الأَمرِيكِي المُخادِع
الأَمرِيكِي المُخادِع
د.عبد الحق حمّـادي الهوّاس
ذكرتني معارك الفلوجة بإحدى قراءاتي عن الولايات المتحدة الأمريكية، إذ عُرفت أراضيهم بكثرة الأفاعي، إلا أن لديهم أفعى ذات ميزات خاصة، وهي المسماة (bluff snake ) أي الأفعى المخادعة، أو الكاذبة، أو كما نقول في العربية البلاّفة فالتسمية تبدو عربية الأصل .
ولهذه الأفعى طبيعة خاصة، فهي إن شعرت بالخطر انتصبت على مؤخرة ذيلها بارتفاع يصل من 4-6 أقدام إذ تبدأ بسحب الهواء، ونفثه بسرعة، فتُخرج صوتاً أشبه بالهدير فيغدو رأسها بحجم رأس الإنسان مثيرةً الرعب بالخصم .
وكان الناس يتحاشونها، ويهربون من أمامها، وذات يوم تشجع أحد السواح أن ينازلها برمح، وما إن مس الرمح عنقها حتى تضاءلت، وغدت أفعى عادية مسرعة بالهرب والاختفاء، فأطلق الناس عليها منذ تلك الواقعة اسم الأفعى المخادعة، أو الجبانة، أو الكاذبة .
أقول تذكرت صورة هذه الأفعى، وأنا أنظر إلى صورة الجندي الأمريكي المدجج بالسلاح والمعتد بقوامه المديد، وما أطلقه عليه الوزير العراقي السابق محمد سعيد الصحاف من لقب (العلج) لأن العلج في الأصل هو الحمار الوحشي السمين الذي يقضي نهاره بالأكل والشرب، ثم أطلقه العرب على وجهاء الروم والفرس لبدانتهم، ذلك أن العرب تحتقر السمنة، وتفخر بالرشاقة، وكانت البدانة، أو السمنة المفرطة من أقذع الهجاء، فقد بكى عبد الله بن جُدعان من قصيدة خداش بن زهير حين هجاه بالسمنة افتراء، ومنها يقول :
وأنبئت ذا الضرع ابن جُدعان سبني أغرك أنْ كانت لبطنك عُكنةٌ وترضى بأنْ يهدى لك العفل مصلحاً |
|
وأني بذي الضرع ابن جدعان وأنّك مَكْفِيٌ بمكةَ طاعمُ وتحنق أنْ تُجْنى عليك العظائمُ |
عالمُ
لقد ذكرتني الفلوجة بكل هذا، وأنا استمع إلى خبر قادم من العراق يقول : إن قوة مدرعة أمريكية مسنودة بالطائرات المقاتلة والمروحية والمدفعية الثقيلة حاولت اقتحام حي نزال في الفلوجة بعد قصف كثيف، وما إن تقدمت حتى تصدى لها بضعة رجال من المجاهدين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأوقعوا بها هزيمة نكراء دمروا خلالها ست آليات مدرعة وسيارتي همر وأسقطوا طائرتين مروحيتين مما أحدث فوضى وإرباكاً في صفوف المهاجمين جعلهم ينسحبون على غير هدى حيث تمكن اثنان من المجاهدين أن يخترقا الحصار ويصلا إلى ما وراء الجسر فتمكنا من تدمير دبابة وإعطاب أخرى مما جعل القوات المنسحبة تواصل هربها وتراجعها حتى منطقة أبي غريب حيث كان بانتظارها مجموعة من المجاهدين الأبطال فأوقعوا بها خسائر فادحة، فكانت المفاجأة أن هرب جنديان بعد إصابة مدرعتهما فوقع أحدهما أسيراً، وتمكن الآخر قبل أسره من دخول إحدى البيوت ليروي أصحاب البيت ما كان عليه حاله، فقالوا : بأنه كان يرتجف، ويقول لهم خذوا بندقيتي، ولباسي العسكري، وأكثر من ألف دولار كانت معه مقابل ثياب امرأة، وإخراجي إلى تركيا .
، ولا عتب عليه، وإنما العتب كل العتب على المصابين بعقدة الخوف منه، ولو أن فيهم بعض الشجاعة لحركهم صمود هذه المدينة الباسلة التي قُدِّرَ عدد المقاتلين فيها بأقل من ألف مقاتل توزعوا على مداخلها، وساحاتها، وهزموا أكثر من عشرين ألفاً مزودين بأحدث الأسلحة لكن قلوبهم هواء كتلك الأفعى التي تشفط الهواء لتزيد من حجمها وطولها وترهب الآخرين، أفلا يحق لنا اليوم أن نطلق مصطلح (المخادع أو الكاذب أو البلاّف)، لندل به على الأمريكي وأذنابه ؟...