اتفاقية أوسلو أوالحرب على المقاومة
اتفاقية أوسلو أوالحرب على المقاومة
د. محمد يحيى برزق
لقد كانت كمية الأسلحة التي وقعت بأيدي "حماس" في حسمها العسكري كبيرة جدا.
العجيب أن هذه الأسلحة كانت في حوزة سلطة لا تعترف بالمقاومة ولم تورط نفسها مع الاحتلال ولو بإطلاق رصاصة واحدة بأوامر رسمية!
فما حاجة سلطة من هذا النوع إلى كمية من السلاح تكفي للدفاع عن كل فلسطين؟!
في الواقع أن كل كمية السلاح "إسرائيلية" المصدر.. وهذا يعني أن السلطة كانت تضمن عدم استعماله ضد "إسرائيل"..
السؤال.. من هو هذا العدو الجديد للسلطة الوطنية الفلسطينية الذي كانت تريد أن تقاتله بكل هذه الأسلحة "الإسرائيلية"؟
عندما وصلت السلطة إلى غزة بقيادة ياسر عرفات سيطر على الناس هاجس السقوط في حرب أهلية بين حماس وفتح.. ورغم أحداث جامع فلسطين الدموية عام 1994 إلا أن الوساوس بقيت تسيطر على جانب كبير من الشارع في فلسطين خصوصا في غزة. لقد زاد في ثقل هذه المخاوف مؤتمر الدول المحبة للسلام والمضادة للإرهاب الذي عقد في شرم الشيخ عام 1996م والذي قرر فيه المؤتمرون المضي قدما في حرب كاسحة ضد الإرهاب الذي لم يكن يعني في هذا المقام إلا المقاومة في فلسطين و على رأسها حماس.
لم يفلح ياسر عرفات في إرضاء "الإسرائيليين" طوال فترة المفاوضات أثناء المرحلة الابتدائية وذلك لأنه كان كلما حاول تنفيذ البنود الخاصة بتدمير البنية التحتية للإرهاب (المقاومة) وجد نفسه أمام مصير مجهول وسقوط في دوامة متوحشة قد تسقط تاريخه الشخصي ضد الاحتلال والظلم..
كانت شكوى "إسرائيل" أن شريكها في السلام ضعيف وأنها لهذا السبب لا تستطيع أن تنفذ أوسلو من طرف واحد.
والحق أن اتفاقية أوسلو هذه فريدة من نوعها في تاريخ الاتفاقيات وأكاد اجزم أنه لا مثيل لها في تاريخ البشرية.
لقد قام محمود عباس بصياغة هذه الاتفاقية من وراء الكواليس، من وراء مؤتمر مدريد ومن وراء فريق منظمة التحرير الفلسطينية (التي يفترض أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني كما كان يقال). هذا الفريق المفاوض الذي قد يكون و لو شكليا يتمتع بشيء من القدرة لتمثيل القضية وليس الشعب.
لقد فاجأت أوسلو الجميع إلا ياسر عرفات الذي قبل التوقيع عليها. ولا أريد أن أخوض هنا في مشاكل الأجهزة البرلمانية الفلسطينية آنذاك مثل المؤتمر الوطني الفلسطيني من حيث مصداقيتها في تمثيل كل القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية خصوصا حماس ناهيك عن أنها تمثل الشعب الفلسطيني, على الرغم من ذلك فإن هذه الاتفاقية لم يتم عرضها عليها.
ومن خلال تسليط الضوء على اتفاقية أوسلو يمكن الكشف عن بعض أخطر ما انطوت عليه تلك الاتفاقية من ألغام...
- فقد فرضت فتح المسيطرة على منظمة التحرير نفسها طرفاً وحيدا يمثل فلسطين كلها وكأنها تقول.. إن فتح هي فلسطين ولا أحد غيرها. أما الطرف الثاني فهو "إسرائيل".
- هذه الاتفاقية لم تتحدث عن أي شيء اسمه احتلال بل عن نزاع بين منظمة التحرير "الفتحاوية" كطرف أول و"إسرائيل" كطرف ثاني.
- لم تتحدث عن أي شيء اسمه مستوطنات.
- لم تتحدث عن منع استمرار هجرة اليهود "لإسرائيل" وحرّمت عودة أي فلسطيني للأرض التي أجبر على النزوح عنها من مناطق الشتات.
- لا وجود لمصطلح المقاومة أو حق تقرير المصير أو حتى حق الدفاع عن النفس.
- تضمنت الاتفاقية ضرورة تدمير المقاومة وذلك كخطوه أولى نحو الدخول في مفاوضات إعلان الدولة الفلسطينية.
والسؤال هنا هو: كيف يمكن للمقاومة وعلى رأسها حماس أن تقبل باتفاقية تقضي بضرورة تنفيذ حكم الإعدام فيها وفي فصائل المقاومة؟؟؟
هل كان "الفتحاويون" ينتظرون من حماس أن تشاركهم فرحتهم بهذه الاتفاقية التي تقضي بأن يقوم "الفتحاويون" باستئصال حماس و المقاومة؟؟ فكيف يمكن تنفيذ هذه الاتفاقية بدون الدخول في حرب ضد المقاومة وعلى رأسها حماس؟؟
- تدعي السلطة بأنها قد استطاعت أن تحفظ الكرامة للمواطن الفلسطيني عندما حولت العمال الذين كانوا يعملون في إسرائيل إلى موظفين في مؤسساتها الأمنية بشكل عام و الأمنية منها بشكل خاص. حتى تجاوز عدد عناصرها ثلاث أضعاف المنصوص عليه في الاتفاقية وصاروا مرتبطين في رزقهم بالسلطة أو الأجهزة الأمنية.
- قامت السلطة بمنع توظيف أي عنصر من عناصر المقاومة خصوصا من حماس.. إذ كيف يكون هدف أوسلو هو تدمير المقاومة و تأتي السلطة لتوظيف عناصرها وضمان رزقهم؟
بهذا يمكن تفسير سياسة الإقصاء الأمني التي كانت تمارسها السلطة على مدار الثلاث عشرة سنة المنصرمة ضد حماس و المقاومة لتحرمهم من التوظيف في أي مستوى من مستويات العمل التي دامت ثلاثة عشرة سنة... تعوّد فيها "الفتحاويون" على حياة عجيبة لا يوظف فيها إلا هم، أما أبناء المقاومة فالسجون والمعتقلات والملاحقات والتصفيات وتسليمهم للاحتلال كان مصيرهم المحتوم.
ثلاثة عشرة سنة كان المقاومون يواجهون الاحتلال بصدورهم وإخوانهم من السلطة بظهورهم و "الفتحاويون" يتفرجون بلا مبالاة..
مات عرفات بعد ذلك مسموماً بواسطة أقرب الناس إليه بأوامر من شارون وموافقة عالمية. وجاء محمود عباس الشجاع الذي كان قد أسقط صلاحيات عرفات، والتاريخ يذكر حينها أن "الفتحاويون" في رام الله لاحقوه بالطماطم والبيض مع هتاف: (( يا عباس يا جبان يا عميل الأمريكان)) فما كان منه إلا أن استقال وذهب إلى مزرعته في قطر.
ثم عاد صاحب أوسلو لكي ينفذها بحذافيرها، لقد انتخبه شعب فلسطين لأنه وعدهم بالزيت والدقيق و تحسين المستوى المعيشي. وبدأ يستورد الأسلحة التي ذكرناها في مستهل المقال.
أربع سنوات من المحنة وفلتان الأجهزة وعصابات الموت توّجها عباس بتدنيس حرمة المساجد وإحراق الجامعة الإسلامية وقتل كل ما يمت للمقاومة والإسلام بصلة.. وكانت كل جريمة يرتكبها جيشه تغريه بما هو أكبر منها. لقد بدأ عباس بتنفيذ اتفاقية أوسلو على النحو الذي لم يستطع ياسر عرفات أن ينحوه. لقد فهم صبر المقاومة على هذه الاعتداءات ((ضعفا)).
والحقيقة أن عباس وطاقم القيادة لم يكن له أن يقوم بهذه الجرائم قبل معالجة الوضع "الفتحاوي".. فعلى مدار ثلاثة عشرة سنة استطاعت السلطة أن تحول تنظيم فتح الشريف إلى طوابير من المرتزقة التي لا همّ لهم سوى أن يصلوا إلى مواقع الارتزاق من خلال العمل في جيوش أمراء الحرب وباسم فتح التي تتسامى عن أن يمثلها أولئك المجرمين، ففتح تمثل ثلاثة أرباع تاريخ فلسطين المقاوم, ومبادئ العاصفة لا تختلف عن مبادئ حماس.
لقد اختطف عباس ودحلان فتح ونكلوا فيها أيّما تنكيل حتى صاروا يتعاملون مع عناصرهم وكأنهم كلاب يجب أن يكونوا أوفياء ومطيعين لأوليائهم وجاهزون لتنفيذ أي أوامر ضد أي كان.
نعم.. كانت فتح أول ضحايا هذه العصابة.. ثم جاء دور حماس.
إن الذي كان يبيت لسحق الآخر ومنذ سنين طويلة هم أولئك المجرمين الذين استطاعت حماس في لحظات شاءها الله أن تعاجلهم بضربة، كانوا قد تلقوا ضربات مماثلة لها في الأردن حيث تسببوا في قيام النظام بمجازر ضد شعبنا هناك، وفي لبنان، وغيرها وكان نتيجة فسادهم المزمن أن تكبد شعبنا ضحايا بالآلاف في الحرب الأهلية و مجازر تل الزعتر و الدامور و الفكهاني و صبرا و شاتيلا.
حتى أنهم عندما جاؤوا لغزة وطنهم، مارسوا نفس الفساد الذي أدى لنفس المجازر التي طردوا بسببها من غزة إلى الضفة الغربية، وهاهم يمارسون ذات العبقرية في رام الله ولا أدري إن كان ما يفعلونه هناك جزء من حملتهم الانتخابية المقبلة.
وظني بأن ما أخرجهم من غزة سيخرجهم قريبا من الضفة.. ولكن إلى أين سيذهب هؤلاء؟
لم يتبق لهم سوى مصير أنطوان لحد الذي يقال أنه يعمل الآن في "كباريه" يبيع فيه الخمر للزبائن.
لقد توضحت الصورة.. حصلت حماس على الأسلحة التي كان من المفروض على عباس أن يستأصلها بها، وأنها لم تكن تبيت حقيقة لأي انقلاب، بل إن الذي فعلته بحق كان دفاعاً عن نفسها والمقاومة وهذا حقها.
ختاما.. فإن على من ينكر على عباس ما يقوم به أن يعلم بأنه فقط وبكل بساطة ينفذ هذه الاتفاقية اللعينة. اتفاقية أوسلو التي هي حرب ضد المقاومة!