أوباما وقناعه الذهبي الذي ظهر به أمامنا!!

فيصل الشيخ محمد

فرح العرب كثيراً بالخطاب الذي ألقاه باراك حسين أوباما في قاهرة المعز ومن على أهم منبر علمي (جامعة القاهرة)، وقد دغدغ في خطابه مشاعر العرب وعواطفهم محاولاً إقناعهم بأن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة أوباما هي غير إدارتها في عهد بوش الذي أعلن بشكل واضح وصريح وبلا مواربة أنه سيشن حرباً صليبية على العرب والمسلمين.. وبالفعل احتلت الجيوش الأمريكية العراق وأفغانستان، وارتكبت ولا تزال ترتكب أفظع الجرائم في أرض البلدين، إضافة على ذراعها الطويلة التي تضرب في الصومال وباكستان.

وظن العرب - واهمون - أن أوباما جاء ليصحح أخطاء بوش ويغير من نمط تعامل الولايات المتحدة مع العرب والمسلمين، وأعلن عن موعد لإغلاق سجن غونتنامو السيئ السمعة وكل السجون الأمريكية التي أقيمت في كثير من بلدان العالم في عهد بوش وأساءت للعدالة الأمريكية وسمعتها كدولة متحضرة وقائدة للديمقراطية في العالم، وفتح صفحة من العلاقات الحسنة والاحترام المتبادل بين أمريكا والعرب والمسلمين، والوقوف على مسافة واحدة بين الصهاينة والعرب بالنسبة لقضية فلسطين، وحلها - كما وعد - بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة خلال سنة أو سنتين، وطالب إسرائيل علناً بوقف الاستيطان، ومباشرة المفاوضات مع الفلسطينيين والسوريين.

وراحت أقلام الكتاب العرب - وأنا منهم - نطالب بإعطاء أوباما والإدارة الأمريكية الفرصة لتصحيح ما ارتكبه بوش من فواحش وموبقات وفظائع بحق العرب والمسلمين على مدار ثماني سنوات هي عمر ولايتي بوش، معتقدين أن الرئيس الأمريكي هو من يقرر السياسة الأمريكية وتوجهاتها وأجندتها، متأثرين بما عشناه ونتعايشه في منظومة دولنا العربية حيث كل السلطات والسياسات والمخططات في داخل الدول وخارجها هي من تصميم وإخراج وتنفيذ رأس النظام، وليس هناك من مؤسسات دستورية أو قانونية تنظم هذه السياسات أو تقررها.. بعكس الولايات المتحدة التي تنظم سياستها الداخلية والخارجية وتقررها مؤسسات تشريعية ودستورية أهمها الكونجرس الأمريكي الذي تسيطر عليه شخصيات صهيونية نافذة وفاعلة وهو فوق الرئيس وسلطته، فالرئيس في الولايات المتحدة لا يستطيع تعيين وزير إلا بموافقة الكونجرس، ولا يستطيع إنفاق دولار واحد إلا بعد موافقة الكونجرس ولا يستطيع أن يعقد اتفاقاً مع أي دولة وفي كل المجالات إلا إذا وافق الكونجرس، وهذا قد لا يعرفه الكثيرون من العرب.. بعكس ما هي أنظمتنا العربية عليه، حيث يقوم رأس النظام بسن مراسيم خلع الحكومات وتعيين الوزراء وتنحية القادة العسكريين وتعيين البعض في المناصب التي يقررها دون العودة إلى أية مؤسسة تشريعية أو قضائية أو استشارية تعنى وتهتم بمصالح الوطن!!

نعود إلى موضوع أوباما الذي لعب برؤوسنا وضحك بكلامه المعسول على لحانا.. أوباما هذا قبل أن يأتي إلى القاهرة ليعلن عن سياسة إدارته الجديدة تجاه العرب والمسلمين، مبشراً بالتبدل الجذري لسياسة الولايات المتحدة تجاه أهم قضية تخص العرب والمسلمين، قضية فلسطين، وأنه جاد في العمل لإيجاد حل عادل لها، التقى بقادة يهود أمريكا ليطمئنهم بأن إسرائيل وأمن إسرائيل ليس فيه أي مساومة أو تنازل، ولعل خطابه الذي ألقاه لدى لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية يعطينا الصورة واضحة عن حقيقة سياسة باراك حسين أوباما الحقيقية التي غفلنا عنها في لحظة نشوة ما سمعناه في القاهرة.

شدد أوباما في خطابه قائلاً لليهود الأمريكيين الذين يمسكون بخناق أهم وأكبر سلطة تشريعية في الولايات المتحدة (الكونجرس):

(يجب أن نستمر في حصار حماس حتى يتوقفوا عن أعمالهم الإرهابية ويعترفوا بحق إسرائيل في الوجود وأن يلتزموا بالاتفاقات السابقة.

لا يوجد مكان على طاولة المفاوضات للمنظمات الإرهابية، وهذا كان سبب رفضي لانتخابات عام 2006 عندما كانت حماس منضمة في الاقتراع. كلاً من السلطات الإسرائيلية والفلسطينية قاموا بتحذيرنا في وقتها من إقامة هذه الانتخابات، ولكن هذه الإدارة مضت قدماً والنتيجة هي (غزة) تحت سيطرة حماس، وصواريخ تمطر على إسرائيل.

يجب على مصر أن تقضي على عمليات تهريب الأسلحة إلى غزة.

أي اتفاقية مع الفلسطينيين يجب أن تحترم هوية إسرائيل كدولة يهودية، دولة ذات حدود آمنة، سالمة ومحصنة.

القدس ستبقى عاصمة إسرائيل ولن تقسم.

اتحادنا قائم على مصالح مشتركة.

هؤلاء الذين يهددون إسرائيل يهددوننا.

إسرائيل كانت دوماً في الخطوط الأمامية في مواجهة هذه التهديدات، وسوف أتقدم للبيت الأبيض بالتزام لا يتزعزع تجاه أمن إسرائيل، والذي يبدأ بضمان كفاءة القدرة العسكرية الإسرائيلية. سوف أضمن أن إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها من أي تهديد من غزة إلى طهران.

الدفاع المشترك بين إسرائيل وأمريكا يعتبر مثال للنجاح ويجب أن يعمق، وكرئيس سوف أتقدم بمذكرة تنص على تقديم 30 بليون دولار في شكل مساعدات لإسرائيل خلال العقد القادم استثمارات لأمن إسرائيل والتي لن يقدم مثلها لأي دولة أخرى، وبالمضي قدماً، يمكننا أن نعزز التعاون فيما بيننا حول الدفاع الصاروخي، وسوف نقوم بتصدير المعدات العسكرية إلى حليفتنا إسرائيل في نفس إطار المبادئ التوجيهية لحلف شمال الأطلسي، وسوف أدافع دوماً عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في الأمم المتحدة وحول العالم. وكرئيس لن أقدم أية تنازلات إذا ما تعلق الأمر بأمن إسرائيل).

بعد هذا الذي قاله باراك حسين أوباما لليهود في واشنطن وما قطعه من وعود لهم، لا يمكننا أن نصدق أي شيء مما قاله في القاهرة، ولعل أيام أوباما القادمة ليست أقل سوء من أيام سلفه بوش، ولعل صراحة بوش ووضوحه كانت تسهل علينا فهم السياسة الأمريكية ويمكننا الحذر منها (ولم نفعل)، أما أوباما الذي جاءنا بقناع ذهبي اللون سيجعلنا في حيرة من أمرنا وانقسام في آرائنا نحو سياسة الولايات المتحدة الحقيقية تجاهنا وتجاه قضايانا (فماذا نفعل)؟!