الديمقراطية الجديدة

د. هدى حمودي

إنما يحصل في العراق يعد نموذجا سيئا للديمقراطية التي بنيت في غياب المكون السني، الذي يشكل 45 % من عرب العراق، وعند تشكيل حكومة الجعفري شرعت الديمقراطية باجتثاث العرب السنة، ومارس السيد الجعفري (بطل أحداث سامراء) دوراً كبيراً في هذه الحملة من خلال مؤسسات عسكرية إيرانية مخولة بالعمل داخل المؤسسات الأمنية العراقية، فاعتقلت وخطفت وغيّبت وقتلت الآلاف من العراقيين، ومن رموز السنة، بل وشملت أيضاً العروبيين من الشيعة الذين انتفضوا لحملة إقصاء السنة، وبعد الانتخابات تمسك الجعفري بالسطة، وأجبر من خلال تلويح القوات الأمريكية بالتدخل، وبعد أن تسنم المالكي منصب رئيس الوزراء استمر النهج ذاته في إقصاء وتهميش السنة ولكن هذه المرة تحت عباءة اجتثاث البعث، ذلك الاجتثاث الذي جاء على العرب السنة فقط، ولم يشمل فروع البعث في محافظات الوسط والجنوب، مع أن صدام أعطى إدارة الحزب هناك للشيعة، والذين تصدوا فيما بعد للانتفاضة الشعبانية ، ونكلوا وأعدموا بشكل ملفت للنظر أكثر  من أية محافظة أخرى، ولأن خلاف  صدام مع بعض العراقيين هو خلاف سياسي، خلاف على كرسي الحكم، ولأن العرب لم يتورعوا عن دعم معارضين لصدام فقد اقتصر الخلاف على الشيعة المدعومين من إيران، مما أحدث مواجهة كانت ساحتها هذه المحافظات، فتسببت في واقعٍ مزرٍ في هذه المحافظات، بدا كأنه طائفي، الا أن الطعن بهذا الاتهام أمر يسير ، فيكفي أن نقول إن قادة الحزب والجيش والأمن في الجنوب هم من الشيعة، وطالما يقتضي العدل محاسبة الملطخة أيديهم فإن المحاسبة تكون على المنتمين من الشيعة أكثر من غيرهم.

ولكي نبقى في إطار الديمقراطية نقول إن المالكي كان طائفياً بحذر، أي أنه طائفي الممارسة وطني القول (ولأن الميه تكذب الغطاس) وحبل الكذب قصير، فقد ظهرت حقيقة السيد المالكي، حيث عطل العفو العام بقصد إيذاء أهل السنة من خلال استبعاد رأيهم سواء في الإدارة أو في التصويت، وتعطيل طاقاتهم، وإقصائهم عن الدوائر الحكومية وبالتالي تهجير وتشريد عوائلهم، وتدمير البناء الاجتماعي لعائلة المعتقل، وإقصاء تأثيرها في الحياة الاجتماعية، كما واصل المالكي بناء الجيش من الشيعة فقط وإقصاء ما تبقى من السنة، ولعل ما حصل في مكافحة الإرهاب من إقصاء آخر سني كان فيها جاء متزامناً مع بداية الحملة الانتخابية، ويعد مفارقة طائفية مفضوحة، كذلك ما حصل بعد استقالة الشهواني من إقصاء لجميع السنة في هذا الجهاز، وكذلك الحال لكل الوزارات حتى الوزارات التي استوزرها العرب السنة، فقد تعرضت إلى حملة تطهير بالتهديد والقتل باستثناء وزارة الثقافة التي تصدى الوزير أسعد الهاشمي بجرأة لهذه الإجراءات حتى لفقوا له جناية اضطرته إلى ترك الوزارة، والتي تحولت فيما بعد هي الأخرى إلى حسينية كبيرة.

وأثناء حكم المالكي (الديمقراطي) تعطلت بالكامل المصالحة الوطنية التي وجبت بعد إسهام العشائر السنية في قتال القاعدة تحت لواء الصحوة، بل إنه وقف بوجه تعيين الصحوات في الدولة استجابة لتصريحات إيرانية اعتبرت الصحوات خطرا على الأمن القومي الإيراني، وبدأت حملة لتصفية قادة الصحوات بدأت بالشيخ أبو ريشة...

ومع اقتراب الاستحقاق الديمقراطي والتغيير بدأت حملة الاجتثاث، ثم ما رافق حملة المالكي الانتخابية من استخدام للجيش والطائرات العسكرية بشكل يعكس الرغبة في التمسك بالسطة وعدم الاستجابة لمبدأ التداول السلمي للسلطة.

فتعساً لديمقراطية لا خيار لنا فيها سوى المالكي أو الجعفري أرباب الفتن والطائفية. ألم يكن حزب الدعوة سببا في تهجير آلاف العوائل من التبعية في العراق عام 1979، وبعد استهدافهم لحفل طلابي في الجامعة المستنصرية، ومن ثم استهدافهم للأبرياء المشيعين لشهداء المستنصرية في اليوم التالي.. هم لا يبالون بموت الأبرياء، هم يسعون إلى تحقيق أهداف وغايات تختفي وراء التفجيرات حيث دفعوا صدام لارتكاب خطيئة تأريخية بحق عوائل بريئة تماماً كما يفعلون اليوم في تفجيرات الأربعاء، الأحد، الثلاثاء، الدامية لإيصال رسائل متعددة، منها (ليس أمام الشيعة سوى التحالف في قائمة واحدة) (الإرهاب السني ما زال ماثلاً) (البعثية وراء التفجيرات) (قائمة علاوي تمثل البعثية فلا تنتخبوها) .

هذه هي الديمقراطية فهل تستحق هذه الرسائل أن تخرب بلادنا، وتعوق أو تقتل شبابنا؟، ولعل الأمر في ذلك هو أن يساء إلى محيط العراق العربي وملاذه الوحيد بما يتيح للاستباحة الإيرانية الاستفراد بالعراق.