شاهدٍ ومشهود لمذبحة العيد
مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن
(من قبيل الصدفة ساقني القدر لأكون شاهداً ؛ على مذبحة لاتدل في شناعتها إلا على بشاعة أصحابها وقُبح أشكالهم وأعمالهم؛ وسواد قلوبهم المليئة بالغلّ والكره والحقد على الانسان ، لمجرد اضطهاد تعرضوا له في تركيا ، عندما نبذت الدولة هناك هذه الأسرة ، ولم تجد من ملجئٍ أو مأوى إلا في سوريا ، فحملت هذه الأسرة الحقد الدفين لمن آواهم ، ولمن منحهم الجنسية ، لتنتقم ممن أحسنوا إليها ، ظناً منها أنه بهذه الأعمال ينسى الناس أصلهم وفصلهم وجذورهم وعُقدهم النفسية ومرضهم المزمن، فيسودوا بقوة القهر والبارود، ولا يلتفت الناس الى تاريخهم ، فارتكبوا من أجل ذلك الجرائم العظام للوصول الى غايتهم ، عندما وضعوا يدهم مع العدو الإسرائيلي وباعوهم الجولان ؛كثمن لاعتلاء سدة الحكم ، ثم لتبدأ مرحلة التدمير والتشتيت والتفريق والتضيق على الناس فيما بعد ، من باب " فرّق تسد" الى أن وصلت الحالة بالشعب الى عدم التحمّل ، وبالتالي الى مرحلة الإنفجار ،بين كل الشعب وبكل فئاته من أحزاب ومثقفين ، ومعلمين ومفكرين وجمعيات ونقابات، في نهاية السبعينيات ، وبين السلطة الغاشمة والفاسدة ، فانتقم النظام من الشعب بالمجازر والمذابح ، التي كانت مذبحة المشارقة المشهورة أحدهم ، والتي شهدتُ وقائعها خطوة بخطوة ، واليكم تفاصيلها : ..)
كان من عادتي في أيام العيد ؛ أن أُصلي العيد في أماكن متنوعه ، ووقع اختياري في عيد 1980على مسجد في المشارقة ، أُشتهر خطيبه بالجرأة وقول الحق ، وعندما وصلت كانت التهليلات والتكبيرات والتسبيحات تنطلق من المآذن المتعدده في أروع جوقة وأعظم أيّام الله ؛عبر سمّاعات المساجد ،وما إن حان وقت صلاة العيد إلا وتوقف كل شيء ؛ سوى صوت الإمام وهو يقرأ القرآن في الصلاة التي بعد أن أتممها صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على خير الخلائق محمد صلى الله وعليه وسلم ثم حدثنا عن العيد والواجبات فيه ؛ من زيارة الأرحام والعمل على نبذ التشاحن والتنابز ومنع القطيعة ووجوب الفرحة فيه ، على الرغم من قساوة العيش وشظف الحياة ، ، والنكبات التي تصيبنا بفعل هذا النظام التي كان يشير اليها تضميناً ،وكان يُدلل على قوله بالأيات الكريمة والأحاديث الشريفة ، ويُصبرنا فيها ويشجعنا على الإقتداء بها ،فأطال في خطبته ؛ بينما المسجد المجاور كان قد انتهى وبدأ الناس بالخروج منه ، وما هي إلا دقائق معدودة ، إلا وغلب على المنطقة كلّها صمت رهيب ، ليخترق جدار السكون صوت الرصاص من الأسلحة الأوتماتيكية الخفيفة والثقلية ، وهي تُدّوي في المكان ، مما أفسد علينا منسكنا؛ وسماعنا لبقية الموعظة ‘مما اضطرّنا للخروج مُسرعين لنتلمّس الخبر ،
واذا بالمنطقة مكان وقوع الحدث كلّها محاصرة وماهي إلا دقائق إلا وكُشف الأمر عند وصول سيارات الإسعاف والجرافة وشاحنات الجيش لنقل جثث الضحايا، الذين سقطوا في المواجهة التي ظنناها في البداية مابين جيشين متكاتفئين ، أو مابين قواتنا الباسلة والكوماندوز الاسرائيلي الذي استطاع خرق أجواءنا لتنفيذ عملية داخل أراضينا وبالقرب منّا، كما فعل ذلك منذ أسابيع، ولكننا انتظرنا الى أن تمّ جلاء جنود قواد سرايا الدفاع والصراع والمغاوير والوحدات الخاصة والمخابرات ،التي كانت تطوق المنطقة؛ لنتوقف على حقيقة الأمر الرهيب؛الذي لم تكن تتوقعه عقول البشر ، ولم يخطر على قلب إنسان والغير المتوقع حصوله من آدميٍ ، له قلب وروح وأحاسيس ومشاعر ، ولا حتى من وحوش البرّية أن تفعل ذلك بضحاياها ممافعلته يد الإجرام والإرهاب الأسدية، عندما اجتمع الأوغاد على طريدتهم -العزّل من السلاح-، وحاصروهم في كل مكان ، كي لايفلت أحدٌ من هؤلاء الأعداء الذين يكبرون الله سبحانه ويعظمون شعائره ، وعند خروج المؤمنين المصلين الموحدين لله من المسجد،وكانوا يحملون سلاح الإستغفار والتسامح وطلب العفو ، وكانوا مُنطلقين الى أُضحياتهم ليوزعونها على الفقراء والمساكين الذين كانوا ينتظرونهم لأخذ حصتهم من مال الله ،وإذا بهم هم المُضّحى فيهم ،عندما كمن لهم الغادرون على الجدران وفوق الأسطحة ، والأماكن الحصينه ، ثمّ فتحوا عليهم النيران من كل جانب وصوب لتحصد رصاصاتهم اللعينة وبدقائق معدودة 83 مصلي شهيداً ،وجرح العشرات المتبقيه بجروح بليغة ، والذين بمعظمهم فيما بعد قد فارقوا الحياة الى جوار ربهم متأثرين بجراحهم ، وكنت شاهد عيان على تلك المجزرة ، التي خلفت بركةً من الدماء الزكية ، وأشلاء من الجثث التي تناثرت في كل مكان ، فثار الناس حينها وغضبوا وقاموا بالمظاهرات ، وأحرقوا صور الدكتاتور ، مُتحديين بصدورهم العارية جبروت الطغاة وصمت العالم ، فداهمهم الأوغاد ليزيد من مأساتهم ؛واعتقل منهم العشرات ، والى يومنا هذا هم مُغيبون في أقبية الطغاة ، وأغلب الظن أنهم قضوا تحت التعذيب شهداء ، ليغرسوا بدماءهم نبتة الحرية التي تكبر يوما بعد يوم ، لتعلن عن ميلاد يوم جديد ، سُقي بالدماء والمعاناة والصبر الذي فاق كلّ الحدود ، للتخلص من العهد الأسوأ لهذه الزمرة الحاكمة.