السيادة العارية

علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي

[email protected]

الرئيس العراقي الجديد فؤاد معصوم لا يختلف كثيرا عن الرئيس السابق الطالباني في عدة أمور، فكلاهما يعاني من الترهل البدني والفكري والصحي الناجم عن الأمراض المزمنة وهي إمراض تتكلف بعلاجها خزينة الدولة، أي من أموال الشعب الذي يقتات من المزابل ويسكن المقابر. وكلاهما يقضي فترته الرئاسية خارج العراق ما بين العلاج أو حضور المؤتمرات الدولية والعربية، وكلاهما يكن الولاء التام لنظام ولاية الفقيه. ويمكن أن يستشف المرء السبب الذي جعل فؤاد معصوم يحل محل الدكتور برهم صالح والأخير أصلح من معصوم من الناحية الصحية والإدارية والخبرة السياسية.

كان إختيار الرئيس العراقي الجديد بقرار إيراني بحت، بعد أن تعرض برهم صالح للتهديد فتنازل عن ترشيحه لمنافسه المعصوم، ولا علاقة للشعب العراقي ولا للبرلمان بالقرار إلا من الناحية الإجرائية، لذلك كانت ردة فعل الشعب العراقي تجاه رئيسه الجديد لا تختلف عن ردة فعل سكان الأسكيمو بهطول الثلج.

مثلما كان الرئيس السابق جلال الطلباني خاتما في إصبع الخامنئي يحركه كما يشاء، وأخيرا خلعه بعد أن صدأ ليحل محله معصوم كخاتم الجديد. ويبدو أن معصوم لبس لجام الفقيه من الشهر الأول لزعامته المثيرة للسخرية والجدل، لذا نلاحظ أن وسائل الإعلام العراقية تتجنب الإشارة إليه إلا في مناسبات محدودة للغاية، كأنه يدير مقبرة وليس وطنا.

غادر الرئيس الطالباني حظيرة الرئاسة بعد أن كشف للشعب أهم طلسم خلال رئاسته بقوله "الإجراءات كانت ستنتهي بسحب الثقة عن المالكي، لكنني فوجئت بأتصال من قاسم سليماني، إذ قال لي إننا نريد بقاء نوري المالكي رئيساً للوزراء". لذلك رفض الطالباني سحب الثقة التي طالب بها الشعب العراقي ليكلفه هدر المزيد من الثروات وسفك المزيد من الدماء لأجل عيون الجنرال سليماني. ومن هذا الكلام يمكن معرفة مدى تأثير نظام الملالي في إدارة الحكومة الموالية لهم في بغداد.

لو فكر الإنسان مليا في هذه الحالة ولا نقول الشعب العراقي لأنه في غفوة عميقة لم يستفق منها بعد، لعرف بأنه لا سيادة للعراق طالما إن الأمر وصل بريئس جمهورية يتسلم الأوامر ليس من مرشد الثورة الخامنئي أو رئيس الحكومة، أو رئيس البرلمان الإيراني أو حتى وزير، بل من عقيد في الحرس الثوري الإيراني! واعاراه! وا خزياه! ويحدثونك عن السيادة، وليس لإيران دور في صناعة القرار العراقي! قباحة وصلافة لا مثيلان لهما! وحالة لا يمكن أن يقبلها شعب له كرامة وذرة من عزة النفس.

كالعادة مرٌ تصريح الطالباني بهدوء ولم يعلق أي نفر في البرلمان العراقي عن هذه الحالة الفريدة التي لا توجد إلا في البلدان الخاضعة للإستعمار. وكان موقف الإعلام العراقي الديمقراطي جدا من تحت ركبتية إلى أخمص قدمية متماشيا مع القول الشائع" لا من شاف ولا من سمع" مقتديا بممثلي الشعب الذي أثاروا الدنيا عندما إعترض النائب حيدر الملا على تعليق صور الخميني والخامنئي بكثافة في الساحات والشوارع في العاصمة.

التدخل الإيراني في العراق لا يسمى في حقيقة الأمر تدخلا، فهذه الصفة لا تعبر عن حقيقة ما يجري على الأرض، بل هذه التسمية هي تسطيح للقضية برمتها، إنه إحتلال دولة رضينا بذلك أم أبينا! عندما يكون القرار السياسي والإقتصادي العراقي بيد نظام الملالي، وعندما يأخذ رئيس جمهورية العراق الأوامر السيادية من عقيد في الحرس الثوري الإيراني، فهذا إحتلال وليس تدخل فحسب. وعندما تتدخل إيران بنتائج الإنتخابات فترفض القائمة الفائزة في الإنتخابات السابقة ( في انتخابات 2010 حصلت كتلة العراقية بقيادة اياد علاوي على 92 مقعداً وكانت الكتلة الأكبر) وتمنحها لعميلها المالكي، بإعتراف أياد علاوي الذي صرح حينها" بعد رفض تكليفنا بتشكيل الحكومة استدعت إيران القوى السياسية الى اجتماع في طهران، باستثناء (العراقية) فأملت عليهم الإعلان أن رئاسة الوزراء لن تكون إلا من نصيب مواليها، الذين بدأوا ضغوطا على المحكمة الاتحادية فانتزعوا منها رأياً بأن الكتلة البرلمانية الأكبر تعني أنها الكتلة التي تتشكل بعد الانتخابات، وهو أمر لم يحدث في أي بقعة في العالم، وهو بخلاف ما ينص عليه الدستور العراقي".

عندما يطلع المرء على التصريحات الصحفية للرئيس فؤاد معصوم مع صحيفة الحياة السعودية يقف مندهشا أمامها. وسنحذف إسمه فقط ونطلع على التصريحات والنتيجة الذي خرج به جرائها. إن حضور إيران ووجودها الفاعل في المحاولات الإقليمية لضرب التنظيم أمر ضروري لأنه لا يمكن عزلها، ولا يمكن للعراق أن يستغني عنها"، وإنه " لا يمكن للعراق الاستغناء عن إيران". وإنه " رغم وجود اختلافات في وجهات النظر بين إيران والسعودية، إلا أن محاولة ضرب داعش بكل الوسائل الداخلية العراقية والإقليمية من دون إيران، سيترك ثغرة كبيرة في هذا المجال".

لا تختلف تصريحات معصوم عن سلفة الطالباني حول حاجة العراق لإيران، ودورها في إستتاب الأمن في العراق ومحاربة الإرهاب وغيرها من المبررات التي لا يفهم من ورائها غير التبعية الذليلة لولاية الفقيه، ولو تجرد المعصوم من عصمته القومية وذكر بأن العراق بحاجة لمساعدة الدول العربية وتركيا بإعتبارها من دول الجوار كما هو الأمر بالنسبة إلى إيران، لكان الموقف سليما على أن لا تكون هذه المساعدة على حساب السيادة الوطنية، لأنه هذا الأمر خط أحمر لا يجوز للغير أن يتجاوزه مهما كانت الذرائع والمبررات.

يبدو أن لا الحكومة ولا البرلمان العراقي يعرفان معنى السيادة! وهذا ما يمكن أن نستشفه من خلال التصريحات المتناقضة للمسؤولين، فهم كالإبل المتنافرة كل يسير في طريقه ولا علاقة له بالآخر، وهذه أيضا حالة نادرة لا ترى مثلها حتى عند الشعوب البدائية، حيت تكون الكلمة الأخيرة لرئيس القبيلة.

وزير الخارية العراقي ومنظر فلسفة الشفافية صرح بأن موقف حكومته رافض لمشاركة قوات برية أجنبية خلال الحملة العسكرية على داعش، مؤكدا في الوقت ذاته أهمية توفير غطاء جوي. فقد ذكر " أنَّ العراق لم يطلب أنَّ تـُشارِك قوات على الأرض، وتمَّ التأكيد أنـَّه لابدَّ أن تـُراعى السيادة العراقيّة، والتركيز على الدعم اللوجستيِّ، والغطاء الجويِّ الذي لا يتحوَّل إلى قواعد على الأرض". وأضاف إن أبناء القوات المسلحة والحرس الوطني وقوات البيشمركة، وقوات الحشد الجماهيري جاهزون للإقدام، والاستبسال، والتضحية. كما رفض رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مجددا  أي تدخل عسكري بري في العراق، مشددا على ضرورة احترام سيادة البلد وعدم التدخل في شؤونه الداخلية. وجدد العبادي، بحسب بيان لمكتبه " تأكيده على رفض اي تدخل بري في العراق". كما أشاد مرجع النجف علي السيستاني بالتدخل الأجنبي في العراق، لكنه" دعا إلى ضوابط صارمة"، ولم يحدد ما المقصود بالضوابط الصارمة، فتركها سائبة!

من ناحية أخرى، كشف النائب الأول لرئيس مجلس محافظة صلاح الدين (جاسم محمد حسن العطية) يوم 25 أيلول الجاري لوكالة (السومرية نيوز) الجاري بأن" هناك عشرات المستشارين العسكريين الامريكيين في قاعدة سبايكر، مؤكدا بأن  13000 جنديا اميركيا مع الياتهم العسكرية سيصلون خلال الايام القليلة المقبلة الى القاعدة، مضيفا" إختارت القيادة العسكرية الأميركية قاعدة سبايكر لتكون قاعدة لتمركز الجيش الامريكي فيها، كونها اكبر القواعد العسكرية في العراق". وهذا يتوافق مع قول رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي " أن القوات الأمريكية من المحتمل أن تضطر للقيام بدور بري أكبر وهي تتصدى لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية".

إنهم يتحدثون عن مفهوم السيادة بطريقة غريبة، فسيادة أية دولة لا تقتصر على البر فقط! السيدة ذات بعد ثلاثي لا يقبل التجزئة، إنه أشبه بمثلت أضلاعه، البرية، والبحرية والجوية، وعند سقوط ضلع أو ضلعين منه لا يسمى مثلثا! كذلك السيادة. أن تتشدق بالسيدة البرية وتطالب دول العالم بإنتهاك حرمة السيادة الجوية، هذا غباء بدرجة إمتياز! الشيء الأكيد إنه لا توجد سيادة في العراق، ومن يدعي غير ذلك ليثبت لنا!