السلطان العثماني يواجه النازية اليهودية
أ.د. حلمي محمد القاعود
النازية تعني أمرين . أولهما العنصرية والآخر التوسع . وقد تمثلت نازية ألمانيا علي عهد هتلر في الانطلاق من كون ألمانيا فوق الجميع ، والاعتقاد لدي الألمان بأنهم جنس يفوق جميع أجناس البشر ، وقدرة هذا الجنس على العمل والإبداع أكثر من أي جنس آخر أو شعب آخر ، ولهذا يجب أن يسلم العالم للألمان بهذا السبق وهذا التفوق .
وإيمان هتلر بهذا التفوق العنصري دفعه لتحقيق الجانب الآخر للنازية وهو التوسع أي السيطرة على الآخرين . وقد بدأت الحرب العالمية الثانية بسيطرته على المقاطعات الأوربية المجاورة له ، وضمها إلى ألمانيا ، وظل يزحف شمالا وجنوبا وشرقا وغربا حتى استولي على أوربة كلها تقريبا ، وعبر مضيق جبل طارق واكتسح شمال إفريقية حتى كانت معركة العلمين الشهيرة في شمال مصر التي ارتد فيها على أعقابه ، وبدأ ت هزيمته المريرة من خلال انسحابه وتقهقره ، وكان الروس على الجبهة الشرقية لألمانيا قد استعادوا زمام المبادرة ، ولقنوه هزيمة قاسية بدأ بعدها سقوطه المريع واستيلاء الحلفاء على ألمانيا وممتلكاتها وتقسيمها فيما بينهم وبين الروس ؛ لدرجة تقسيم عاصمتها برلين بحائطها الشهير الذي شطرها إلى نصفين ، ولم يسقط هذا الحائط إلا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في أول التسعينات !
النازية اليهودية مثلها مثل النازية الألمانية تماما ، وإن كنا لا ندري متى تسقط ، ومتى يعاقبها العرب والعالم ، فهي عنصرية حتى النخاع ، وتعد اليهودي فوق العالم ،وأفضل المخلوقات على ظهر الأرض ، ولذا ينبغي على الدنيا أن تنصاع لإرادته وتذعن لرغبته ، حتى لو كان عالة على الدنيا ومن فيها .. تأمل تدلله إلى درجة الوقاحة على سيده وصانعه أعني الولايات الأميركية المتحدة ! ولم تتوقف العنصرية عند هذا الحد بل وصلت إلى مطالبة الفلسطينيين والعرب والعالم بالاعتراف بكيانه النازي العدواني دولة دينية يهودية نقية !
أما بالنسبة للعنصر الثاني من عنصري النازية وهو التوسع ، فلم تأل النازية اليهودية جهدا في سبيل تحقيق ذلك ، فقد انطلقت قوات القتل اليهودية لتحتل سيناء والجولان وجنوب لبنان وغور الأردن ، وما تراجعهم عن الاستمرار في بعض هذه الأماكن إلا مرحلة تكتيكية لصعوبة هضمها ، ويحلم الصهاينة النازيون بالوصول إلى بغداد والقاهرة لتحقيق الحلم التوراتي المجنون بقيام دولة التوراة من النيل إلى الفرات ، والذين ذهبوا إلى الكنيست اليهودي يؤكدون على وجود خريطة الحلم اليهودي المجنون في قاعاته !
النازية اليهودية إذا أمر واقع لا مفر من الاعتراف بوجوده ، ولا مفر أيضا من ضرورة مواجهته ، وصده وردعه حتى لا يذهب العرب والعالم ضحية لجنون عنصريته وتوسعه .
بعض العرب وبعض الفلسطينيين يؤمنون إيمانا جازما بأن الخيار الاستراتيجي للسلام يمكن أن يصل بالنازية اليهودية إلى تخوم السلام الحقيقي ، ويمكن أن يخفض حجم تطلعاتهم الوحشية إلى إقامة دولة النيل إلى الفرات ، وأن يعطي للفلسطينيين والعرب فرصة لالتقاط الأنفاس والعيش بهدوء في ظل تسوية ما ، ولو كانت ذليلة ومهينة ، بيد أن النازية اليهودية لا ترضى بذلك ، وتواصل عجرفتها ، بل إذلالها للقادة العرب والفلسطينيين الذي يفاوضونها ، ويقدمون لها مع مطلع كل شمس مزيدا من التنازلات دون مقابل ، وما زالت النازية اليهودية تتحدى العالم ، بل تتحدى الولايات المتحد داعمها الأول وصانعها ، وحاميها ، ومدللها .
إن النازية اليهودية لم تنفذ قرارا واحدا من قرارات مجلس الأمن الدولي ؛ في مقابل القرارات التي ينفذها العرب والمسلمون ؛ بل يرغمون على تنفيذها حتى لو كانت قائمة على أسس باطلة ويعاقبون إذا تباطأوا في تنفيذها ( أنظر ما جرى في لبنان والعراق والسودان والبوسنة والهرسك وأفغانستان .. وغيرها ) ..
لقد وصل الأمر بالعرب والمسلمين من خلال قيادتهم الحالية إلى الصمت حيال ما تقوله النازية اليهودية . مجرد الاعتراض الكلامي الذي كان يسمى قبل عقود شجبا وتنديدا ..لم يعد له وجود في دائرة التصريحات أو البيانات العربية الإسلامية ، حتى القيادة الرسمية الفلسطينية لم تعد تشير إلى ما يقوله النازيون اليهود ؛ وجرائمهم التي يقترفونها في وضح النهار ضد مدينتهم المقدسة وأراضيهم المحتلة عام 1967م . صار الكلام عن هذه الجرائم غير وارد .. وحده رئيس الوزراء التركي رجب الطيب أردوغان ، أو السلطان العثماني الجديد كما أسميه ، هو الذي ينشغل بالمقدسات الفلسطينية ، والأرض الفلسطينية ، والحقوق الفلسطينية ، ويدافع عن الشعب الفلسطيني الأعزل الذي تسحقه النازية اليهودية ، فيلقى إعجابا عربيا متزايدا بسبب إصراره على مواجهة القتلة اليهود وتوبيخهم على أفعالهم الإجرامية ، وتنبيه أصحاب الضمير الحي في العالم إلى الجرائم النازية اليهودية دون أن يخاف من النازية اليهودية أو يرتعد ، لأنه يعلم أنه قد أعتلى كرسي الحكم في تركيا بوساطة رجل الشارع التركي أو العثماني الذي صوت له في انتخابات حرة نزيهة ، وجعلته أحق من غيره في الجلوس عليه . أما القادة العرب المسلمون ومنهم قادة فلسطين في رام الله المحتلة فقد جاءوا ظلما وزورا ، وقعدوا على الصدور وكتموا الأنفاس بالقهر والكرباج !
قال أردوغان للصحفيين قبل غداء عمل مع الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي إن الكيان الصهيوني هو الخطر الرئيسي على السلام الإقليمي'.
وأضاف أردوغان 'إذا استخدم بلد قوة غير متكافئة في فلسطين، في غزة، إذا استخدم قنابل فسفورية فلن نقول له (عافاك الله)، بل نسأله كيف أمكنه فعل ذلك'.
وتابع 'لقد حصل هجوم أوقع 1500 قتيل (في غزة) والدوافع التي تم التذرع بها كانت أكاذيب'، مضيفا 'جولدستون يهودي وتقريره واضح'، في إشارة إلى القاضي الجنوب إفريقي ريتشارد جولدستون الذي انتدبته الأمم المتحدة للتحقيق في الحرب على غزة ووضع تقريرا اتهم فيه الكيان الصهيوني وفصائل فلسطينية بارتكاب جرائم حرب خلال هجومها على القطاع.
وتعقيبا على تصريحات أردوغان، أعرب رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو عن أسفه على ما سماه 'الهجمات' التركية المتكررة على الكيان الصهيوني. وقال نتنياهو في مؤتمر صحافي لمناسبة مرور عام على توليه رئاسة الحكومة 'نحن مهتمون بإقامة علاقات جيدة مع تركيا، وأنا أبدي أسفي لأن أردوغان يقرر دائما مهاجمة ا لكيان الصهيوني'.
وفي وقت لاحق سخر أردوغان من الانتقادات اليهودية النازية له على هجومه العنيف على الدولة العبرية معتبرا أنها 'تضع نفسها دائما فوق الشبهات'.
وقال للصحافيين على هامش اجتماع مع أرباب العمل الفرنسيين في زيارته لباريس :'لا يمر أي تصريح دون أن يردوا عليه ( يقصد النازيين اليهود ) ، إنهم يضعون أنفسهم دائما فوق مستوى الشبهات ولا يوجد يوم واحد مر على العالم لم يعتبروا فيه أنفسهم على حق'.
كما نددت تركيا بالتصريحات المنسوبة إلى وزير الخارجية ا لصهيوني أفيغدور ليبرمان الذي شبه أردوغان بالقادة المثيرين للجدل مثل الزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز.
وأكد اردوغان موضوعية موقفه وقال 'نحن لا نتبع هذه المقاربة لأننا مسلمون، هذه مقاربة إنسانية'. ( راجع القدس العربي 8/4/2010م ) .
من الصعب بل من المستحيل الآن أن تستمع إلى تصريحات قادة عرب تشابه تصريحات السلطان العثماني الجديد أو تقترب منها ، مع أن اليهود النازيين يرتبطون بمصالح حيوية مع الأتراك ، وعلاقتهم - خاصة في المجال العسكري - تبدو مهمة للغاية للطرفين ، ولكن ضمير السلطان العثماني لم يجعله يبلع الزلط أو يقدم مزيدا من التنازلات .. وإذا كان العرب يعتقدون أن السيد الأميركي القابع في البيت الأبيض سيرغم صنيعته النازية اليهودية على الانصياع لبعض الحق فهم واهمون ، لسبب بسيط وهو أن العلاقة بين الأميركان وبين النازية اليهودية تشبه العلاقة بين الغازية وحمارها ؟ وجيلي يعرف المثل وأبعاده .. إن ما قيل عن تأزم العلاقة بين النازية اليهودية والسيد أوباما هو محض أماني يتمناها العرب المهزومون الصامتون الساكتون الهاربون من واجبهم الخلقي والديني والإنساني ؛ أعني الجهاد من أجل مقدساتهم وحقوقهم وكرامتهم .. لقد كان الرد النازي اليهودي على مطالب أوباما للنازية اليهودية بالتخفيف قليلا من الاستيطان في القدس والضفة هو التحدي الصارخ في تصريحات الوزير النازي اليهودي ليبرمان ، وقد نشرتها الأهرام في صدر صفحتها يوم 7/4/20010 م على النحو التالي :
أكدت الدولة الصهيونية أنها لن تتراجع عن موقفها الرافض لتجميد الاستيطان في القدس الشرقية المحتلة إذ واصل وزير خارجيتها أفيجدور ليبرمان تحدى الإدارة الأمريكية برئاسة باراك أوباما.
حيث ذكر مجدداً تصميم حكومته على مواصلة البناء في المدينة المقدسة، ومن ناحية أخري ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية, أن أوباما أوعز إلي طاقم إدارته بالضغط علي إسرائيل والفلسطينيين (؟) ليحققا تقدما في اتصالاتهما لاستئناف مفاوضات السلام.
وكرر وزير الخارجية الإسرائيلية أمس, القول إن حكومته مصممة علي مواصلة البناء في القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل عام1967.
ومضي ليبرمان رئيس حزب إسرائيل بيتنا القومي المتشدد أبعد من ذلك, برفضه تجميد البناء في الأحياء العربية بالمدينة المقدسة قائلا للإذاعة الإسرائيلية العامة لا يمكننا تجميد أعمال البناء في القدس لا في الشرق ولا في الغرب ولا لدي العرب ولا لدي اليهود, لأن سيادتنا علي عاصمتنا بصفتنا دولة هي التي ستكون علي المحك.
وانتقد ليبرمان موقف المجتمع الدولي الداعي إلي إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة علي حدود العام1967 بقوله إن المجموعة الدولية تريد إعادتنا إلي خطوط يونيو1967 وهو ما لا ينهي النزاع لكن يقربه من ضواحي تل أبيب!!
هكذا يتحدى النازيون اليهود أمر سيدهم في البيت الأبيض ، وهو ما يعني أن لا كرامة لمن يفرط في حقه ، وأن السلطان العثماني الجديد ، يبدو أكثر فلسطينية وعروبة وإسلاما من بعض الفلسطينيين والعرب والمسلمين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !!