الحكومة اللبنانية تبدأ لعبة التضليل
الحكومة اللبنانية تبدأ لعبة التضليل
أمير أوغلو / الدانمارك
عندما رفضت الحكومة اللبنانية فكرة التحقيق الدولي تمسكا بحرية القرار اللبناني وبنزاهة وعدالة وقدرة القضاء والأمن اللبنانيين على اكتشاف الحقيقة, قلنا في أنفسنا: لعل الدولة هذه المرة ولعظم الكارثة ستبذل فعلا جهدها وستستخرج لنا الحقيقة من وسط الظلام الدامس ومن بين تراكمات الحدث الرهيبة, وستعينها في ذلك المخابرات السورية التي تسيطر على الوضع في لبنان والتي تهددنا بانفلات الأمن في حال خروجها منه, كما أن حزب الله الذي له أجهزته الإستخباراتية وله المصلحة الكبرى في رفع التهمة عن سوريا سيعين الحكومة في هذه التحقيقات ويقدم لها العون والمساعدة.
بعد أيام قليلة من حادثة الإغتيال ومن تسليم الملف للقضاء اللبناني بدأت المناورات والحيل المكشوفة التي يشتم منها رائحة المخابرات السورية العبقرية والتي مازالت تعيش في أجواء محاكم التفتيش, نشرت الحكومة اللبنانية أخبارا عن اكتشاف مجموعة من الشباب المسلمين الملتحين الذين غادروا لبنان إلى أستراليا في نفس اليوم الذي وقعت فيه التفجيرات وقيل إنهم على علاقة بالحادثة وأن السلطات طلبت من استراليا توقيفهم والتحقيق معهم . إستبشرنا طبعا خيرا وتعجبنا من سرعة ودقة أجهزة التحقيق اللبنانية وقلنا في أنفسنا: هذه بالتأكيد بقية العصابة التي أعلنت عن نفسها في الشريط المشهور الذي بثته الجزيرة ونحن فعلا أمام حركة أصولية متطرفة هي التي قامت بالإغتيال .
بعد ساعات من إعلان السلطات اللبنانية جاء الرد من أستراليا صاعقا ومخيبا لآمالنا وآمال الحكومة اللبنانية ومعها المخابرات السورية, (والتي يبدو أنها نسيت أن ترشوَ الشرطة الأسترالية) فقد تبين أن هؤلاء الشباب كانوا من المقيمين في استرالينا ومنهم من لايتكلم العربية إلا بصعوبة وكانوا عائدين من الحج وأمضوا بعض الأيام لزيارة لبنان وأقاربهم فيها وهم ينتمون إلى جماعة صوفية لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالإرهاب ولا بالقتل ولا بالإغتيالات جريمتهم الوحيدة أنهم ملتحون وأنهم غادروا بيروت في نفس يوم الحادث.
الملفت للنظر في القصة هو تأكيد التحقيقات اللبنانية أنها اكتشفت آثار متفجرات على كراسي الطيارة التي حملت هؤلاء إلى أسترالينا, بينما تقول التحقيقات الأسترالية أنها لم تجد شيئا لا على ثيابهم ولا في دمائهم ولا في عرقهم ولا في جلودهم فمن أين أتت قصة الآثار هذه ؟
إذا كانت هذه هي الوسائل والطرق التي ستعتمد عليها السلطات اللبنانية وهذا هو الإتجاه السائد في التحقيق وهذه هي أصناف الناس الذين تبحث عنهم التحقيقات فأبشر بطول سلامة أيها القاتل.
إن بدء التحقيقات التي ستتولاها السلطة اللبنانية لوحدها كما زعمت والتي ترفض المشاركة الدولية فيها, بهذه السخافات والقصص المضللة والتي يقصد من خلالها تضييع دم الحريري بين القبائل إنما هو تأكيد لأقوال المعارضة التي لا تثق بهذه الحكومة ولا بتحقيقاتها ولا بعدالتها ولابنزاهتها, هذا الأسلوب المتخلف في التحقيق وفي رمي التهم على عواهنها على كل من هب ودب ومحاولة إلباس التهمة لأناس لا يقدرون على دفعها عن أنفسهم وترك الجاني الحقيقي حرا طليقا, هذه التصرفات لن تفيد الحكومة ولن تفيد سوريا التي لها المصلحة الكبرى في كشف الجاني للتخلص من الضغوط , وستصب نتائج هذه الأعمال في خانة المعارضة لتقويها وتدعم موقفها أمام الشعب وأمام الرأي العام العالمي . |
رفيق الحريري |
إن من الأشرف للسلطات اللبنانية والمخابرات السورية أن تعترف بعجزها وأن تستعين بالمحققين الأجانب مع المشاركة العملية في التحقيق والإشراف عليه فهو خير لها وأحفظ لكرامتها من أن تظل تتخبط أمام الناس في مثل هذه القصص التي ستزيدها عزلة وستزيد من مشاكلها وستجعل الذين مازالوا يثقون بها يتخلون عن هذه الثقة.
20 شباط - فبراير 2005