ليس عراقيا
من لم يستفزه إعلان مبادئ بوش- المالكي
شبكة البصرة
الدكتور عبد الواحد الجصاني
المقدمة
وقّع رئيس وزراء الحكومة العراقية المنشأة في ظل الإحتلال نوري المالكي مع الرئيس الامريكي جورج بوش يوم 26 /11/2007 ما سمي (اعلان مبادئ حول علاقة الصداقة والتعاون طويلة الامد بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية) ليكون أطارا لمفاوضات تبدأ في بداية عام 2008 على ان يتم انجازها قبل 31 تموز عام 2008 بهدف التوصل الى معاهدة ثنائية تنظم العلاقة بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والامنية والثقافية وتنهي مفعول قرارات مجلس الأمن يشأن العراق.
إن هدف إعلان المباديء هذا هو إستبدال (الإنتداب) الحالي لقوات الإحتلال الأمريكي بموجب قراري مجلس الأمن 1511 (2003) و1546 (2004) بمعاهدة ثنائية تضمن إستمرار إحتلال الولايات المتحدة للعراق وهيمنتها على ثرواته من دون حاجة للمزيد من قرارت مجلس الأمن لتمديد ولاية (القوات متعددة الجنسية). وبهذه العملية يقوم الإحتلال الأمريكي بإستنساخ المراحل التي مر بها الإحتلال البريطاني للعراق بين عامي 1914 و 1958. فبريطانيا بدأت إحتلالها للعراق بحكم عسكري مباشر، ولما تواصلت ثورات العراقيين على الإحتلال، ورغبة منها للتخلص من التبعات البشرية والمالية لحكمها العسكري المباشر للعراق، إستبدلته بالإنتداب بموجب معاهدة سيفر في 10/8/1920 وبموافقة عصبة الأمم. وقد تضمن صك الإنتداب (إن العراق دولة مستقلة يشترط عليها قبول المشورة الإدارية والمساعدة من قبل الدولة القائمة بالإنتداب التي ستحتفظ بقوات عسكرية وتفوض بإدارة علاقات العراق الخارجية). وبعد أن شعرت بريطانيا أن الإنتداب إستنفذ أغراضه إستبدلته بمعاهدة ثنائية مع حكومة العراق (معاهدة 30 حزيران 1930) التي أعطت لبريطانيا حق إقامة القواعد العسكرية في العراق وإشرافها على تسليح وتدريب الجيش العراقي وتمتعها بإمتياز الدولة المفضلة في كل شيء وخاصة في مجال إستثمار النفط العراقي، مقابل ذلك سمحت للعراق بالإنضمام الى عصبة الأمم كدولة مستقلة كاملة السيادة!
هذا السيناريو يريد الأمريكان تكراره بعد أكثر من سبعين سنة. فالإحتلال الأمريكي بدأ بحكم عسكري مباشر إأقرّ به مجلس الأمن بقراره 1483(2003) ثم جرى إستبدال الحكم العسكري المباشر بحكومة عراقية مؤقتة بموجب قرار مجلس الأمن 1546 المؤرخ 8/6/2004 وأعطيت للقوات الامريكية، بموجب الفقرة العاشرة من ذلك الفرار، تفويضا تحت اسم القوات المتعددة الجنسيات، ومنحت سلطة (إتخاذ جميع التدابير اللازمة للمساهمة في صون الأمن والإستقرار في العراق). والآن تريد الولايات المتحدة إنهاء الإنتداب الصادر من مجلس الأمن وإستبدال ذلك بمعاهدة ثنائية تسمح لها بإقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق والحصول على إمتيازات طويلة الأجل لإستثمار نفط العراق وربط العراق بنظام العولمة السياسي والإقتصادي والثقافي ليصبح العراق ضمن نطاقات الفقر الخاضعة لها مثل بورتوريكو وساموا وجزر مارشال ومايكرونيزيا.
إن أسبابا كثيرة دفعت الولايات المتحدة الى تغيير شكل إحتلالها للعراق من إنتداب من مجلس الأمن الى معاهدة ثنائية. ومن هذه الأسباب تحاشي الهزيمة المطلقة على يد المقاومة العراقية، ولسحب العدد الأكبر من قواتها من العراق لتقليل خسائرها البشرية والماديّة التي وصلت الى أرقام خرافية، ولوضع الحكومة العميلة في مواجهة المقاومة العراقية، وللخشية من أن تتحول القوات متعددة الجنسية الى القوات منفردة الجنسية بعد أن شرعت جميع الدول العميلة لإمريكا بضمنها بريطانيا وأستراليا بالإنسحاب المنفرد من العراق، ولإنتهاز فرصة الضعف البالغ الذي تعانيه حكومة المالكي لفرض كل شروطها عليها، ولإن تجميع قواتها في قواعد محددة يقلل من فرصة إيران تحويل العراق الى ساحة للمواجهة معها في حالة قرار امريكا ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وأسباب أخرى.
إن قراءة متأنية لإعلان بوش-المالكي توضح إنه يسلّم مصير العراق وثرواته ومستقبله للولايات المتحدة، وادناه تحليل تفصيلي لفقراته، ولكن لا بد أن نسبق ذلك بالقول إن هذا الإعلان وكل القوانين والتشريعات والمؤسسات السياسية والتشريعية والعملية السياسية المنشأة تحت الإحتلال هي باطلة وغير شرعية ولاغية ولا أثر قانوني لها، وأن القواعد الآمرة في القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني تنفي عن الإحتلال وأي نظام تقيمه سلطة الإحتلال الصلاحية القانونية وتعتبره باطلا ولاغيا، بإعتباره عملا غير مشروع ويشكل إغتصابا للسلطة الشرعية القائمة قبل الإحتلال.
أولا : الفقرة التمهيدية للإعلان
يبدأ الإعلان بفقرة تمهيدية جاء فيها (ان الحكومتين العراقية والامريكية ملتزمتان بتطوير علاقة تعاون وصداقة طويلة الامد بين بلدين كاملي السيادة والاستقلال ولهما مصالح مشتركة، واكد البيان ان العلاقة بين البلدين سوف تكون لصالح الاجيال المقبلة وقد بنيت على التضحيات البطولية التي قدمها الشعبان العراقي والامريكي من اجل عراق حر ديمقراطي تعددي فدرالي موحد).
إن إعتبار الإحتلال الأمريكي للعراق ومجازر الإبادة الجماعية التي إرتكبها هي (تضحيات بطولية للشعب الأمريكي) إنما هو تزوير للتاريخ وجريمة كبرى بحق شعب العراق. لقد رتب القانون الدولي لشعب العراق حقوقا إزاء الإحتلال الأمريكي غير المشروع لبلاده وإزاء جرائم الإحتلال، ومن ذلك حق العراق بالتعويض عن الخسائر البشرية والمادية الهائلة التي نتجت عن هذا الإحتلال وممارساته، وليس في مقدور كائن من كان أن يلغي هذه الحقوق المشروعة أو أن يتنازل عنها أو أن يخضعها للتفاوض، وهي حقوق لا تسقط بالتقادم حسب إتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لعام 1968.
لقد أقرّ فقهاء القانون الدولي وأقرت شخصيات دولية وأمريكية ومنهم الأمين العام السابق للأمم المتحدة والرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر بل وحتى هنري كيسنجر ومادلين أولبرايت، جميعهم أقروا بإن الإحتلال الأمريكي للعراق هو عمل غير مشروع وخاطيء وسبب الكوارث لإمريكا والعراق، فلماذا يناقض المالكي كل هؤلاء؟ الشعب الأمريكي نفسه أقرّ بأغلبيته أن إحتلال العراق كان كارثة على أمريكا وأن جنودهم وضعوا في المكان غير المناسب وفي الوقت غير المناسب للدفاع عن قضية مزورة وطالبوا بسحبهم من العراق فورا، ويأتي المالكي ليبريء أمريكا من جرائمها بحق شعب العراق ويسمي ما قامت به تضحيات بطولية، والأنكى من ذلك إن وصف المالكي للإحتلال وما قام به خلال السنوات الربع والنصف الماضية كونه (تضحيات بطولية للشعب الأمريكي) إنما يرتّب لإمريكا على شعب العراق دينا يتوجب ردّه، فهل هناك ظلم أكثر من هذا!
أمّا قول الفقرة إن (الحكومتين العراقية والاميركية ملتزمتان بتطوير علاقة تعاون وصداقة طويلة الامد بين بلدين كاملي السيادة والاستقلال ولهما مصالح مشتركة).
فهو إمتهان للحقائق وتزوير للوقائع. فالعراق لا يزال دولة محتلة، والقانون الدولي إشترط تنفيذ شروط أساسية لإنهاء الإحتلال منها إنسحاب القوات المحتلة بشكل كامل خارج الإقليم المحتل، وإنهاء جميع الإجرءات والقوانين والتشريعات المؤقتة التي إتخذتها القوة القائمة بالإحتلال وإطلاق سراح جميع أسرى الحرب والمعتقلين لدى القوة القائمة بالإحتلال وإعادة السلطة لممثلي شعب العراق، وإن أيا من هذه الشروط لم ينفذ لحد الآن.
ومن جانب آخر فإن نظرة سريعة لفقرات الإعلان نفسه تكشف أن الحقوق والإلتزامات الواردة فيه هي ليست بين بلدين كاملي السيادة بل بين دولة مهيمنة وحكومة عميلة منحت الطرف المهيمن إمتبازات لا سابقة لها في العلاقات بين الدول ذات السيادة.
ثانيا : الفقرات الخاصة بالمجال السياسي والدبلوماسي والثقافي
1- نصت الفقرة الأولى على (دعم الحكومة العراقية في حماية النظام الديمقراطي في العراق من الاخطار التي تواجهه داخليا وخارجيا)
أن تتعهد دولة بحماية دولة أخرى من الأخطار الخارجية فهذا أمر ممكن في العلاقات الدولية، لكن أن تتعهد الولايات المتحدة بحماية حكومة المالكي من الأخطار الداخلية أيضا فهذا أمر خطير. ومعلوم أن الأخطار الداخلية على حكومة ما تأتي من الشعب، وهذا يعني أن المالكي خوّل القوات الأمريكية قمع شعب العراق ومنعه من حق تغيير الحكومة إن أراد. وواضح أن حماية الولايات المتحدة لحكومة المالكي من الأخطار الداخلية تستوجب وجود قوات قوات أمريكية في داخل البلد للتدخل. وبكلمة أخرى فإن هذه الفقرة تحمل ضمنا طلبا ببقاء القوات الأمريكية في العراق. وإن إدعاء حكومة المالكي أن موضوع منح القوات الأمريكية قواعد في العراق لم يبحث في الإعلان هو كلام غير صحيح والصحيح أن أغلب فقرات الإعلان تتضمن إجراءات تستوجب إستمرار تواجد قوات الإحتلال في العراق. ومن المثير لسخرية أن هذه الفقرة أعطت للمحتل مسؤؤلية حفظ الأمن الداخلي وهو ما لم تعطه لبريطاني معاهدة عام 1930 ا التي نصت مادتها الخامسة على (من المفهوم بين الفريقين الساميين المتعاقدين أن مسؤولية حفظ الأمن الداخلي في العراق وأيضاً - بشرط مراعاة أحكام المادة الرابعة أعلاه - مسؤولية الدفاع عن العراق إزاء الاعتداء الخارجي تنحصران في صاحب الجلالة ملك العراق)
أما وصف الفقرة النظام القائم في العراق المحتل بإنه (نظام ديمقراطي) فهو يناقض المنطق والقانون، والديمقراطية تبنيها الشعوب الحرة ولا تستطيع الشعوب المحتلة ممارسة الديمقراطية، وإن إدعت ذلك فهي ديمقراطية العبيد، وإن نظام المحاصصة الطائفية والميليشيات المسلحة في عرق اليوم هو الأبعد عن أي شكل من أشكال الديمقراطية.
2 – نصت الفقرة الثانية على (احترام الدستور وصيانته باعتباره تعبيرا عن ارادة الشعب العراقي، والوقوف بحزم امام اية محاولة لتعطيله او تعليقه او تجاوزه).
أن هذه الفقرة هي مثال آخر على تدخل الولايات المتحدة في خيارات شعب العراق وفي شؤونه الداخلية. فلم يحصل في العلاقات الدولية أن دولة أجنبية تعهدت بصيانة دستور دولة أخرى والوقوف بحزم أمام محاولات تعطيلة أو تعليقه أو تجاوزه. كل دساتير العالم قابلة للتعطيل أو التعليق من قبل الشعب، فلماذا يكون الدستور الطائفي التقسيمي إستثناء تحميه الدبابات والصواريخ الأمريكية؟ إن هدف هذه الفقرة هو تكريس الدستور كونه من العوامل التي تزيد من فرقة أبناء البلد الواحد وتهيء لتقسيم العراق.
3- نصت الفقرة الثالثة على (دعم جهود الحكومة العراقية في سعيها لتحقيق المصالحة الوطنية ومن ضمنها ما جاء في بيان 26 اب 2007).
إن الولايات المتحدة التي أنشأت نظام المحاصصة الطائفية وسعت لزرع الخلافات الطائفية والمذهبية والعرقية بين أبناء شعب العراق وروجت لهدف تقسيم العراق من خلال الفيدرالية الفوضوية لها فهم خاص للمصالحة الوطنية. إنها مصالحة العملاء فيذات الوقت الذي تواصل فيه تمزيق النسيج الإجتماعي العراقي. إن إستطلاعات الرأي التي قامت بها مؤسسات أمريكية اشارت الى أن الغالبية الساحقة من شعب العراق تؤيد المقاومة وترفض يقاء قوات الإحتلال، فأية مصالحة وطنية هذه التي يجريها الإحتلال والحكومة العميلة؟
4 – نصت الفقرة الرابعة على (دعم جمهورية العراق لتعزيز مكانتها في المنظمات والمؤسسات والمحافل الدولية والاقليمية لتلعب دورها الايجابي والبناء في محيطها الاقليمي والدولي).
ليس لهذه الفقرة من معنى سوى أن الولايات المتحدة ستتخذها غطاء للتدخل في علاقة العراق بالمنظمات الإقليمية والدولية، وستفرض على الحكومة العراقية شكل العلاقة مع هذه المنظمات، وأيضا ستجبرالحكومة العراقية على الإنضمام الى المنطمات التي تراها مناسبة لديمومة مصالحها غير المشروعة في العراق والمنطقة والعالم. وقبلها أجبرت بريطانيا حكومة العراق على تأسيس حلف بغداد.
5 - نصت الفقرة الخامسة على (العمل والتعاون المشترك بين دول المنطقة والذي يقوم على اساس من الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ونبذ استخدام القوة في حل النزاعات واعتماد لغة الحوار البناء في حل المشكلات العالقة بين مختلف دول المنطقة).
إن مبدأ الإحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ونبذ إستخدام القوة في حل النزاعات وإعتماد لغة الحوار هي كلها مباديء مقبولة ووردت في أكثر من إتفاقية دولية العراق طرف فيها ومنها ميثاق الأمم المتحدة، ولكن هناك مباديء مكملة لها تنظّم بمجموعها العلاقات الدولية ومنها مبدأ قمع العدوان والحق الطبيعي للدول، منفردة أو مجتمعة، في الدفاع عن النفس إذا إعتدت قوة مسلحة عليها، ومبدأ حق تقرير المصير ومبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول (المواد 1و2و51 من ميثاق الأمم المتحدة) وكان المفروض أن تورد جميع هذه المباديء سوية كونها مكملة لبعضها.
ثم، لو وردت مباديء الفقرة الخامسة أعلاه، على إنتقائيتها، كمباديء تحكم العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق لكان ذلك مقبولا ويتطابق وقاعدة المقابلة بالمثل، لكن أن تلزم الولايات المتحدة العراق بمباديء منتقاة للتعامل مع دول المنطقة الأخرى فهذا تدخل في شأن وطني يقرره شعب العراق وتقرره دول المنطقة. والواضح إن هذه الفقرة تهدف الى إلزام العراق الإعتراف بالكيان الصهيوني و (العمل والتعاون المشترك) مع هذا الكيان. ولنتذكر أن الفقرة 13 من توصيات تقرير بيكر هاملتون نصت على (يجب أن يكون هناك التزام متجدد ومستمر من الولايات المتحدة بتسوية سلمية شاملة بين العرب والإسرائيليين على الجبهات كافة). وهذه الفقرة هي إحدى التجسيدات العملية لها.
ولقد حاول البعض تفسير الفقرة بإنها تعطي تطمينات للكويت، وهذا غير صحيح، إذ لو كانت الكويت هي المعنية لوضع تعبير (جيران العراق) بدلا من تعبير(مختلف دول المنطقة)
6 – نصت الفقرة السادسة على (تشجيع الجهود السياسية الرامية الى ايجاد علاقات ايجابية بين دول المنطقة والعالم لخدمة الاهداف المشتركة لكل الاطراف المعنية وبما يعزز امن المنطقة واستقرارها وازدهار شعوبها.)
هذه الفقرة هي تأكيد وتوضيح للفقرة السابقة وهدفها إجبار حكومة العراق على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
ثالثا : الفقرات الخاصة بالمجال الإقتصادي
1 – نصت الفقرة الأولى على (دعم جمهورية العراق للنهوض في مختلف المجالات الاقتصادية وتطوير قدراتها الانتاجية ومساعدتها في الانتقال الى اقتصاد السوق.)
إن النص على مساعدة العراق في الإنتقال الى إقتصاد السوق يعني فرض شكل التوجه الإقتصادي المقبل للعراق وفق ما تريده أمريكا. إن تعبير (إقتصاد السوق) قد يبدو للوهلة الأولى مقبولا لغير المتخصصين لكنه في الحقيقة تعبير يحمل معاني سياسية وثقافيه خطيرة. إنه يعني إدماج العراق في تيار العولمة الأمريكية الصهيونية التي هي في الواقع اعادة انتاج للنظام الإستعماري القديم وتوجيه عمليات التحول الاجتماعي والثقافي والتطورات الاقتصادية على المستوى العالمي لخدمة هذا النظام ومصالحه. عندما تندمج دولة ضعيفة أو مدمرة الإقتصاد كالعراق بإقتصاد السوق فإنها ستتخلى عن برامجها للتنمية الوطنية المستقلة وعن سياقات التكامل الإقتصادي العربي وستتخلى عن خططها الإجتماعية لدعم الطبقات الفقيرة ودعم السلع الأساسية بما يعرض أمنها الإقتصادي والإجتماعي لإفدح المخاطر.
2 – نصت الفقرة الثانية على (المساعده في دعم الاطراف المختلفة على الالتزام بتعهداتها تجاه العراق كما وردت في العهد الدولي مع العراق.)
العهد الدولي إحدى وثائق الإذعان التي وقعتها الحكومة المنشأة في ظل الإحتلال، فهي تفرض التزامات تعجيزية على العراق، بعضها يتطلب تنفيذها سنوات طوال. كما تضمنت وثيقة العهد الدولي مضامين سياسية تتناقض مع حق العراق في إختيار نظامه السياسي والإقتصادي مثل (جعل العراق دولة ديمقراطية فيدرالية موحدة) و (انشاء اقتصاد قوي بناء على قواعد السوق الحرة).
3 – نصت الفقرة الثالثة على (الالتزام بدعم جمهورية العراق من خلال توفير المساعدات المالية والفنية لمساعدته في بناء مؤسساته الاقتصادية وبناه التحتية وتدريب وتطوير الكفاءات والقدرات لمختلف مؤسساته الحيوية).
واضح من هذه الفقرة أن الولايات المتحدة تنوي الهيمنة على مؤسسات العراق الإقتصادية وبناه التحتية ومؤسساته الحيوية تحت غطاء المساعدات المالية والفنية والدورات التدريبية.إن الولايات المتحدة التي لم تبن مصنعا واحدا في العراق منذ إحتلالها له ولم تعد إصلاح أي من منشآت العراق الإقتصادية التي دمرتها، وشهد الإقتصاد العراقي تحت إدارتها إنهيارا متواصلا، لا يمكن أن تقنع أحدا بإنها حريصة على بناء إقتصاد العراق أو أنها قادرة عليه.
4 –نصت الفقرة الرابعة على (مساعدة جمهورية العراق على الاندماج في المؤسسات المالية والاقتصادية والاقليمية والدولية.)
إن إلتزام الولايات المتحدة بمساعدة العراق في الإندماج (وليس التعاون) في المؤسسات الإقتصادية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية التي هي الوجه الآخر للهيمنة الأمريكية الصهيونية، يعني تخلي العراق عن حقه في التنمية الوطنية المستقلة التي تطور إقتصاده الوطني وتحمي إستقلاله السياسي. هدف هذه المؤسسات هو تحويل بلدان العالم الثالث الى مصدر للمواد الخام الرخيصة وسوق واسعة لمنتجات الدول الصناعية، وهي ما فتئت تجعل بلدان العالم الفقيرة أكثر فقرا والغنية أكثر غنى.
5 – نصت الفقرة الخامسة على (تسهيل وتشجيع تدفق الاستثمارات الاجنبية وخاصة الاميركية الى العراق للمساهمة في عمليات البناء واعادة الاعمار)
هذه الفقرة هي تأكيد آخر على سعي الولايات المتحدة للهيمنة على إقتصاد العراق وبناه التحتية من خلال القروض والإستثمارات التي ترافقها شروط مجحفة تثلم سيادة البلد وأمنه الإقتصادي وحقه في السيطرة على موارده. ولنعطي مثالا واحدا على ذلك : وقّع صندوق النقد الدولي مع الحكومة المنشأة في ظل الإحتلال في أواخر كانون الأول 2005 اتفاقية (SBA) والتي الزمت العراق بإصدار قانون جديد للنفط يتضمن السماح للإستثمارات الأجنبية لدخول الصناعة النفطية. إن تدفق الإستثمارات الأجنبية بدون قيود أو شروط يعني رهن ثروة البلد ومنشآته الأساسية للشركات متعددة الجنسية التي تهمين عليها الولايات المتحدة والصهيونية العالمية.
6– نصت الفقرة السادسة على (مساعدة جمهورية العراق على استرداد اموالها وممتلكاتها المهربة وخاصة تلك التي هربت من قبل عائلة صدام حسين واركان نظامه وكذلك فيما يتعلق باثارها المهربة وتراثها الثقافي قبل وبعد 9/4/2003.)
هذه الفقرة كلها كذب فاضح ونفاق مبتذل، فالجميع يعلم أن الولايات المتحدة هي التي دمرت ونهبت آثار العراق وتراثه الثقافي وهي التي إستولت على 12 مليار دولارمن أموال العراق المودعة في حساب الأمم المتحدة والمخصصة لعقود الغذاء والدواء، وجرى تحويل هذه الأموال الى بول بريمر ولم يعثر لها على اثر منذ ذلك الوقت. أما حديث الفقرة عن الأموال التي هربتها (عائلة صدام حسين واركان نظامه) فهي من بقايا حملة تشويه العراق وقائده التي ثبت كذبها وتزويرها وليس مستغربا أن يواصل بوش ترديدها، فحقد هذا الرجل على العراق والعرب أعمى بصره وبصيرته.
7– نصت الفقرة السابعة على (مساعدة جمهورية العراق على اطفاء ديونها والغاء تعويضات الحروب التي قام بها النظام السابق.)
الوعد بالمساعدة على إطفاء الديون هو كلام عام، ويلاحط أنه لم يأت كوعد مباشر من الحكومة الأمريكية، بل جاء بصيغة (مساعدة جمهورية العراق على). والوقائع منذ الغزو والإحتلال الأمريكي للعراق أثبتت أن لا مصداقية لوعود أمريكا بمساعدة العراق، بل العكس هو الصحيح. فالعراق أصبح تحت الإحتلال الأمريكي أول دولة فاشلة في العالم وأول دولة في إنتشار الفساد الإداري والمالي وأعلاها في نسبة وفيات الأطفال وفي البطالة وفي المهجرين قسريا وفي عدد الأرامل والأيتام، والقائمة تطول.
أما إلغاء تعويضات الحروب، فالمقصود بها إلغاء نسبة 5% من إيرادات النفط التي يدفعها العراق للكويت كتعويضات بموجب قرارات مجلس الأمن. وليس أكيدا أن الولايات المتحدة ستغضط على الكويت لإلغائها لإن ذلك لا ينسجم مع الدور المخطط للكويت في إستمرا إيذاء العراق.فالكويت لم تسقط فلسا واحدا مما تسميه ديون لها على العراق، وهي الأموال التي أنفقتها الكويت للدفاع المشترك عن النفس إزاء العدوان الإيراني.
8 – نصت الفقرة الثامنة على ( مساعدة جمهورية العراق ودعمها للحصول على ظروف تجارية تشجيعية وتفضيلية تجعلها من الدول الاولى بالرعاية في السوق العالمية واعتبار العراق دولة اولى بالرعاية من قبل الولايات المتحدة الاميركية بالاضافة الى مساعدته في الانضمام الى منظمة التجارة الدولية.)
إن هذا الوعد بلا قيمة عملية. فالعراق أصبح بعد الإحتلال دولة مستوردة لكل شيء ولا بضاعة لديها للتصدير غير النفط، لذا فإن وضع العراق في لائحة الدول الأولى بالرعاية لا يفيد في تسهيل وصول صادرات عراقية الى أسواق الولايات المتحدة، لكن منتجات الولايات المتحدة المصدرة للعراق ستتمتع بإعفاءات كمركية تتيح لهامنافسة منتجات الدول الأخرى في السوق العراقية. أي أن هذه الفقرة تخدم المصالح الأمريكية. أما الإنضمام الى منظمة التجارة العالمية، فهو سياق طويل ومعقد وستفرض خلاله على العراق شروط كثيرة. ما يحتاجه العراق اليوم هو إنهاء الإحتلال وإقامة حكومة وطنية تأخذ على عاتقها إعادة بناء إقتصاده وصناعته وزراعته وتحقيق قدر من الإكتفاء الذاتي الإقتصادي يجعلها في موقف تفاوضي قوي إزاء المنظمات المالية الدولية.
رابعا : الفقرات الخاصة بالجوانب الأمنية :
1 – نصت الفقرة الأولى على (تقديم تأكيدات والتزامات امنية للحكومة العراقية بردع اي عدوان خارجي يستهدف العراق وينتهك سيادته وحرمة اراضيه او مياهه او اجوائه.)
لقد اثبتت تجارب التاريخ أن من يعتمد على غيره في حماية أمنه سيخسر أمنه وكرامته. العراق دولة عمرها سبعة آلاف سنة، عاشت في محيطها الإقليمي من دون الحاجة لحماية قوة خارجية، والعراقيون شديدو الإعتزاز بقيمهم وتاريخهم ولن يقبلوا أن يتحول وطنهم الى محمية أمريكية أو غير أمريكية. إن مجرد ذكر كلمة (حماية أمريكية) تجعل العراقي ينتفض لكرامته وكبريائه وتاريخه المجيد.
ومن جانب آخر، ينبغي قراءة هذه الفقرة في ضوء السوابق وفي ضوء ماذا تعنيه كلمة (العدوان الخارجي) من وجهة النظر الأمريكية، فأمريكا لم تعتبر التغلغل والتخريب الإيراني في العراق عدوانا، ولم تعتبرإعتداء الكويت على الأراصي العراقية أو سرقة نفطه عدوانا، كما أنها لم تعتبر الهجمات التركية على شمال العراق عدوانا، وبالنتيجه فإن الولايات المتحدة ستستخدم تفسيرها الإنتقائي للعدوان، وعلى الأكثر ستدّعي حصول عدوان أو تهديد بالعدوان على العراق عندما تريد تصفية حساباتها مع أي من دول المنطقة.
2 – نصت الفقرة الثانية على (مساعدة الحكومة العراقية في مساعيها بمكافحة جميع المجموعات الارهابية وفي مقدمتها تنظيم القاعدة والصداميين وكل المجاميع الخارجة عن القانون بغض النظر عن انتماءاتها والقضاء على شبكاتها اللوجستية ومصادر تمويلها والحاق الهزيمة بها واجتثاثها من العراق على ان تحدد اساليب وآليات المساعدة ضمن اتفاقية التعاون المشار اليها اعلاه.)
إن الولايات المتحدة هي التي جاءت بالقاعدة والميليشيات الطائفية الى العراق , أما من اسمتهم بالصداميين، فمنذ أربع سنوات ونصف تحاول الولايات المتحدة إجتثاثهم وفشلت، ونجح الصداميون في إجتثاث جنودها واهانوا أسلحتها وكبدوها أكبر هزيمة في تاريخها، فهل تستطيع أمريكا حماية المالكي من بأسهم؟
3- نصت الفقرة الثالثة على (دعم الحكومة العراقية في تدريب وتجهيز وتسليح القوات المسلحة العراقية لتمكينها من حماية العراق وكافة ابناء شعبه واستكمال بناء منظوماتها الادارية وحسب طلب الحكومة العراقية.)
إنه إجراء متوقع أن تسعى الدولة القائمة بالإحتلال للسيطرةعلى الجيش وتربطه بها تسليحا وتدريبا وقيادات لديمومة هيمنتها على العراق، وقبلها عملت بريطانيا نفس الشيء، فالفقرة الخامسة من ملحق إتفاقية 1930 تنص على:
- تعليم الضباط العراقيين الفنون البحرية والعسكرية والجوية في المملكة المتحدة
- تقديم الأسلحة والعتاد والتجهيزات
والسفن والطائرات من
أحدث طراز متيسر إلى قوات جلالة ملك العراق.
- تقديم ضباط بريطانيين مجربين
عسكريين وجويين للخدمة بصفة استشارية في قوات جلالة ملك العراق ولكن ما حصل هو أن
ضباط الجيش العراقي كانوا في طليعة الثوار في إنتفاضات شعب العراق ضد الإحتلال
البريطاني والتي تكللت بثورة 14 تموز 1958
خامسا : الفقرة الختامية للإعلان
نصت الفقرة الختامية على :
جوهر هذه الفقرة أن (الجائزة) التي ستعطى لحكومة المالكي بعد توقيع المعاهدة وتكبيل العراق بها، هي أن ينتهي نظر مجلس الأمن بالبند (الحالة بين العراق والكويت)، وأن يعود (وضع العراق الدولي والقانوني الطبيعي) و(التأكيد على السيادة الكاملة للعراق على أراضيه ومياهه وأجوائه).
إن هذا الكلام هو تزوير وتدليس وكذب صارخ. فأولا، إن ما يسلب العراق سيادته اليوم هو الإحتلال الأمريكي وليس قرارات مجلس الأمن المعتمدة بموجب الفصل السابع. والذي يريد إعادة السيادة للعراق عليه مقاومة وطرد المحتل لا تغيير شكل إحتلاله. وثانيا، لم يبق من إجراءات الفصل السابع ضد العراق غير حظر المواد المستخدمة في صنع أسلحة الدمار الشامل والتعويضات الكويتية وهذه مقدارها 5% من واردات النفط العراقية، والعراقيون يعتبرون أن كل ما أخذته الكويت من تعويضات غير مشروعة وما سلبته من أراضي عراقية وما تسرقه من نفط الحقول العراقية هي ديون سننتزعها من الكويت في القادم من الأيام، وإذا كانت الولايات المتحدة قادرة على الهروب من العراق الى ما وراء البحار فالكويت لن تستطيع ذلك ونحن لها.
اما إذا كان المقصود هو الخروج من قرارت مجلس الأمن التي خولت القوات الأمريكية البقاء في العراق يإسم القوات متعددة الجنسية، فإن الفقرة 9 من القرار1546 (2004) ذكرت أن وجود القوات متعددة الجنسية هو بناء على طلب حكومة العراق. والفقرة 12 من نفس القرار ذكرت أن مجلس الأمن سبنهي ولاية القوات متعددة الجنسيات يناء على طلب حكومة العراق. ولو أرادت الحكومة العراقية المنشاة في ظل الإحتلال (وهذا محال) لإكتفت برسالة الى رئيس مجلس الأمن تطلب فيها إنهاء ولاية القوات متعددة الجنسيات.
الحقيقة أن المالكي ورهطه لا يسعون لوقف إستقطاع التعويضات الكويتية، ولا لخروج القوات متعددة الجنسية، بل همهم الأول هو أن تطلق أياديهم في التصرف بواردات النفط والتخلص من المراقبة المالية المفروضة بموجب القرار1546 (2004) والتي بموجبها تودع واردات بيع نفط العراق في صندوق تنمية العراق ويقوم المجلس الدولي للمشورة والرصد برصد إنفاق الحكومة العراقية من هذا الصندوق.
خاتمةة
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ [التوبة : 52]
والله المستعان