّى في الفترة الممتدة بين 2002ـــــ2003 أيضاً مهمات نائب مدير عمليات هيئة الأركان المشتركة، قبل أن يعيّن في آب 2008 مديراً لهيئة الأركان المشتركة، وهو المنصب الذي لا يزال يشغله.
وباختياره ماكريستال، يراهن غيتس على خبرته في العمليات الخاصة وعلى صدقيته بين وحدات الكوماندوس، التي سيترتّب عليها الحد قدر الإمكان من الإصابات بين المدنيين أثناء تنفيذ العمليات.
- أين أوسمة الاستحقاق والجدارة؟؟.. "وغادر الجنرال ستانلي ماكريستال البيت الأبيض من دون ان يصدر عن الرئاسة أي إيضاح فوري بشأن مصير قائد قوات الحلف الأطلسي في أفغانستان.وخرج ماكريستال من الجناح الغربي للبيت الأبيض واستقل سيارة قاتمة اللون انطلقت بعيد الساعة 10,20 (14,20 ت غ) إلى جهة مجهولة". ولم يقل له أحد .."وداعاً ماك".
خلاصة القول: ما تنم عنه استقالة "ماكريستال"، وخلفياتها البادية للعيان (وما خفي كان أعظم): إنهم متنابذون ومتلاومون ومفرقون ومضطربون ومذعورون وخائبون وعاجزون ومنهزمون ويجرون أذيال الخيبة عائدين "بخفي حنين" كما جرها السوفييت من قبل. فأرض أفغانستان وباكستان وما حولهما لأهلها، والحرية لشعوبها لينعموا بها كما ينعم سائر الشعوب.
إن ما لا يريد أن يدركه هؤلاء المحتلون وأذنابهم من سابق تجربة احتلال "الدب السوفيتي" أن الشعب الأفغاني لا ولن يرضي بالضيم والذل والاستكانة والاستعباد شان غيره من الشعوب الحرة الأبية. لقد صدعوا رؤوسنا إبان الاحتلال السوفيتي بأن: "الأمريكيين وغيرهم، هم من ساعد الأفغان علي التحرر وهزيمة السوفييت، وأن ذلك أسفر عن وجود القاعة والطالبان". يبقي السؤال: من الذي يساعد هؤلاء ألان في مقاومة استمرت لنحو عشر سنوات وستستمر ولو لعشرات أخري حتى هزيمة وخروج المحتل، وعندئذ ماذا ستسفر عن مواقف وترتيبات ونتائج مستحقة؟؟.