السـياســة في الإســلام
السـياســة في الإســلام
خالد أحمد الشــنتوت
إن الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله وبعد :
فإن السياسة في اللغة تولي الرياسة والقيادة ،
وساس الناس تولى رياستهم وقيادتهم ، أما ساس الدواب راضها وأدبها ، وساس الأمور
دبرها وقام بإصلاحها ، والسـائـس رائض ( مروض ) الدواب ومدربها ، والجمع
ساسة وسواس ( المعجم الوسيط ) . السائس إذن هو الرجل الذي يتولى ترويض الخيول
والعناية بها ، ويدربها على عملها ، ومن التمعن في عمل السائس نجد ما يلي :
1ـ يتقرب السائس إلى الحصان بتقديم الطعام والماء إليه عدة أيام متتالية ؛ حتى يألفه الحصان ، ثم يداعبه فيمرر يده على ظهره . والمعروف أن المهر ( الحصان الصغير ) يقفز ويجمح إذا لمسه إنسان ما ، وخاصة إذا لمس ظهره وكأنه يجن إذا مد أحدهم يده على ظهره .
2ـ يهدف السـائس من تقربه للحصان إلى ترويضه كي يحقق الغاية التي وجد الحصان من أجلها ، فيصبح أليفاً يمتطي الإنسان ظهره ، ويحمل عليه أمتعته .
3ـ لا يستخدم السائس العنف مع الحصان ، ولو استخدمه مرة واحدة لفشل في مهمته ؛ لأن الحصان أقوى من السائس بدنياً ، ولا يتمكن السائس من هدفه بالعنف ، كما يتعطل الحصان عن تحقيق غايته .
ولـدى عـامة العرب ، وخـاصة في شمـال إفريقية ، وأخص العامة الذين لم يتلوث فكرهم بالجاهلية الأوربية الحديثة ، تعني كلمة سياسة عندهم ( اللطف واللين والتمهل ) وهي عندهم مناقضة للغضب والعنف ، ويقول العامة افعل ذلك بالسياسة أي افعلـه بلطف وتمهـل بلا غضب ولا تسـرع ، وإذا رأى أحـدهم زميله متعجلاً قـال له : ( بالسياسة ) أي باللطف واللين والتمهل .
فما علاقة اللطف واللين والتمهل بالسياسة ؟
بما أن السياسة قيادة الجماهير ، والجماهير معظمهم من عامة الناس ، تغلب عليهم الفطرة ، إذا لاطفهم السياسي باللين ؛ وتودد إليهم بتأمين مصالح دينهم ثم دنياهم ، فإنهم يحبونه ويثقون به ويسمعون منه ، فيسهل عليه قيادهم . ويتضح لنا منذ الآن أن العسكرية مفهوم مناقض للسياسة ، فالعسكرية تقوم على العنف والغضب ، لأن الغضب لازم للمقاتل ، بينما تقوم السياسة على اللطف واللين ، ويحاول العسكري تحقيق هدفه في أقصر وقت ممكن ، وبالسرعة القصوى ، بينما يمشي السياسي نحو هدفه بالتمهل ، والسرعة البطيئة . ومما يؤكد ذلك أن الحرب تبدأ عندما تفشل السياسة ، وإذا قامت الحرب قطعت العلاقات السياسية لأنهما متناقضان لايجتمعان معاً. فالسياسي يقود الأمة، والعسكري يدافع عنها فيقتل أعداءها، ويذود عن حدودها ، والسياسي يقود العسكري أيضاً لأن الجيش قطاع من قطاعات الأمة ([1]).
فمن هو السياسي إذن ؟ هل هو ضابط كبير ؟ أم هوضابط متقاعد ؟ أم هو الأستاذ الجامعي ؟ وخاصة ذاك الذي يدرس العلوم السياسية ؟ وبالتالي هل السياسة علم أم فن ؟ المقصود بالسياسة علم أي أنها معلومات تدرس وتكتسب ، أما السياسة فن أي أنها قدرات فطـرية كالشـعر وغيره من الفنـون التي لا يمكن اكتسابها إذا لم يفطر الإنسان عليها، وقد تعددت الإجابات ومعظمها تلتقي حول إجابتين :
1 ــ السياسـة علـم :
علم يدرس في الجامعات ، وقد خصصت له كليات العلوم السياسية ، والاقتصاد السياسي ، والإدارة السياسية ، حيث يتعلم الطلاب كيف يقودون الجماهير ، ويركز في هذه الكليات على دراسة الجماعة وأساليب القيادة الجماعية ، وعلم النفس الاجتماعي ، وتاريخ الدول .. إلخ ، ولاتنفصل السياسة في الجامعات عن الاقتصاد ، ويتخرج المتعمق في هذه الدراسات ( بعد الدكتوراة ) كخبير في السياسة ، لكن هل يستطيع كل متخرج من هذه الكليات أن يكون سياسياً ناجحاً ، أي قائداً لامعاً تنقاد له الجماهير !؟ والجواب على هذا السؤال تواجهه صعوبات كثيرة ، مشاهدة في الواقع ، فكثير من أساتذة الجامعات لا يصلحون لعمل سوى المحاضرات والبحث العلمي ، وقد يفشل في إدارة مدرسة ابتدائية مكونة من عشرة فصول فقط ، كما نجد عدداً من الزعماء اللامعين قادوا جماهير أمتهم ، وكسبوا ثقة الجماهير ولم يدخلوا الجامعات أبداً ، ومنهم (هتلر) قديماً و(فاليسا) حديثاً وغيرهم .
2ــ السـياســة فـن :
أي أن السياسي موهوب بالفطرة ، زوده الخالق عزوجل بعدة قدرات كالذكاء والحزم والحكمة وقوة الإرادة والجرأة والجلد وغيرها ، فأهلته هذه الصفات للقيادة ، يقول أرسطو : ( بعض الكائنات خلقت للإمرة ، وبعضها للطاعة ، تتصف الأولى بالعقل والتبصر ، والثانية بالخصائص الجسمانية لتنفيذ الأوامر ) ( عبد الكريم الخطيب ، ص 55 ) . كما أن بعض الناس وهبوا قدرات فطرية جعلتهم شعراء ، أو خطاطين ، وسبق القول أن بعض القادة ليس لهم حظ وافر من العلم ؛ ومع ذلك كانوا قادة لامعين .
إلا أننا - على ضوء الإسلام - لا نستطيع أن نقول للرجل الموهوب سياسي لامع، إن لم يكن متفقهاً في الدين ، فالعلم ( وخاصة العلم الشرعي ومنه السياسة الإسلامية ) شرط من شروط الإمام المسلم ( الخليفة ) ، وشرط أيضاً من شروط أهل الحل والعقد ، وشرط من شروط الولاة والعمال ( الأمراء ) أيضاً ( الماوردي ، ص 30 ) .
ونخلص من ذلك إلى أن السياسة علم وفن معاً ، والسياسي الناجح هو ذلك الرجل الموهوب بالصفات اللازمة كالصبر والذكاء وقوة الإرادة وغيرها ، ونال حظاً وافراً من العلم الشرعي ، ثم العلوم الإنسانية ، وخاصة علم السياسة وعلم الاجتماع والاقتصاد وعلم النفس ، ثم درس الإدارة ومارسها لفترة كافية ، عندئذ ينضج ويصبح سياسياً لامعاً يقود الجماهير المسلمة نحو خيرها في الدنيا والآخرة .
3 ـ السياسـة الإسلامية :
السياسة المسلمة : هي قيادة المسلمين إلى مافيه خيرهــم في الدنيا والآخرة ، يقول الفنجري : ( فالسياسة في الإسلام هي علم إدارة شؤون الرعية ورعايتها ، والمعنى الحقيقي لكلمة سياسة هو قول الرسول r :[ وكلكم مسؤول عن رعيته ] ( أحمد شوقي الفنجري ص58 ).
فقد خلق اللـه الناس لعبادته وحده دون غيره ، يعبدونه عزوجل في كل لحظة من حياتهم ، يعبدونه في صلاتهم وسائر الشعائر التعبدية ، ويعبدونه في حياتهم الخاصة والعامة ، في زراعتهم وصناعتهم وتجارتهم ، في حربهم وسلمهم ، في مساجدهم ومدارسهم وشوارعهم ، وفي كل مؤسساتهم الاجتماعية ، وفي كل لحظة من حياتهم ، والسياسة الإسلامية هي قيادة الجماهير المسلمة لتحقيق هذه العبادة ، وجعلها خالصة لله عزوجل ، وحده لاشريك له ، كما جاء به محمد ، يقول الماوردي : ( والذي يلزمه أي الإمام من الأمور العامة عشرة أشياء أولها حفظ الدين على أصوله المستقره وما أجمع عليه سلف الأمة ، فإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه ( عن الدين ) أوضح له الحجة ، وبين له الصواب ، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود، ليكون الدين محروساً من خلل ، والأمة ممنوعة من زلل ) ( الماوردي ، ص 51 ).
وللسياسة الإسلامية أهداف عالمية منها :
1ـ أن تعبد البشرية رباً واحداً فتتحقق الغاية من خلق الجن والإنس ] وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [ـ ( الذاريات : 56 ) .
2ـ أن يعم مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في البشرية جميعاً ] كنتم خير أمة أخرجت للنـاس ، تأمـرون بالمعروف وتنهـون عن المنكـر وتـؤمـنون باللـه...[ ( آل عمران : 110 ) .
3ـ تبليغ البشـريةكـافة دعوة الإسـلام]وكذلك جعلناكـم أمة وسـطاً لتكـونوا شهداء على الناس [ ـ ( البقرة : 143 ) .
4ـ أن تــزول الفتـنـة مـن الأرض كـافة ]وقاتلـوهم حتى لا تكـون فتنة ويكون الدين كله لله [ـ ( الأنفال : 39 ) .
5ـ فتح البشرية جميعاً وقبولهم لحكم اللـه عزوجل ( حسين جابر ، ص 131 ) .
السـياسـة جـزء مـن الإســلام
وفي الختـام يتضح أن السياسة جزء من الإسلام ، ويتضح أن الإسلام لا يقوم بأفراد ، بل في مجتمع ، وكل مجتمع لابد له من سياسة ، وقد أخرج الدارمي موقوفاً عن عمر رضي اللـه عنه أنه قال : [ ...إنه لا إسلام إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمارة ، ولا إمارة إلا بطاعة ... ] ( الدارمي (1/79) ، انظرحسين جابر ، الإهداء ) . فالإسلام لايقوم بأفراد ، والفرد وحده لايقيم صلاة الجماعة ، ولا يقيم أسرة مسلمة أو مجتمعاً مسلماً ، ولا يجاهد أعداء اللـه إلا في جماعة ، ولا جماعة إلا بإمارة ، ولا إمارة إلا بطاعة ...وهذه هي السياسة ، فلا يكون المجتمع مسلماً بدون سياسة مسلمة كما سنرى .
ومن التاريخ والواقع نجد أعداء المسلمين جماعات ، بعضها دول وبعضها عدة دول مجتمعة ، وقد زال الاتحاد السوفياتي واتحد الغرب مع الشرق غير المسلم ، ليكونوا قوة واحدة في وجه المسلمين ، بما يسمى النظام العالمي الجديد ، وعلى المسلمين أن يجاهدوا الخطر بما يوازيه ويكافئه ، وعلى المسلمين أن يتحدوا لمواجهة هذه الأخطار العالمية المتمثلة بالصهيونية والصليبية ، لذلك لا بد من السياسة للمسلمين كي توحد أمتهم في وجه أعدائها .
ويقول الفنجري : الإسلام لايفرق بين السياسة والدين ، بل إن العمل السياسي الصالح خير عند اللـه ثواباً ومنزلة من مزيد من العبادات فرسول اللـه يقول : [ عدل حكم ساعة خير من عبادة سبعين سنة ] ([2]).. ويقول عزوجل :] الذين إن مكناهم في الأرض أقامـوا الصلاة وآتـوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهـوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور [ـ ( الحج : 14) .
واللـه تعالى يربط بين الصلاة وهي فريضة تعبدية والزكاة وهي ضريبة اقتصادية ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو ممارسة سياسية ( أحمد شوقي الفنجري ، ص 61 ) .
ويقسم أبو حامد الغزالي علوم الحياة إلى قسمين :
1ــ علوم غير متصلة بالدين كالطب والحساب وغيرهما .
2ــ علوم متصلة بالدين ومنها علوم الفقه والتوحيد وعلم السياسة وعلم الاجتماع ، وهكذا يعتبر فقهاء الإسلام أن السياسة فرع من علوم الدين ( المرجع نفسه ، ص 62 ) .
ابـن تـيميـة والسـياسـة :
يقول عبد الرحمن عبد الخالق : ( كل من يدرس بإمعان سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية سيجد أنه كان قائد جماعة تلتزم بأمره ، الذي يوجهه إليها كأمر وليس موعظة ، وكانت جماعته عاملة قائمة للدعوة والجهاد في سبيل اللـه ، متآلفة ومتعاونة ينصر بعضها بعضاً ويوالي بعضها بعضاً ، وكان رحمه اللـه إمام أمة يطبق الحدود الشرعية فيما يستطيعه ، ويغير المنكر باليد واللسان ويبث أنصاره ودعاته في كل مكان ) . ( مشروعية العمل الجماعي ، ص9 ) .
كما ركز ابن تيمية رحمه اللـه على الإصلاح السياسي من خلال أمور ثلاثة :
الأول : بناء تصور سليم للحكم الإسلامي .
الثاني : إقامة حكومة قوية .
الثالث : بعث روح الجهاد والمقاومة لمواجهة الأخطار الخارجية .
ويتضمن كتابا السياسة الشرعية ، والحسبة في الإسلام الجانب الأول ، أما الجانب الثاني فقد حاول إقناع أمراء المماليك بأفكاره حول الحكومة القوية ، وكان بعض الأمراء من تلامذته مثل كاتوغا المنصوري ، وكان في الصف الأول من المعركة عندما لاح خطر المغول ، وشارك في الحملة ضد الباطنيين في جبل كسروان ([3]) .
وقال تعالى : ] ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر[ ـ ( آل عمران : 104 ) ، واللام في ] ولتكن [ للأمر ، والأمر للوجوب وقال العلماء المقصود أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشــأن ، وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمـة بحسبه ( تفسير ابن كثير ) ] ولتكن منكم أمة [ أي ليكن بعضكم دعاة إلى الخير ( الإسلام ) ، ويقول بعض العلماء أيضاً ] ولتكن منكم أمة [ أي ولتكونوا أمة داعية إلى الخير ، أي كلكم وليس بعضكم ، فالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات كل فرد مسلم .
ويقول سيد قطب ( في الظلال (1/444) ) : وإذا أمكن أن يقوم بالدعوة إلى ( الخير ) غير ذي سلطان ، فإن ( الأمر والنهي ) لا يقوم بهما إلا ذو سلطان... إنه لابد من سلطة تقوم على الدعوة إلى الخير والنهي عن الشر ، سلطة تتجمع وحداتها وترتبط بحبل اللـه وحبل الأخوة في اللـه ؛ لتحقيق منهج اللـه في حياة البشر ... ومن ثم فلا بد من جماعة لتقوم على هذا الأمر العسير الشاق بقوة الإيمان والتقوى ، وقيام هذه الجماعة ضرورة من ضرورات المنهج الإلهي ذاته ، كما قامت الجماعة المسلمة الأولى في المدينة ، وعلى مثل ذلك الإيمان والأخوة يقوم منهج اللـه في الأرض في كل زمان .
العمـل الجمـاعـي هـو العمـل السـياسـي
وعن ابن عمر رضي اللـه عنهما قال خطبنا عمر بالجابية فقال : يا أيها الناس إني قمت فيكم كمقام رسول اللـه r فينا ، قال : [ أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يفشو الكذب ، حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ، ويشهد الشاهد ولا يستشهد ، ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ، عليكم بالجماعة ، وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد ، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ، من سرته حسنته وساءته سيئته ؛ فذلكم المؤمن ] ([4]).
فالجماعة هم الملتقون في اللـه ، المؤتلفون على دينه مهما كان عدد الجماعة ضئيلاً، وأشد ماتكون الحاجة إلى الجماعة عندما يعم الفساد ويطغى الباطل ، وعلى هذا فالعمل في جماعة لإعادة حكم اللـه في الأرض فرض لازم في عنق كل مسلم ، لأن معظم تكاليف هذا الدين جماعية ، ولايستطيع المسلم أن يمارس دينه كما يريد اللـه إلافي مجتمع مسلم . وكذلك مالايتم الواجب إلابه فهو واجب ، فإعادة الخلافة إلى الأرض فرض ، والعمل من أجل قيامها فرض أيضاً .
ويقول تعالى : ] والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير[ ـ ( الأنفال : 73 ) . أي إن لم يتول المؤمنون بعضهم بعضاً كما يتكاتف الكفار جميعاً عليهم وينصر بعضهم بعضاً ضد المؤمنين فإن فتنة الشرك تعم الأرض بانتصار الباطل (صادق أمين ، 30 ) ، وكل أمر لا يتم إلا بالاجتماع عليه فالجماعة له واجبة ، كما هو مقرر في أصول الفقه ، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فالجماعة فرض للقتال ، وصلاة الجماعة والجمعة والعيدين ، ولاتقوم الدعوة إلى الإسلام إلا بجماعة ، ليكون الدين كله لله .
ولايجوز للمسلمين أن يبيتوا ليلة بغير إمام يقودهم بكتاب اللـه وسنة رسوله r ، وإلا كانوا آثمين ( مشروعية العمل الجماعي ، 9 ) ، وقد أجل صحابة رسول اللـه وفيهم العشرة المبشرون بالجنة ، أجلوا دفن رسول اللـه حتى بايعوا أبا بكر الصديق ، ولم يبيتوا بدون خليفة . فالسياسة من الإسلام ، ولايقول خلاف ذلك إلا أحد ثلاثة :
1ــ مسلم يترك السياسة لأنها على حد زعمه تلهي عن اللـه وعن الدار الآخرة .
2ــ مسلم يترك السياسة سياسة ، لأن الدولة الإسلامية في نظره ستقوم نتيجة إيصال الإسلام إلىكل إنسان ، وتربيته عليه ( سعيد حوى ، جند اللـه 395 ) .
3 ــ مسلم رأى بطش أعداء اللـه بالمسلمين ، أو ناله بعض ذلك ، وتحمل ما لا يخطر في الذهن من ألوان العذاب والخوف والألم ، ثم رأى أن أعداء المسلمين لا يلحقون أذاهم وتعذيبهم بمن يبتعد عن السياسة من المسلمين لذلك آثر السلامة العاجلة ، متعللاً بضعفه أمام الطغاة .
4 ــ ومن الدعايات المغلوطة أن العمل السياسي والتنظيم بدعة ، وهذا إدعاء ينكره الشيخ عثمان عبد السلام نوح في كتابه الطريق إلى الجماعة الأم إذ يقول: ( والذي أعرفه أن السـلفيين لا ينكرون النظام ، بل لهم مسئولون لتنظيم الدعوة والدروس وغيرها ) ( ص 178 ) . ويقول : ( فعلاً إن الجهاد الصحيح لا يقوم إلا بإمارة ونظام وأنه واجب علينا الأخذ بالأسباب وإعداد القوة حسب الاستطاعة ) ( ص 181 ) .
مـنــاقــشـــة :
أما القول الأول فيدل على أن صاحبه يفهم السياسة كما يراها في حياته المعاصرة، وعندئذ لا يلام على ابتعاده عن السياسة ، لأنها في نظره كذب وخداع ونفاق ... الخ ، لكن طلاب العلم لا يعذرون ، وينبغي أن يميزوا بين الإسلام والجاهلية ، في كل شيء ، وخاصة في السياسة .
وأما القول الثاني ، فهو وجهة نظر ، وأصحابها مجتهدون ؛ يثابون مرة واحدة لأنهم أخطؤا الاجتهاد ، إذ لا يكفي أن نربي الأفراد على الإسلام ، بل لابد من ربط هؤلاء الأفراد مع بعضهم لإقامة المجتمع المسلم ، وهذا الربط هو ( السياسة ) ، ويتضح خطأ القول الثاني في أيامنا هذه ، حيث كثر الأفراد المسلمون حتى صاروا أغلبية في بعض المجتمعات ، ومع ذلك يعيشون في مجتمعات تنتشر فيها المحرمات ، ويجاهر بالفواحش ؛ كالربا والزنا والخمور ، وبكلمة موجزة تجد الأقلية غير الملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية ( المنظمة ) تحكم الأكثرية المسلمة ( المتشرذمة ) التي تتمنى تطبيق الشريعة الإسلامية ، تحكمها بغير ما أنزل اللـه .
وأما الفريق الثالث فنسأل اللـه عزوجل أن يجنبنا والمسلمين كافة الفتن ، وأن يشملنا برحمـتـه ولا يبتلينا كما ابتلى هؤلاء الأخوة ، وأن يحفظ تفكيرنا بعيداً عن انفعالاتنا ، وأن يجعل عقـولنا مع كـتابه وسنـة رسوله ، وأن يثبتنا والمسلمين كافة على دينه ، وأن يحيينا على الإسلام ويميتنا عليه إنـه سمـيع مجيــب .
المراجـع : ( حسب ورودها في الموضوع ) :
1 ـ عبد الكريم الخطيب ، الخلافة والإمامة، دار المعرة ، بيروت ، ط2 ، 1975م .
2 ـ الماوردي ، الأحكام السلطانية ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1078م .
3 ـ أحمد شوقي الفنجري ، الحرية السياسية في الإسلام .
4 ـ حسين جابر ، الطريق إلى جماعة المسلمين ، الكويت ، دار الدعوة ، ط1 ، 1984م .
5 ـ عبد الرحمن عبد الخالق ، مشروعية العمل الجماعي ، دار الهجرة بالرياض ، 1989م .
6 ـ ماجد عرسان الكيلاني ، هكذا ظهر جيل صلاح الدين ، التعاونية ، عمان ، 1985م .
7 ـ سعيد حوى ، جند الله ثقافة وأخلاقاً ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
8 ـ عثمان عبد السلام نوح ، الطريق إلى الجماعة الأم ، دار المناربالخرج ، الرياض ، ط2 ـ 1992م .
[1] ـ خالد أحمد الشنتوت ، التربية السياسية في المجتمع المسلم ، دار البيارق ، عمان ، ط1 ، 2000م .، ص12
([2]) العجلوني ، كشف الخفاء ، ( 2/75 ) رواه الديلمي عن أبي هريرة ، وأسنده من طريق أبي نعيم . . وأخرج الطبراني في المعجم الكبير ( 3/209 ) عن ابن عمر قوله ( أحب الناس إلى اللـه تعالى أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى اللـه عزوجل سرور يدخله على مسلم أو يكشف عنه كربة أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً ، ولئن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ( يعني مسجده ) شهراً ، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت اللـه قدمه يوم تزول الأقدام، قال الألباني (وهذا إسناده ضعيف جداً ، لكن قد جـــاء بـإسناد خـير من هذا ، فـرواه ابن أبــي الدنيا في قـضــاء الحـوائج ( ص80 ، ورقم 36 ) ، وابن عسـاكر ( 11/440/1 ) من طرق عن بكر بن خنيس عن عبداللـه بن دينار عن بعض أصحاب النبي ، وإسناده حسن ، السلسلة الصحيحة للألباني ( 2/608 ) رقم (906) .
([3]) ماجد عرسان الكيلاني ، هكذا ظهر جيل صلاح الدين ، ص 54 بتصرف .
([4]) الترمذي ، وقال حسن صحيح غريب (9/10) وفي جامع الأصول (6/669)، قال الأرناؤوط : ورواه أحمد في المسند رقم (114، 127) ، والحاكم في الإيمان من طرق صحيحة ، فالحديث صحيح .