هذه هي أسباب الاضطرابات في اليمن
محمد صالح الشمّري
"الانفصال هو الحل" رفعه أحد المدافعين عن وحدة اليمن- بغض النظر عن دوافعه!! أحد مساعدي بن لادن: الشيخ طارق الفضلي+ الذي حارب في صيف 1994 بشراسة ضد محاولات الانفصال التي قادها علي سالم البيض الذي كان يومها نائباً للرئيس اليمني علي عبد الله صالح ومن يومها أصبح من أركان الحكم في دولة الوحدة.. حتى منتصف شهر نيسان حيث فجر قنبلة من النوع الثقيل بقوله: "إن ما يتعرض له الجنوب هو استعمار!!! من قبل الشمال.. وأن الانفصال هو الحل.." و: "الجميع مجمعون في كل قيادات الحراك ومكوناته على العمل للوصول إلى الاستقلال التام حتى يصبح الجنوب للجنوبيين فقط" فماذا حدى مما بدا؟!
قد لا يكون موقف الشيخ الفضلي نموذجاً في هذا المجال.. ولكنه حتماً عينة من المواقف التي أيدت، سابقاً، بكل القوة وحدة اليمن ولكنها اليوم تتعاطف بدرجة أو أخرى مع مظالم اليمنيين الجنوبيين.. حيث تتسع الهوة المعيشية بين أهل الشمال (الذين اعتادوا على مناخات الاقتصاد الحر) وسكان الجنوب الذين اعتادوا على النهج الاشتراكي والسلع المدعومة من قبل الدولة والعمل كموظفين في القطاع العام..
والسؤال هو: ماذا يحدث في اليمن.. ولماذا.. وكيف السبيل للخروج من هذا الحالة المتردية والمنذرة بخطر كبير؟!!
أما الجزء الأول من السؤال فإن جوابه هو: أن اليمن –الذي كان سعيداً- يطبق عليه فكا كماشة من شماله وجنوبه.. فالحوثيون المدعومون والمدفوعون من قبل إيران يشنون حرباً (مذهبية) انتصاراً لولاية الفقيه!! ويوقعون بالبلد خسائر كبيرة على مختلف الصعد..
وفي الجنوب ثمة احتجاجات واسعة على مظالم اقتصادية وسياسية يشتكي منها أهل الجنوب. تحولت هذه الاحتجاجات إلى صدامات مسلحة بين المحتجين والقوات الحكومية.. سائرة في طريق التعقيد الشائك شيئاً فشيئاً.. حتى وصل الأمر ببعض القيادات الجنوبية إلى حد المطالبة بالانفصال.. الفضلي نموذجاً..
لا يخفى على ذي عينين أن الخطر المحدق باليمن السعيد هذا الخطر الذي بدا من بين عبارات الرئيس اليمني بقوله: "عندنا همّ تنموي.. عندنا هم ثقافي.. عندنا هم صحي.. عندنا هموم كبيرة ليش نشغل أنفسنا بالقضايا الصغيرة؟ عبر عن رأيك بطرق ديمقراطية وبمسؤولية لا تخلق ثقافة الكراهية الشطرية".
الأمر الذي يتطلب من العقلاء في اليمن وخارجها -وهذا لعله أهم وأجدى-.. أن يبادروا إلى معالجة الموضوع ورأب الصدع وتدارك اليمن قبل أن تقع الفأس بالرأس كما يقولون.. لا سمح الله وقدر..
+هونجل السلطان ناصر بن عبد الله الفضلي آخر سلاطين السلطنة الفضلية، التي ألغيت مع بقية السلطنات في 1967 بعد خروج الاستعمار البريطاني نهائيا من جنوب اليمن. وهو من مواليد مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية في ستينيات القرن المنصرم، قطع دراسته المتوسطة والتحق بالمعسكر الجنوبي في شمال المملكة العربية السعودية فيما يعرف بقوة السلام الخاصة (تبوك) كجندي لمدة حوالي ثلاث سنوات، ثم غادر إلى أفغانستان للالتحاق بمعسكر المجاهدين العرب ضد الاحتلال السوفيتي، بعد ذلك عاد إلى المملكة ومنها إلى اليمن الشمالي سابقا.
سجنته المخابرات اليمنية لمدة ثلاث سنوات وأطلق سراحه بعد الوحدة في 1990 ثم أعيد سجنه بطلب من الحزب الاشتراكي الشريك في الحكم آنذاك بتهمة محاولة اغتيال أحد قياديه، وأطلق سراحه عند نشوب حرب صيف 1994م التي شارك فيها ضد الانفصال.
أما لماذا يحدث لليمن كل هذا المكروه.. فإن في المسألة تفصيل:
لا شك أن السبب مركب وليس بسيطاً.. ويتألف من عدة عوامل منها:
* الفساد الإداري: وتفشي المحسوبية والواسطة في أجهزة الدولة.. وهذا لا ينحصر في الجزء
الجنوبي من البلد –موطن الاحتجاجات- بل يشمل كل جزء من أرض اليمن السعيد إلا وطأته أشد على جنوب البلاد التي درجت أصلاً على دعم الدولة لأساسيات الحياة ولكن بعد الوحدة وسقوط النهج الاشتراكي أصبحت معاناة الجنوبي مريرة. بحيث جعلته يفكر بأن الوحدة هي التي أدت به إلى هذه الحياة البائسة حيث يتحدث الجنوبيون عن: تسيّد أهل الشمال عليهم وإطلاق الانتهازيين والفاسدين والطامعين بالإثراء غير المشروع.. ومن التوزيع غير العادل للثروة والسلطة.. واستمرار بل زيادة التخلف في الجنوب على جميع الأصعدة: التعليم، الصحة، البنية التحتية.. الخ الخ
* الرضوخ المذل لشروط البنك الدولي والمؤسسات المالية الغربية: التي تفرض تحرير الأسعار ورفع الدعم عن رغيف الخبز في بلد فقير كاليمن وفي جنوبه بشكل خاص حيث كانت الدولة - في العهد الشيوعي- تقوم بدور حمائي للمواد الأساسية والاستهلاكية.. كما أن القطاع العام جعل الناس –في الجنوب- يعتمدون على الوظيفة وراتبها المتواضع الذي يتآكل بسرعة واستمرار في مناخات التضخم والأزمة المالية العالمية.. الخ.. كل ذلك أخرج المواطن الجنوبي عن طوره وجعله يتجاوب مع من يستهدفون الوحدة لغايات في نفس يعقوب..!!
* أما ثالثة الأثافي- وهذه ينبغي أن تكون هي رقم / 1/ إنها إيران... فبصماتها في الشمال مع الحوثيين لا تخطئها عين مهما كانت كليلة.. أما في الجنوب فإنها تحتاج إلى توضيح حيث يعمل النظام على بناء (إمبراطورية فارسية) على حد تعبير دراسة صادرة عن معهد الشرق الأوسط بموسكو التي تقول: " ان الفرس وعلى عكس العرب يتمتعون تاريخيا بذهنية اقامة الامبراطورية واللعب بأدوار تبشيرية في المنطقة.. ان هدف القيادة الايرانية من البرنامج النووي توفير ظروف مأمونة لاقامة دولة اقليمية فارسية كبرى.. وإن الناخبين الإيرانيين يصوتون لزعماء متعصبين قوميا...." أ.هـ فمن باب تحصيل الحاصل أن تعمد إيران، بعقليتها هذه، إلى إضعاف أمن منطقة الخليج بشكل عام ونشر الفوضى ما أمكن لكي تظل هي الدولة الأقوى في المنطقة بشكل عام وتمسك بالعديد من الخيوط في الوقت نفسه.. إذن وبدون تردد يمكن القول إن إيران صاحبة مصلحة واضحة في مثل هذه الاضطرابات والخلخلة الأمنية في المنقطة التي يمكنها بالفعل أن تبعد النظر وتشغل الجميع عن برنامجها النووي الذي تسير فيه بعزم وإصرار وعناد لا مثيل لها..
أما الشطر الأهم من السؤال: كيف السبيل للخروج من هذه الحالة المتردية؟!!!
فهو مبادرة المخلصين من داخل اليمن ومن خارجه إلى التدخل لجمع الأطراف كلها: الحكومة والمعارضة في الداخل والتي في الخارج بكل أطيافها وتوجهاتها للحوار الجاد والمخلص حول الأمور التي أدت إلى تدهور الوضع إلى هذا الحد ولا شك أن مسؤولية الرئاسة كبيرة في الأخذ على البطانة السيئة التي أدت مطامعها إلى هذا الوضع.. كما أن لمؤسسات المجتمع اليمني الأهلية الذي شهد له المصطفى صلى الله عليه وسلم بالحكمة.. دور في فرملة وتحجيم الاستياء لدى المواطن الجنوبي ووضعها في حدودها الحقيقية والحيلولة دون وصولها إلى المواطنين أي بين شماليين وجنوبيين فالمواطن العادي الشمالي والجنوبي على حد سواء يكتوي بنيران الفساد والغلاء واستغلال السلطة.. والوحدة اليمنية لا يمكن بحال من الأحوال تحميلها مسؤولية كل هذا السلبيات..
أما ما يتعلق بالأصابع الإيرانية التي تلعب بنيران اليمن فهي تحتاج إلى تكاتف من قبل الدول العربية وبشكل خاص من النظام العربي (الرسمي) وإلى دعم حقيقي لليمن حكومة وشعباً للخروج من هذه المحنة واستعادة عافيته لكي يتغلب بعون الله ومن ثم جهود محبي اليمن من حكومات وأحزاب ومؤسسات مجتمع يمني في الدول العربية على هذه المحنة التي تتهدد وحدته وقد تؤدي إلى شرذمته لا قدر الله إذا تقاعس من لديه جهد مهما قل في درء الفتنة ومساعدة أهل الإيمان والحكمة..
وإلا فإن النيران التي تشتعل في هذا البلد لن تتوقف عند حدوده بل ستمتد وتمتد حتى تحرق بلهيبها كل متقاعس أو متفرج على مصيبة أهله وإخوانه..