إيران قبل المفاجأة
إيران قبل المفاجأة
بقلم: مصطفى محمد الطحان
قبل أيام من الانتخابات الرئاسية التي جرت مرحلتها الأولى في 17 حزيران (يونيو) 2005م.. كنت في زيارة إلى إيران.
وزيارة إيران ممتعة.. فهي قريبة.. تحتاج إلى ساعة واحدة حتى تكون في مطار الخميني الجديد في طهران.. ورائعة الجمال.. طبيعتها، ومناخها، وقرب الجبال حيث الثلج الدائم من قلب المدينة.. بحيث تستطيع أن تصعد إلى أعلى ذروة في جبالها في زمن قصير لا يتجاوز نصف ساعة..
فإذا صعدت إلى إحدى هذه الذرى.. تخيلت نفسك نسراً في وكره الشاهق ينظر من علٍ إلى الناس الذين يحتلون بعض المطاعم.. يأكلون ما لذّ وطاب من الطعام، وأصوات المياه المنهمرة من أعلى.. مع نسمات لطيفة.. كل ذلك يعزف لحناً يجعل جلوسك مع ثلة من أصدقاء طهران.. والمائدة العامرة التي تتعدد أصنافها أمامك غاية في الأنس والقرب والراحة..
هل يحتاج الإنسان المكدود.. الذي امتهن صنعة السفر.. فهو في شهر واحد في عدة قارات من أرض الله.. هل يحتاج أن يختلس بعض الأوقات تمسح بصفائها وجمالها ومتعتها ما يتجشمه صاحبنا من متاعب؟!
لهذه الأسباب أقول أن زيارة إيران ممتعة.
فإذا أضفت إلى جمال الطبيعة.. واعتدال الهواء.. حرارة اللقاء مع شبان كانوا على موعد.. جاءوا من كل أرجاء إيران.. تميز كلا منهم لكنة خاصة في النطق.. ونوع آخر من النشاط.. ومن أمتع الأوقات أن تشعر أنك اختصرت الزمن فرجعت عشرين أو ثلاثين سنة إلى الوراء.. ومع كل خطوة تشعر بدم الشباب يتدفق في أرجاء جسمك.. إحساس غريب.. لا يتقنه إلا من ألفه.. ألم يقولوا قديماً: اغترب تتجدد. تتجدد في معلوماتك ومعارفك وحتى في خلايا جسمك.
وبعد طهران.. زرنا تبريز، على مسافة ساعة واحدة بالطائرة في الشمال الغربي من طهران.. وتبريز مدينة الجامعات والثقافة اليوم.. وعاصمة الصفويين من قبل.. في الصراع الصفوي – العثماني احتلها السلطان سليم.. هذا التاريخ الذي أصبح ذكريات مؤلمة.. كان جمع من شباب تبريز في انتظارنا تحدثنا عن الأمل الذي يلوح في الأفق.. وتأكدت أنهم جميعاً ينتظرونه بل أن أعينهم لا تحيد عن التحليق معه.
ثم سافرنا إلى رومية.. وهي مدينة جميلة متعددة الأعراق.. متعددة الديانات.. بدأنا بالمسجد (مسجد الشافعي) وتعرّفنا على أمامه الرجل المبارك (البيظاني) الذي قال أمام جمع الشباب.. إن هؤلاء هم صحابة هذا العصر..
صدق إمامنا.. فليس إلا هم يستطيعون الصمود أمام كل هذه الجبهات الممعنة في عدائها للإسلام.
كانت الأجواء أجواء الانتخابات.. معظم من استمعنا إليهم كانوا يؤكدون نجاح على أكبر رفسنجاني.. فالإصلاحيون الذين حكموا ثماني سنوات حوصروا فلم يستطيعوا أن يقدموا للناس شيئاً.. رفسنجاني وسط بين الإصلاحيين وبين المحافظين.
كانت المفاجأة الأولى أن أحداً لم ينجح في الدورة الأولى.. وأعيدت الانتخابات بين رفسنجاني وبين رئيس بلدية طهران محمود أحمدي نجاد.. وفي 24 حزيران (يونيو) 2005 أعيدت الانتخابات.. وكان الكل ينتظر فوز رفسنجاني المقاول الناجح وتاجر الفستق منذ زمن الشاه.. فكانت المفاجأة الثانية بفوز الرجل المجهول ابن الثورة الإسلامية.. الشاب الذي لا يتجاوز عمره 48 سنة.. الذي أسر بأحاديثه وخطبه خلال الحملة الانتخابية قلوب العامة بأسلوبه الشعبي المحبب.
لم يكن الرجل العادي في إيران وخارجها وحدهم من فوجئوا بانتخاب نجاد.. بل إن الاستخبارات الأمريكية والصهيونية لم تكن تتوقعه كذلك.. الأمر الذي أربك حساباتهم.. فقد انتصب أمامهم مرة أخرى خميني جديد!
هل ساهم التحدي الأمريكي.. والجيش الأمريكي المتواجد على حدود إيران.. في تجديد شباب الثورة الإسلامية.. التي قبلت التحدي؟!