وقفات مع خدمة العلم في سوريا

وقفات مع خدمة العلم في سوريا

3

د.خالد الأحمد *

خدمة العلم نعني بها الخدمـة العسكريـة الإلزاميـة ، المفروضة على كل مواطن سوري ( ذكر ) إذا بلغ الثامنة عشرة من العمر ....

ذكرت في الحلقة الأولى التربية العسكرية ، ومكانتها في المجتمع المسلم ، وعرضت في الحلقة الثانية مادة التربية العسكرية ( الفتوة ) كما درستها في المرحلة الثانوية ، وذلك في دار المعلمين بحمص ( 1962 – 1965 م) ، ولابد من التنوية بأن مادة التربية العسكرية ( الفتوة ) تمهيد للخدمة العسكرية الإلزامية في سوريا ، وسوف أعرض في هذه الحلقة تاريخ الخدمة الإلزامية في سوريا ...

شكل الفرنسيون الجيش السوري خلال مرحلة الانتداب على سوريا في الفترة ( 1920- 1945) ؛ من الأقليات ، يقول نيقولاس فان دام في بحثه الهام ( الصراع على السلطة في سوريا ) ص51 ط 2 : ( ....فإن الفرنسيين قد فضلوا تجنيد مختلف الأقليات الدينية والعرقية كالدروز والإسماعيليين والمسيحيين والأكراد والشراكسة فيما يسمى بالقوات الخاصة للشرق الأدنى، والتي تطورت فيما بعد لتصبح القوات المسلحة السورية واللبنانية). ويتابع في ص 52 :

( ...إن العائلات السنية الثرية دعمت ذلك الاتجاه بشكل غير مباشر عندما رفضت إرسال أبناءها للتدريب في الكليات العسكرية ) . ويقول فان دام في حاشية ص 52 :

( ...وفي عام 1944م جاء تمثيل العلويين قوياً بين الجنود وضعيفاً في المجال السياسي وسلك الضباط وقوة الدرك والشرطة ) . ويقول في ص 54 : ( وقد وصف تقرير عسكري الوضع في الجيش عام 1949 م بشيء من المغالاة بأن (( كل االقطعات الهامة بقيادة أشخاص من الأقليات)) .  

ويقول باترك سل في كتابه : ( الأسد : الصراع على الشرق الأوسط ) ص 37 ط 1 :  ( وكانت إحدى أدوات الإغراء الفرنسية تجنيد شباب العلويين في قوات المشرق الخاصة ، ووصل عدد المجندين إلى أكثر من أربعة عشر ألفاً في منتصف الثلاثينات ) .

ثم كان الاستقلال وكانت قوات الشرق الأدنى نواة للجيش العربي السوري ...وقررت الخدمة العسكرية الإلزامية لمدة سنة واحدة ، ثم زيدت إلى سنة ونصف ، ثم زيدت إلى سنتين ، حتى وصلت سنتين ونصف بعد نكسة حزيران (1967م) ...وقد أعيدت سنتين في عهد بشار الأسد ..

الخدمـة الإلزاميــة :

وتنقسم الخدمة العسكرية إلى دورة الأغرار وهي بضعة شهور ، يتلقى فيها المواطن التدريبات الأولية كالنظام المنضم ، والتدرب على الأسلحة الفردية ، تليها دورة للتخصص على أحد أسلحة الجيش ( مشاة ، مدفعية ، دفاع جوي ، مدرعات ، صواريخ ، إشارة ...إلخ ) ...وتستغرق الدورات مدة عام واحد للضباط المجندين ، وستة شهور لضباط الصف ، وثلاثة شهور إلى أربعة للأفراد ...

بعد الدورة يلتحق المجند بإحدى وحدات الجيش العاملة ، ويقضي فيها بقية خدمته الإلزامية ...

الخدمـة الاحتياطية :

وقد شاعت الخدمة الاحتياطية في سوريا بشكل مذهل ، وخاصة بعد نكسة حزيران 1967م ، وهي عدم تسريح من أنهى سنتين ونصف ، بل يحتفظ به ، ربما سنتين ونصف أخرى أو تزيد ، كما حصل لدورة ضباط الصف ( 11 ، 12 ، 13 ) التي قابلت بعضاً منهم خلال خدمتي العسكرية ( 1970 – 1972) ...

والاحتفاظ ممـل وممقوت ، لأن البلد يكون في حالة ( لاسلم ولاحرب ) ، والمجند تعطلت حياته المدنية ، ومشاريعه ، ولايعرف متى ينتهي من الخدمة العسكرية ، وقد لاحظ الجميع أن ضباط الصف من الدورات ( 11 ، 12 ، 13 ) كانوا في حالة من اليأس والتذمر ، تجعل الاستفادة من معظمهم أمراً ميئوساً منه ، وقد فشلت في محاولة تدريب بعضهم على الدبابة على الخط الأول ، ( وكنت مسؤولاً فنياً عن دبابات الوضع ـ أي الثابتة ـ على قطاع الفرقة الخامسة )؛ كي يقاتل بها عندما يزحف العدو ، ولكنه أصر على الرفض ، واللامبالاة ، وأكد أنه سوف ينهزم حالما دخل العدو ...

وأصل الخدمة الاحتياطية أن يدرب المواطن الذي سبقت له الخدمة العسكرية ، يدرب على السلاح الجديد ، شهراً في السنة على الأكثر ، وينتهي من قوائم الاحتياط إذا دخل في سن الأربعين ، إلا أن النظام الأسدي رفع سن الاحتياط إلى الخمسين ، والاحتياط عقبة كؤود أمام المواطن من أجل الخروج من سوريا للعمل في الخارج ، وكنا نتقدم بطلب تأشيرة الخروج بعد دخولنا سوريا بيوم واحد ، لأنه جرت العادة أن تنتهي الإجازة ، أحياناً ، قبل الحصول على تأشيرة الخروج لمن مازال في سن الاحتياط ، خاصة إذا ابتلاه الله وخدم في الدفاع الجوي ...

البـدل النقـدي :

1-    قبل نكسة حزيران 1967م : كان البدل النقدي أمراً سهلاً ، ولايزيد عن بضع مئات من الليرات السورية ، وقد لايزيد عن مائتي دولار يومذاك ...

2-    بعد النكسة : صار الحصول على موافقة لدفع البدل النقدي ، كمحاولة الحصول على لبن العصفورة ، ولايقدر عليه إلا وزير الدفاع ورئيس الجمهورية فقط ... وكانوا إذا أرادوا قبول البدل النقدي من ( فلان ) يجهز أوراقه ، ثم يصدر القرار لمدة ساعة أو ساعتين فقط ، يتقدم ذلك الشخص خلالها بطلبه إلى شعبة التجنيد ... شيء يشبه قصص ألف ليلة وليلة ...في دولة النظام الأسدي ...

3-    واليوم يقبلون البدل النقدي من المواطن المغترب فيدفع خمسة آلاف دولار تحول إلى مصرف أمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية لصالح وزارة الدفاع السورية !!!؟؟؟...

4-    ومنذ سنتين خفض هذا البدل للمواليد خارج سوريا من خمسة إلى الفي دولار فقط ... ولنا عودة إلى موضوع البدل النقدي في نهاية الوقفات .

5-    - وفي (6/5/2007) صدر المرسوم (30) ومنه تخفيض البدل النقدي للمولودين خارج المملكة إلى مبلغ  رمزي فقط وهو (500) دولار أمريكي ..... وخفض البدل النقدي ليكون خمسة آلاف دولار لمن خرج من سوريا بعد الحادية عشرة من عمره ، وثلاثة آلاف لمن خرج منها قبل الحادية عشرة ، وخمسمائة دولار فقط للمولودين خارج سوريا...

6-    وسأحاول عرض صورة عن الخدمة العسكرية في سوريا المعاصرة الآن ، لنجد قصص ألف ليلة وليلة تتكرر في التاريخ ....

               

    * كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية