بين تقلبات المناخ وطيش السياسة

بين تقلبات المناخ وطيش السياسة

د . أسامة عثمان - كاتب وباحث من فلسطين

[email protected]

كما يشهد عالمنا تغيرات مناخية مقلقة ، فإنه يعاني أزمات سياسية تتفاقم ؛ فهل من علاقة ؟

قديما رأى ابن خلدون أن ثمة علاقة بين المناخ وأخلاق البشر ، وفي الواقع الراهن نلمس هذا التأثير في توتر الأعصاب ، وسرعة المبادرة إلى الصدام ، أوقات الحر ، نعم أثبت صاحب المقدمة تلك الفاعلية المناخية في أخلاق البشر وطباعهم ؛ لكنه لم يتوقع أن تصبح العلاقة تفاعلية تبادلية ؛ فكما يقسو علينا المناخ أحيانا ؛ فلنبادله قسوة بقسوة ! وقد تولت كبيرتنا ؛ الولايات المتحدة الأمريكية الرد عنا ؛ فلم ترأف بدعوات الدول التي تنادي بضرورة الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري ؛ بالتوقيع على معاهدة ( كيوتو ) وقد بلغ عدد الدول الموقعة عليها 120 بلدا .

وبعد أن حاول البيت الأبيض إنكار العلاقة بين انبعاث الغازات العادمة وظاهرة الانحباس الحراري. عاد  وأقر بأن التلوث الذي تتسبب فيه الأنشطة البشرية هو المسؤول بشكل كبير عن ظاهرة الاحتباس الحراري. وبالرغم من ذلك أصرت الولايات المتحدة على موقفها ، ولم يكن هذا مفاجئا في عهد رئيسها المنحاز بوضوح إلى طبيعته العنيدة ، والخاضع بحكم بنية المجتمع الأمريكي للأثرياء من الصناعيين ، أصر بوش على موقفه  فبرر هذا الرفض بأن تطبيق بنود المعاهدة سيكلف الاقتصاد الأمريكي كثيرا ، متجاهلا  كون الولايات المتحدة معدودةً  أكبر مصْدَر للغازات التي يقال إنها تتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري الكوني ؛ إذ تشكل العوادم الغازية في الولايات المتحدة 36,1 % من البلدان الصناعية .

وجريا على نهج الاسترضاء و أنصاف الحلول فقد اتفق زعماء مجموعة الثماني على السعي لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة النصف بحلول العام 2050. وقالت المستشارة الألمانية إن الاتفاق عبارة عن تسوية لا تصل إلى مستوى الاتفاق الملزم.

من جهته تعهد الرئيس الأميركي بأن تلعب بلاده دورا قياديا في مواجهة الظاهرة, لكنه رفض التوقيع على أي تعهدات بالأرقام. ولم يرق الاتفاق للمنظمات المدافعة عن البيئة والتي وصفته بأنه فارغ .

وأشارت صحيفة يونغا فيلت الألمانية  إلى أن مقترحات بوش الغامضة بدت خلال القمة كسراب يحاول أن يخفي حقيقة أن الولايات المتحدة أكبر ملوث للبيئة في العالم، مع إصرارها على الاستمرار بلا نهاية في نشر الملوثات .

وهذا الموقف الأمريكي يمثل مؤشرا صارخا على عدم جدارة هذه الدولة بهذه العقلية النفعية المجردة لقيادة العالم ، ولا حتى تمثيل شعبها ؛ لافتقارها للمسؤولية ، وانحيازها إلى فئة محدودة من الشعب الأمريكي ممن استبدت بهم القيم المادية ، وهذا موقف طيش مؤَسس .

ولكن، و في المقابل ،  يميل بعض المحللين إلى اتهام بوش بنقص الذكاء ، وقد يكون صحيحا ، ولكن الأمر ليس مسألة شخصية فالرئيس الأمريكي على رأس إدارة أمريكية ، لها سياستها المرسومة وخططها المعدة ، وليس بوش هو المستبد بالقرار السياسي الذي يسمح له بجر الشعب الأمريكي لرؤاه الخاصة ؛ ففي إصرار بوش على عدم التوقيع على ( كيوتو ) وعدم الالتزام بأمور محددة مما دعت له قمة الثماني حفاظٌ على المصالح الاقتصادية وفق رؤية الصناعيين في بلده ، وليس عنادا شخصيا بحال .

وفي إصرار بوش كذلك على فكرة الدرع الصاروخي سعيٌ للحفاظ على المصالح الاستراتيجية في الهيمنة الأمريكية على العالم ؛ الأمر الذي نوه إليه بوتين في معرض بيانه لخطورة هذا الدرع على بلاده ؛ إذ  قال " لقد تغير العالم ، وجرت محاولة لجعلة أحادي القطب، وقد زادت بعض الدول من رغبتها في فرض إرادتها على الجميع دون محاولة من جانبها لكي تكون أفعالها بما يتسق مع القانون والأعراف الدولية. "

لكن اللافت للانتباه حقا هو  قوة الموقف الروسي فبالرغم من التطمينات التي تلقتها روسيا من حلف الأطلسي وأمريكا أن تلك الخطة لن تؤثر على أمنها فقد قال الأمين العام للحلف، جاب دي هوب شيفر، إن روسيا لن تواجه أية تهديدات جراء إقامة مثل هذا الدرع الصاروخي. ولمزيد التهوين ذكر أنه ."لاينبغي أن تكون (في ذكاء العالم الشهير ألبرت) أينشتين لتدرك أن 10 صواريخ اعتراضية لاتشكل اي تهديد لروسيا ولا للشعب الروسي."  وبالرغم من تحذيرات طوني بلير لبوتين أن توتر علاقات بلاده مع أوروبا ليس في صالح روسيا ،  منحازا بذلك  للموقف الأمريكي ،  ظل الموقف استرضاء أمريكيا لروسيا ، وهي الدولة التي لم تعد دولة عالمية كما كانت ، ولا تملك القوة الاقتصادية التي تؤهلها لخوض صراع مع أوروبا وأمريكا ، فلولا أنها تلمس ضعفا  وتضعضعا في وضع أمريكا الراهن وتورطها في العراق لما قويت على هذا الموقف ، فهل يفضي اندفاع بوش إلى الأمام _مصحوبا بتبعات إضافية  _ بأمريكا إلى حالة من الإرهاق والإنهاك ؟!