بطل أسطول الحرية والتخبط العربي

علي أ دهيني

[email protected]

على وقع ما جرى لأسطول الحرية العالمي الجنسية، العربي القضية، الإنساني الموقف، بدى أن الموقف العربي لا يقل تخبطاً عن الموقف الإسرائيلي نتيجة الموقف التركي الذي تميز في مجريات أحداث ما وقع على هذا الاسطول وتداعياته التي لا نعتقد أنها ستتوقف عند الحد الذي وصلت إليه، بل من المفترض أن لا تقف هنا إذا ما أراد أهل القضية الأساس اعتباره خطوة متقدمة في إعادة تصويب مسار القضية برمتها.

التخبط العربي هذا أوجبته ـ بل زادته انكشافا ـ تحركات الموقف التركي: الإسلامي من جهة، والسياسي بما تمثله تركيا من وجود فاعل وهام في المنطقة.

فالموقف التركي الذي أوجبه الشارع الإسلامي التركي بالدرجة الأولى وتبنته القيادة السياسية لهذا البلد، هو موقف يعيد قراءة التاريخ لوجود هذه الدولة في المنطقة منذ كان هذا الوجود قائما باسم السلطنة العثمانية، حيث جاء ـ حينها ـ الاستعمار الانكليزي ـ وأبو الدولة العبرية ـ على أنقاض الامبراطورية العثمانية ومن ثم جيّر هذا الاستيلاء قبل رحيله العسكري، للعصابات الصهيونية التي استفادت من الظروف التي كانت قائمة آنذاك واستولت على كل فلسطين وأعلنت كيانها كدولة.

ولعلنا في ملامسة هذه القراءة، نفهم ما قاله الرئيس التركي أن تركيا لن تتخلى عن موقفها تجاه فلسطين وتجاه ما يجري على قطاع غزة.

فمنذ حرب غزة الأخيرة برز الدور التركي بقوة في محاكاة الملف الكامل لقضايا الصراع الدائر في المنطقة في مختلف عناوينه: الفلسطينية، والعراقية، والسورية، والإيرانية. وفي هذا كله أظهر مرونة فاعلة في التلاقي مع تفاصيل هذه العناوين من خلال ملاحظات واقتراحات عرف كيف ينتزع من الفاعلين فيها مواقف مؤيدة لاقتراحاته والتعامل معها بإجابية ـ علنية على الأقل ـ لكنها في الواقع أعطته مقعدا هاما في كل المداولات السياسية التي تتعلق بالمنطقة، بخاصة لتأثير دوره الأوروبي سياسياً ووجوده في الحلف الأطلسي عسكرياً.

ونتيجة هذه التحركات الفاعلة والذكية، تمكن أن يعيد تصويب البوصلة نحو العنوان الأول في موضوع الصراع القائم في المنطقة، وهو القضية الفلسطينية، بعدما تمكن من ولوج الأبواب شبه المقفلة في موضوع تخصيب اليورانيوم الذي أخذ الأنظار إليه في محاولة من الأميركيين ومعهم الأوروبيين لإنهاء الموضوع الفلسطيني وجعله ثانوياً، كإشارة للتسليم بأن هذه القضية أنتهت إلى ما هي عليه، وأن العرب اقتنعوا أخيراً بهذا.. أضف إلى ذلك إيهام العرب بان الخطر عليهم آت من الدولة الفارسية وليس من الدولة العبرية.

لقد تمكنت تركيا من قراءة كل هذه التكتيكات السياسية ذات الأهداف الاستراتيجية الهادفة إلى تكريس زعامة إسرائيلي وجعلها الدولة الأقوى في المنطقة، مما قد يؤثر سلباً أيضاً على الوجود التركي مستقبلا رغم العلاقات القائمة بين إسرائيل وتركيا، فأخذت تركيا دورها في هذه الموضوعات لتعيد المسارات كلها نحو القضية الأساس في موضع الصراع في المنطقة، فكان إعلان طهران حول موضوع تخصيب اليورانيوم خطوة ذكية تحسب للديبلوماسية التركية وقيادتها السياسية، وقبله المعاهدة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالذات.

وجاءت المسيرة البحرية السلمية نحو غزة، فوجد المتضررون من الموقف التركي، فرصة لهم ليلفتوا نظر تركيا إلى أنها لا تستطيع أن تهدم كل ما بنوه على مدى سنوات في خلال سنتين، وأكثر هؤلاء المتضررين هي إسرائيل. ولعل هذا ما يبرر استهداف السفينة التركية بالعنف الذي تمت فيه تصفية غالبية القتلى على متن السفينة حيث كان عدد الأتراك بينهم يفوق العشرة.

كذلك، جاء الموقف التركي متوائماً مع كان يأمله الشارع العربي من رد فعل على أولى عناوين قضاياه، فدعا قياداته كلها إلى أن تستفيد من هذه اللحظة لتكفّر عن ذنوبها، فإذا بها تتخبط بعدما تكشف أنها مسلوبة القرار في اتخاذ موقف حازم ورادع وكانت النتيجة أن رفعت صور رئيس الوزراء التركي أردوغان في غالبية المظاهرات التي سادت الشارع العربي وسط صمت القيادات العربية إلاّ من مواقف خجولة لم تثبت فاعليتها حتى على المستوى الإعلامي.

من حق البطل أن يكرم في رفع صوره ويهتف باسمه ولو كان ينتمي إلى قومية أخرى غير القومية التي تهتف شعوبها باسمه بعدما فقدت الرجاء من قيادات قوميتها.