بطولات مميّزة نادرة.. لكن
ومضات محرّضة:
بطولات مميّزة نادرة.. لكن،
أين الكلمة الرّصاصة !؟
سامي رشيد
البطولة في ملاقاة العدوّ ، في ساحة حرب .. معروفة ، عامّةً ، وصوَرها كثيرة .. منها العاديّ المألوف ، ومنها المميّز ، ومنها النادرفي تميّزه !
لكنْ ..
ثمّة بطولات من نوع آخر ، خاصّ جداً ، ومميّز جداً .. مميّز من حيث النوع ، عامّةً ، ومن حيث بعض التفصيلات المندرجة في إطاره !
1) النوع :
قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ( سيّد الشهداء حمزة ، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمرَه ونهاه .. فقتله !) . وقال /ص/: (إنّ مِن أعظم الجهاد ، كلمةَ حقّ عند سلطان جائر!) .
هاهنا بيت القصيد في هذا النوع المميّز من البطولة .. إنها الكلمة ؛ الكلمة العارية العزلاء ، التي تواجه السيف ، ويواجه قائلها الموتَ ، بعزم وتصميم ، وهو يعلم أنه الموت ! أو قد يكون أشدَّ من الموت وأقسى ، كالعذاب الرهيب الذي لايطاق ، في سجون الظلمة المتوحشين!
( ولاينحصر، بالطبع ، هذا النوع من البطولات ، أو غيره .. بفئة معيّنة ، أو توجّه سياسي ، أو فكري ، أو عقَدي .. معيّن . فالبطولات قد توجد عند الأمم جميعاً ، بسائر أجناسها ومِللها وعقائدها ! وكل يمارس بطولته حسب نيّته وهدفه ! ) .
2) بعض التفصيلات :
نماذج صارخة ( قديمة) :
· الغلام الذي آمن بالله ، خارجاً على طاعة الحاكم ، الذي نصبَ نفسه إلهاً .. والذي حاول قتل ذلك الغلام بشتّى السبل ، فعجزعن ذلك ! فدلّه الغلام على الطريقة التي يقتله بها ، وهي أن يجمع الناس في صعيد واحد ، وينصب الغلام مقيّداً على عمود .. ثم يقول : باسم ربّ الغلام أقتل الغلام .. ويرميه بسهم فيقتله ! ففرح الحاكم بهذه المشورة ، وفعل ماقاله له الغلام ، فقتله أمام الناس ، بالسهم الذي سمّى عليه باسم ربّ الغلام .. فصاح الناس على الفور: آمنّا بربّ الغلام ! وأعلنوا كفرهم بالحاكم ، الذي عجزَعن قتل الغلام بحولِه هو وقوّته هو !
· الرجل الذي سأله المتنبّئ الكذّاب ، مسيملة: ما تقول في محمّد ؟ فقال : نبيّ الله ورسوله. قال مسيلمة : وأنا !؟ قال : أنت مدّعٍ كذّاب . فقتله مسيلمة على الفور !
· العزّ بن عبد السلام ، إمام مصر وعالمها ، الذي أصرّ على بيع قادة المماليك ، حكّام مصر، في المزاد .. لأنهم عبيد ، والعبد لايحقّ له حكم الناس ! وحين رفض المماليك هذا الطلب ، حمل العزّ متاعه على دابّة ، وخرج من مصر.. فتبعه أهل مصر كلهم ..! واضطرّ المماليك للخضوع لِما طلبه منهم ، ووقفوا في المزاد ، واشتراهم بأموالهم ، رجال من أتباعهم .. فتحرّروا ، وصار يحقّ لهم أن يحكموا البلاد !
نماذج صارخة (حديثة) :
· موقف أحمد عرابي ، الذي وقف في مواحهة الإنجليز، في مصر ، وقال : لقد خلقنا الله أحراراً ، ولم يخلقنا تراثاً وعقاراً ! وهو يعلم ألاّ طاقة له بمقاومة الإنجليز .. وأن مصيره السجن ، أو القتل !
· سيّد قطب ، الذي طلِب منه ، في السحن : أن يقدّم طلب استرحام لعبد الناصر، ليفرج عنه ، فقال ، بثقة وإباء : إذا كنت سأعدم بحقّ فأنا أرضى بحكم الحقّ .. وإذا كنت سأعدم بالباطل ، فأنا أكبر من أسترحم الباطل . وآثرَ الموت على استرحام الباطل !
· موقف المعارضة السورية ، اليوم ، بشتّى صوَره ، و بشتّى أطياف المعارضة ، في مواجهة زمرة آل أسد، وأزلامهم من عناصر المخابرات المتوحشة ، الوالغة في الدماء.. منذ بداية استلام بشار الأسد السلطة ، بعد أبيه .. حتى اليوم ! أيْ ، بدءاً بما سمّي : ربيع دمشق عام /2000/ ، وانتهاءً بمؤتمر إعلان دمشق ، الذي جرى في بدايات العام الجديد /2008/ ، ومروراً بكل ماحصل بين التاريخَين المذكورَين من أحداث ..!
لقد أراد ابن الأسد ، أن يكون ديموقراطياً (مجّانياً!) ، ليلمّع صورته في بداية حكمه ، بعد أن عدِّل له الدستور، في دقائق معدودة ، في مجلس الشعب المعيّن ، ليكون خليفة وراثياً لأبيه ، بقوّة الحديد والنار، التي تملكها الميليشيات الخاصّة وأجهزة المخابرات . ف (منَح !) الناس شيئاً من حرّية التعبير ! وحين باشروا بممارسة هذه الحرّية ، وهي كلامية بحتة .. أحسّ بالخطر؛ خطر الكلمة ، وحدَها .. فأطلق أيدي زبانيته ، في اعتقال الناس ، والعبث بكراماتهم وبيوتهم .. وما تزال السلسلة متوالية الحلقات ، إلى هذه الساعة !
فأين البطولة المميّزة ، هاهنا ، في مواقف المعارضة !؟
* إنها في الاستعداد التامّ ، وعن وعي وتصميم ، لمجابهة الاعتقال والسجن ، ومافي ذلك من أهانة ، وتعذيب ، وحرمان ، ومضايقة للأهل ، واقتحام للبيوت ، ومنع للدواء عن المرضى في السجون ، وتشهير بالأشخاص ، وإلصاق لشتّى التهم الخيصة بهم ، كالخيانة ، والعمالة ، والتخريب ، والعبث بالأمن الوطني .. وكل ماقد يخطر في بال الشياطين ، الذين يتولّون حكم البلاد ، ويتحكّمون بمصائر البشر فيها ..! إن معرفة المصير الذي ينتظر فرسان الكلمة ، في ظلّ حكم آل أسد ، ثم الإقدام على هذا المصير، بوعي وتصميم وجرأة ، وبسالة وتحدٍّ .. دون أيّة مقاومة للسلاح بالسلاح ( وهي ممكنة لو أرادوها.. ولم يمنعهم عنها جبن أوقلّة سلاح !) إن هذا لممّا يحسَب في عداد البطولات النادرة حقاً ، في هذا العصر، وفي أيّ عصر ! وما يزال العشرات من هؤلاء الفرسان ، معتقلين في الزنازن المعتمة ، محرومين من أبسط حقوق الإنسانية ، بلهَ الحقوق الوطنية !
2) لكن .. أين الكلمة الرصاصة !؟
معروف أن الحكّام المستبدّين ، إنّما يحكمون الناس بقوّة السلاح ، السيف قديماً ، والرصاصة حديثاً ! وأن الكلمة التي تتصدّى لمقاومتهم ، تحتاج إلى مواصفات معيّنة ، لتحدث تأثيرها المطلوب ، في مواجهة الرصاصة الحاكمة ، الموجّهة إلى الصدور والرؤوس ! فهل تمتلك الكلمات التي تواجه الرصاص ، اليوم ، تلك القوّة المطلوبة ، للتغلب على الرصاصة ، أو حتى لمساواتها في القوة !؟
إن هذا الأمر يحتاج إلى شيء من التفصيل :
* إذا كانت قوّة الرصاصة ، تكمن في صلابتها وتماسكها ، والصقل الذي تمتاز به ، والقدرة على الاختراق ؛ اختراق الصدور والرؤوس .. فإن الكلمة التي تجابهها ، ينبغي أن تمتاز ببعض هذه الصفات أو كلها !
ـ فالكلمة الهشّة الرخوة ، عاجزة عن التأثيرالإيجابي ، إن لم تكن مؤذية لأصحابها !
ـ والكلمة المبعثرة أو المهشّمة ، غير المتماسكة .. عاجزة عن التأثير ، كذلك .. إن لم تكن مؤذية لأصحابها !
ـ والكلمة الصدئة المتآكلة ، غير المصقولة جيداً ، في الحدود الدنيا ، المقبولة في الوسط الذي تخاطبه .. ضعيفة الجدوى والتأثير ، كذلك .. إن لم تكن مؤذية لاصحابها !
ـ والكلمة العاجزة عن اختراق الحواجز، التي يضعها زبانية السلطة في وجهها .. وعاجزة عن اختراق الأغلفة ، التي تغلّف السلطة بها مخازيها ، وجرائمها وعوراتها .. وعاجزة عن اختراق عقول الجماهير وقلوبها .. ضعيفة الجدوى والتأثير ، كذلك !
والكلمة التي لايمكن تسديدها إلى الأهداف القاتلة أو الموجعة في جسد العدو بسبب عدم أهليتها لهذا التسديد .. هي كلمة ضعيفة الجدوى والتأثير ، كذلك !
ـ والكلمة التي لا تَمنح الناس الموجّهةَ إليهم (الجماهير) .. ثقةً ، بقدرتها على مجابهة الرصاصة ، وبقدرة أصحابها على مجابهة حمَـلَة الرصاص .. كلمة ضعيفة الجدوى والتأثير كذلك ! فثقة الناس لاتأتي بالمجّان ؛ وإلاّ لصدّق آل أسد ، أن الذين يصفّقون لهم ، ويهتفون ، بأوامر من اجهزة المخابرات .. هم أناس واثقون بهم وبحكمهم !
وباختصار شديد ، حول مسألة الثقة ، نقول :
إنّ كسب ثقة الناس يحتاج إلى عنصرين أساسيّين :
الأول : هو الاستعداد للتضحية ، الذي يوحي للناس بالصدق ؛ صدق المعارض الذي يجابِه الحكم الفاسد المستبدّ ! وهذا ما أشرنا إلى وجوده ، إلى حدّ البطولة المميّزة النادرة ، عند فرسان الكلمة ، الذين يجابهون فساد آل أسد ، وعبثهم وتسلّطهم ! وهذا الصدق متعلّق بأصحاب الكلمة المعارضة أنفسهم .. بطباعهم ، وأخلاقهم !
الثاني : هوالقدرة على الفعل ! أيْ : قدرة المعارضة المسلّحة بالكلمة ، على مجابهة السلطة المسلحة بالرصاصة ! وهذا متعلّق بصفات الكلمة المطلوبة ، التي أشرنا إليها من قبل !
ولن يَطلب أحد من فرسان الكلمة ، كلهم ، أن يمتلكوا القدرة على كتابة الكلمة الرصاصة.. فهذه تحتاج إلى موهبة وخبرة ومراس طويل ، ممّا قد لايتاح للكثيرين من الكتّاب ! لكن لابدّ من توافرها في كتابات مجموعة من فرسان الكلمة ، ولو كانت قليلة العدد .. لتؤتي الكلمة ثمارها المرجوّة ، بالتعاون مع الكتابات الأخرى .. ولا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها ..!
( وغنيّ عن البيان ، أننا لسنا في موقع من يعلّم الآخرين فنون الكتابة السياسية ، أو أصولها ! فهذا ممّا لايخطر في بالنا . بيدَ أن كل مواطن منّا ، مبتلى بحكم الطغيان.. هو في موقع من يقدّم النصيحة المخلصة ، في حدود مايملكه من قدرة عليها) !
(بقيت همسَة !) : هنا همسة ، لابدّ من أن نهمسها ، في آذان السادة ، المعارضين لنظام الأسد الفاسد ، الحاملين دماءهم على أكفّهم .. فنقول لهم : إن شعبكم طيّب بسيط مؤمن ! فلا تنفّروه منكم ، بمهاجمة عقائده ومقدساته .. وتتركوه فريسة لزبانية آل أسد ، الذين يسحقونه حتى العظم ، ويَنسفون إنسانيته نسفاً ، من أركانها ..! ومع ذلك يظهِرون التودّد إليه ، من خلال التظاهر باحترام عقائده ومقدّساته ..! فيظهَر ابن الأسد ، الشيطان البليد ، وعصابته الفاسدة ، أمام الناس ، على شاشات التلفزة .. وهم مطرقون ، خاشعون ، في صلوات الجمَع والاعياد ! ـ وربّما صلاّها أكثرهم بلا وضوء ! ـ بينما تَظهرون أنتم في كتاباتكم /أو يَظهر بعضكم ، أو من المحسوبين عليكم/ بمظهر المعادي لعقيدة الشعب ، من خلال المساس بمقدّساته؛ بالسخرية منها، أو التهوين من شأنها.. دون أن يكون وراء ذلك طائل لمَن يفعله ، سوى إرضاء شهوة الحذلقة ، والتفلسف ، والمِجانة المبتذلة .. لدَيه ! فيبدو آل أسد أقرب إلى شعبكم منكم ، وتذهب تضحياتكم أدراج الرياح .. وفي هذا خسارة حقيقية كبيرة ، لكم ولوطنكم وشعبكم ! ( ولن نطلب ، بالطبع ، من أحد ، أن ينافق ، ويتظاهر بالتديّن أو التقوى..إرضاءً للخَلق ، إذا زهِد برضى الخالق ! بل المطلوب ، هو عدم إيذاء الناس في عقائدهم ، باسم حرّية الرأي ، أو حرية التعبير.. اللتين يَغضّ الكثيرون من المتجرئين على المقدّسات ، النظرَ عن كثير منهما ، في مواقف كثيرة .. باسم الحكمة ، أو السياسة ، أو المجاملة ، أواحترام مشاعر المخاطَبين من ذوي الشأن !) .
إنّما هي نصيحة ، أرجو أن تكون صادقة مخلصة .. فانظروا فيها جيداً ، ثم أنتم ـ بعدئذٍ ـ وما تريدون !