التآمر الغربي العربي على ثورات الربيع

محمد شركي

[email protected]

بنتائج الانتخابات التشريعية في تونس انكشفت بشكل جليا خيوط المؤامرة الغربية العربية الخبيثة على ثورات الربيع العربي ، وذلك من خلال تقهقر حزب النهضة الإسلامي أمام حزب نداء تونس العلماني بعدما كان فوزالنهضة كاسحا في استحقاقات انتخابية سابقة. ومعلوم أن حزب نداء تونس هو خليط من فلول حزب الرئيس بنعلي الفار إلى الخليج ، وأحزاب علمانية صغرى صوتت لصالح حزب فلول النظام المنهار إلى جانب فئات شعبية وقعت ضحية الإعلام المغرض الذي عمل ما في وسعه لتشويه صورة حزب النهضة الإسلامي ، وذلك من خلال التخويف منه من جهة ، ومن جهة أخرى من خلال محاولة وصفه بالعجز عن إيجاد حلول لآثار فساد نظام بنعلي . ولقد صرح نائب رئيس حزب النهضة عبد الفتاح مورو أن القوى السياسية التي تتولى تدبير الشؤون مباشرة بعد الثورات تواجه صعابا في معالجة آثار الفساد لأن الأنظمة الفاسدة تخلف بعد رحيلها إرثا ثقيلا يصعب التخلص منه بسهولة ، وهذا ما حدث في مصر ، وفي تونس ، ذلك أن حزب العدالة والحرية في مصر واجه وضعا كارثيا بسبب فساد نظام حسني مبارك ، تماما كما واجه حزب النهضة في تونس وضعا مشابها وصعب عليهما تجاوز الفساد المستشري خصوصا في ظرف حكم لم يتجاوز السنتين . ومعلوم أن الشعوب بعد الثورات على الفساد تنتظر على أحر من الجمر ممن يحل محل الأنظمة الفاسدة حل جميع مشاكلها المستعصية ، وهو خطأ جسيم في تقدير حجم الفساد ، وما يتطلبه من جهد ووقت من أجل القضاء عليه . ولقد استغل استعجال شعوب ثورات الربيع التخلص السريع من آثار الفساد استغلالا بشعا من طرف الغرب وأنظمة عربية موالية له لم تعرف بلدنها مثل ثورات بلدان الربيع . ومعلوم أن الأنظمة العربية الفاسدة التي انهارت كانت موالية للغرب راعية لمصالحه وعلى رأس هذه المصالح سيطرته على ثروات البترول ، و دعمه للكيان الصهيوني المستنبت في قلب الوطن العربي . ومن المعلوم أيضا أن ثورات الربيع العربي كانت قوية في البلدان التي كانت تحكمها أعتى الأنظمة المستبدة والفاسدة ، وكانت معاناة شعوبها كبيرة بسبب شدة الفساد .

ولم تعرف بعض البلدان العربية خصوصا الخليجية منها مثل هذه الثورات نظرا لوضعياتها الاقتصادية كبلدان مصدرة للنفط تستعين أنظمتها على التخفيف من وطأة استبدادها وفسادها عن طريق صرف جزء من عائدات النفط على تعطيل الثورات الشعبية ضدها . ولقد مرر الغرب مؤامرته الخبيثة على ثورات الربيع العربي عن طريق هذه الانظمة الخليجية التي لم تهب عليها رياح ثورات الربيع العربي حيث تورطت هذه الأنظمة في ثورات مضادة لثورات الربيع ، وذلك من أجل إعادة الوضع الفاسد في الوطن العربي إلى ما كان عليه . ولقد ظهر تأييد دول الخليج للأنظمة المنهارة منذ أول يوم قامت فيه أول ثورة من ثورات الربيع حيث استقبلت السعودية الرئيس التونسي الفار من غضب الشعب بدعوى أنها فعلت ذلك لأسباب وصفتها بالإنسانية ، وكأن الأرواح التي أزهقها هذا الديكتاتور ليست إنسانية . والحقيقة أن السعودية طبقت تعليمات الغرب الذي كان يدبر المؤامرة الخبيثة ضد ثورات الربيع العربي . وتدخلت السعودية والإمارات في ثورة اليمن ، ودبرت حيلة أخرى لإنقاذ الرئيس الفاسد بذريعة ما سمي المصالحة . وسقط قناع السعودية والإمارات بسبب تورطهما في الانقلاب العسكري على الشرعية والديمقراطية في مصر ، وكان تورطهما تطبيقا لأوامر الغرب أيضا خوفا من أن تصير الثورة المصرية ،وما نتج عنها نموذجا يحتذى في الوطن العربي ، ويأتي على ما تبقى من أنظمة فاسدة ترعى مصالحه . وليس من قبيل الصدف أن يتورط نظام السعودية ونظام الإمارات في مؤامرة الانقلاب في مصر لأنهما أكثر الأنظمة رعاية لمصالح الغرب من خلال تمكينه من ثروات البترول التي بدونها ينهار . ولقد توجس الغرب من ثورات الربيع العربي خصوصا عندما أفرزت ما سماه هذا الغرب الإسلام السياسي الذي من شأنه أن يكون سببا في انهياره . وتورط النظام السعودي والإماراتي في ليبيا التي لم ينقذ ديكتاتورها كما أنقذ ديكتاتور تونس واليمن ومصر لأنه كان خصما عنيدا لهما. ويحاول الغرب من خلال تحريك النظامين السعودي والإماراتي والانقلابيين في مصر الحيلولة دون قيام نظام على غرار نظام حزب العدالة والحرية المصري ، وبلغ التورط الخليجي والمصري في ليبيا حد المشاركة في الحرب الدائرة بين فلول النظام المنهار وبين الثوار الذين أطاحوا به ، ويحرص الغرب هو وحلفاؤه الخليجيون على تشويههم من خلال نسبتهم إلى الإرهاب والتطرف تماما كما حصل لحزب العدالة والحرية المصري . وأكدت نتائج الانتخابات الأخيرة في تونس أن الغرب وحلفاؤه لم يفلتوا ثورة تونس من العقاب حيث مكنوا لفلول النظام الفاسد من العودة من جديد تحت مسمى حزب نداء تونس ، و هو مسمى له دلالته فهو في الحقيقة نداء الغرب العلماني . وبالأمس عبرت قيادة حزب النهضة عن مخاوفها من عودة النظام الديكتاتوري إلى تونس ، ومخاوفها مشروعة ما دامت وعود حزب النداء قد تكون شبيهة بوعود الانقلابيين في مصر ، والذي أقسم بالأيمان المحرجة زعيمهم أنه لن يترشح وأنه لا رغبة له في الحكم ، وثبت عكس ذلك تماما ، لهذا قد تكون وعود قادة حزب النداء في تونس باحترام الديمقراطية كوعود زعيم الانقلاب في مصر الذي يعيث اليوم فيها فسادا غير مسبوق تقتيلا وتدميرا واعتقالا وغصبا واغتصابا .... وما لا يوصف من الفظائع . و لا تختلف المؤامرة على ثورات الربيع العربي في العراق وسوريا عنها في باقي أقطار الوطن العربي حيث خلط الغرب مع حلفائه الخليجيين فيهما الأوراق من أجل تمديد الحرب الطائفية التي وظفت لها عصابات إجرامية ركبت واستغلت لتبرير الإجهاز على ثورتي الشعبين العراقي والسوري . وكما أنقذ الحكام المستبدون في تونس ومصر واليمن ، يحاول الغرب إنقاذ ديكتاتور سوريا عن طريق استنزاف قوة الثورة عليه من خلال استغلال الحرب التي تخوضها العصابات الإجرامية ، وهي عصابات صنعت عمدا لتشويه انتفاضة الشعبين العراقي والسوري ضد الاستبداد الطائفي المقيت الذي يخدم مصالح الغرب . وتعتمد مؤامرة الغرب على ثورات الربيع العربي أسلوب تشويه رهان الشعوب العربية على الإسلام بعدما فقدت ثقتها في أشكال من الليبرالية والعلمانية بلغت بالعالم العربي إلى درجة الإفلاس . ولقد استطاع الغرب بخبثه ومكره وتوظيفه للأنظمة العربية الراعية لمصالحه أن يضلل شرائح عريضة من الشعوب العربية عن طريق جعلها تفقد الثقة فيما يسميه الإسلام السياسي ، ويقصد به وصول الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية إلى مراكز صنع القرار، وذلك عن طريق تشويهها والتخويف منها ، وإظهار عجزها أمام مواجهة آثار الفساد الذي خلفته الأنظمة الفاسدة الراعية لمصالحه ، علما بأن هذا الفساد هو نتيجة مباشرة لمصالح الغرب . ولقد انطلت حيلة الغرب على شرائح من الشعبين المصري والتونسي حيث صور حزب العدالة والحرية المصري ، وحزب النهضة التونسي عاجزين أمام تخطي آثار فساد النظامين المنهارين من أجل التمهيد لعودة هذين النظامين بقناع جديد . ولقد عاد بالفعل النظام المصري المنهار بشكل أكثر استبدادا وفسادا ، ومن المحتمل أن يعود النظام التونسي المنهار من جديد بشكل أقبح ، ومن يدري قد يكون الرئيس الفار يدير أمور تونس من السعودية ،وهو الذي فر بالثروة المالية ، والثروة المخابراتية تماما كما افتضح أمر الرئيس اليمني المخلوع المتورط في الحرب الطائفية الدائرة في اليمن حاليا . وليس المغرب بمنجاة من التآمر على حراكه بالرغم من اختلاف ربيع عن ربيع غيره من البلاد العربية حيث يصور حزب العدالة والتنمية فيه عاجزا عن معالجة وضعية الفساد التي كانت سبب الحراك المغربي . وإذا كان حزب العدالة والحرية المصري قد تعرض للتشويه تمهيدا للانقلاب عليه ، وحله ، وتعرض حزب النهضة التونسي للتشويه تمهيدا لإقصائه ، فإن حزب العدالة والتنمية المغربي يتعرض بدوره للتشويه من طرف أطراف كانت هي صانعة ومسببة الفساد الذي يناضل هذا الحزب من أجل التخفيف من آثاره ، وقد اضطره ذلك إلى الرهان على تضحيات الشعب من أجل الخروج من نفق الفساد المظلم ، ولا يعاب على هذا الحزب سوى تسامحه مع تماسيح وعفاريت الفساد ، ولا شك أنه قد عجز عن مواجهتهم لما يتمتعون به من نفوذ . ولن تتوقف المؤامرة على ثورات الربيع العربي حتى يستعيد الغرب ما فقده من أنظمة موالية له كانت ترعى مصالحه ، ويعوضها بأخرى على شاكلتها أو أكثر منها فسادا واستبدادا كما هو الشأن في مصر ، ولن يتردد الغرب في تسويق نموذج الحكم الانقلابي المصري في كل الوطن العربي ، وذلك بطرق متنوعة تموه على خبثه ومكره ، ويمكر الغرب وحلفاؤه ، ويمكر الله عز وجل والله خير الماكرين.