عن الانتصار والهزيمة بحرب غزة

يسري الغول

[email protected]

كتب إرنست همنجواي ذات رواية يقول: "إنه من الممكن لك أن تدمر الرجل لكنك لا يمكن أن تهزمه"، وكذا هو الحال مع غزة. فبعد أكثر من 51 يوماً من المواجهة المفتوحة مع إسرائيل في حرب طاحنة، لم تنكسر إرادة الفلسطينيين الذين يبحثون عن الحياة، ولم يفت من عضدهم ذلك الدمار الهائل الذي خلفته تلك الحرب.

غزة التي لا تتجاوز مساحتها 360 كيلو متر مربع، وقفت ضد أعتى قوة عسكرية في المنطقة فقاومت بكل بسالة رغم أنها منيت بدمار هائل وعدد مخيف من الشهداء والجرحى. وبسبب التواطؤ الإقليمي والصمت العربي قام الاحتلال بصب النار على كل بيت في غزة، وبعض الإحصاءات تقول بأن الصواريخ والبراميل المتفجرة التي ألقيت على غزة تعدل أكثر من ست قنابل نووية كالتي ضربت هيروشيما إبان الحرب العالمية الثانية. 

ولعل هذه الحرب أظهرت بعض السياسات العربية الموتورة والتي لم تعد تفرق بين العدو والصديق، حتى أنها باتت تُنظِّر عبر إعلامها بكراهية غزة وشيطنتها. فالمقاومة الفلسطينية لم تكن تحارب إسرائيل وحدها في هذه الحقبة الزمنية الهزيلة من التاريخ العربي، وإنما وقفت تلك الفصائل ضد الأجندات الإقليمية، فالجبهة المصرية التي لم تكن وسيطاً نزيهاً البتة حسبما تقول معظم الأصوات القادمة من الكنانة، لرغبة مصر السيسي بكبح جماح حركة حماس التي تعتبر آخر قلاع جماعة الإخوان المسلمين بالمنطقة العربية ذات الحراك القوي والعمل الدؤوب، وكذلك السلطة الفلسطينية التي تؤمن بمشروع المفاوضات والذي لم يحقق شيء على الأرض للمواطن الفلسطيني، فلا أقل من أن يسقط المشروع الآخر وتشوه صورته أمام أهل غزة والضفة. وكذلك دول أخرى تخشى سقوط نظامها القائم بسبب الخلاف مع جماعة الاخوان المسلمين وجماعات إسلاموية أخرى.

ولكن رغم ذلك، لم تنكسر إرادة الفلسطينيين، ولم يفت عضدهم كل التآمر العربي والغربي على قضيتهم لإيمانهم الراسخ بأن المقاومة هي الحل الأوحد في مواجهة العدوان. ولقد نجحت المقاومة الفلسطينية بتحقيق العديد من القضايا على الصعيد المحلي والعربي والدولي، فقد حققت قوة الردع وعملت على إحداث حالة من التوازن في صراعنا مع المحتل، فكما أن هناك دمار ففي المقابل داخل دولة الاحتلال دمار وإن كان أقل بكثير مما جرى في غزة، وإن كان هناك تهجير فمنطقة غلاف غزة هجرت بأكملها مما ضغط على نتنياهو بشكل كبير لأن يطالب بوقف الحرب على غزة.

كي الوعي لم يعد ينطبق على الفلسطينيين وحدهم، فالإسرائيليون باتوا يحسبون ألف حساب لخوض معركة ضد غزة التي تمترست خلف خنادقها وأنفاقها وصواريخها وهاونها. وإسرائيل باتت على يقين بأن القوة الفلسطينية تتزايد وهو ما يطالبها اليوم أن تطلب من حلفائها العرب بكبح جماح حركات المقاومة وتحديداً حركة حماس كي لا تبني قوتها من جديد وتؤسس لمرحلة جديدة قوية في الصراع مع المحتل. ورغم أن الاتفاق الذي وقع في القاهرة سيفشل لأن إسرائيل لن تلتزم به بسبب خيانة وضعف الأطراف المباشرة المشرفة على الاتفاق، إلا أن المواطن الفلسطيني يؤمن بأن الضامن الوحيد لأي اتفاق هو البندقية.

لقد نضجت فصائل المقاومة وإعلامها وجنودها بشكل جيد وتحللوا من المراهقة السياسية والعسكرية، مما يؤهلهم لأن يرسموا مساراً جديداً نحو النصر، فقد أصبح التوحد في الميدان شعار المقاومين، وزاد على ذلك الالتفاف الجماهيري والشعبي إلى جانب الفصائل الوطنية التي أعادت الكرامة للأمة ولكل حر في هذا العالم.

إن المرحلة القادمة ستؤسس لتحرير حقيقي، واستعادة أراض محتلة طالما بقي الطواغيت في معزل عن محاربة المقاومة وحماس، لأن الأخيرة ومن سار في ركبها يؤمنون بأن مشروع التحرير قاب قوسين أو أدنى خصوصاً بعد عملية (الجرف الصامد) لأنها أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك من أن إسرائيل أضعف وأوهن من بيت عنكبوت قامت على الخيانات العربية وستزول بزوال الأنظمة الدكتاتورية. فهل سنشهد تغير دراماتيكي في المنطقة يسهم بتحقيق مشروع التحرير أم أن تلك النظم الحليفة لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ستتعاظم حتى تقضي على آخر القلاع المنتصرة؟