العرب ودول أمريكا الجنوبية

العرب ودول أمريكا الجنوبية

خليل الصمادي

[email protected]

عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين/ الرياض

تساءل كثير من المراقبين عن سر انعقاد مؤتمر القمة الحادي والعشرين في الدوحة مع المؤتمر الثاني لدول أمريكيا الجنوبية والبلدان العربية.

 لم يكن التزامن في انعقاد المؤتمرين مصادفة بل جاء نتيجة تصميم وإرادة وذكاء سياسي ، فليس من السهولة مثلا دعوة الرئيس تشافس لقمة عربية خالصة فانتقادات دعوة الرئيس الإيراني نجاد إلى القمة السابقة ما زال صداها في القمة الحالية،وليس من اليسير أن يجتمع زعماء الدول العربية مع زعماء أمريكيا اللاتينية في وقت واحد نظرا لعدة ظروف تحول دون ذلك ، فالمؤتمر الأول لهذه الدول الذي انعقد عام 2005 في برازيليا الذي لم يكن على المستوى المطلوب إذ جاء التمثيل ضعيفا بين الطرفين ولم ينفذ من التوصيات إلا القليل لذا جاء تزامن هذا المؤتمر مع مؤتمر القمة العربي ليعطي مؤتمر أمريكيا الجنوبية قوة وفاعلية سياسية وإعلامية وشعبية لا سيما انه جاء بعد المواقف المشرفة لعدد من دول أمريكيا الجنوبية من الاعتداءات الإسرائيلية على فلسطين ولبنان.

وتساءل كثير من المراقبين عن سر التقارب الفجائي بين أمريكيا الجنوبية أو اللاتينية مع الدول العربية بعد أن كانت العلاقات بينهما ضعيفة أو معدومة وللإجابة عن هذه التساؤلات لابد من الاعتراف بأن هناك قواسم مشتركة بين العرب ولا سيما المشرقيين منهم ودول أمريكيا الجنوبية فهذه الدول عرفت الهجرات الطوعية من قبل السورين بما فيهم  اللبنانيين والفلسطينيين تعود إلى ما قبل القرن الماضي فقد هاجر مئات الألوف أيام الإمبراطورية العثمانية بحثا عن لقمة العيش واستقروا هناك ومارسوا أنشطتهم التجارية والأدبية وأصدروا العديد من المجلات السياسية والأدبية وأقاموا الروابط والمنتديات العربية لتكون لهم ملاذا في بلاد الغربة القاصية، وقد وصلت أعداهم حاليا إلى الملايين حتى وصل بعضهم إلى سدة الحكم كما وصل  كارلوس منعم إلى رئاسة الإرجنتين ، ولا شك أنهم يشكلون رديفا للقضايا العربية لو أحسن التعامل معهم، وخلال القرن الماضي وبعد اغتصاب فلسطين نشطت الخارجية الإسرائيلية للعمل في دول أمريكيا الجنوبية فأقامت مع بعضهم العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والتجارية، ولم ينجح الحلم الصهيوني في اختراق هذه القارة كما كان يخطط  ففي الخمسينات والستينات من القرن الماضي أقام كثير من دول أمريكيا الجنوبية التي وصل الشيوعيون فيها للحكم علاقات متينية مع بعض الدول العربية ذات التوجه القومي واليساري آنذاك كمصر وسورية واليمن وليبيا وأثرت هذه العلاقات ولا سيما بعد حرب 1967 على الصراع العربي الإسرائيلي ولا شك أن العلاقات بين بعض الدول العربية وبعض  دول أمريكيا الجنوبية توطدت كثيرا بما فيها التمثيل الدبلوماسي والتجاري الثقافي وغير ذلك مع هذه الدول أي ذات التوجه اليساري أو القومي أما الدول لعربية الأخرى فظلت العلاقات بينها ضعيفة.

واليوم وبعد أن تحرر كثير من دول أمريكيا الجنوبية من السيطرة الاقتصادية الأمريكية ومن الحكومات الديكتاتورية تطلع كثير من دول أمريكيا الجنوبية نحو البلدان العربية وطالبوا بتمتين العلاقات الثنائية بين العرب والأمريكيين الجنوبيين وما هذه القمة الأخيرة إلا صرخة للعرب للانفتاح عليهم ، فالعرب ويا للأسف لا يعرفون عن أمريكيا الجنوبية إلا المسلسلات المكسيكية المدبلجة أو أبطال كرة القدم أوالسيكار والكوبي والبن البرازيلي ، أما ما يربط العرب بالأمريكيين الجنوبيين فقلما يعرفه أحد ، فشعبنا وشعوبهم لديهم قواسم مشتركة كثيرة منها أن الشعبين اُستعمر ولم يستعمر وكلانا من دول العالم الثالث ونعاني من  الهيمنة الأمريكية الإمبريالية وهناك كثير من العادات والتقاليد مشتركة ويعزو بعض المؤرخين أن المستعمر الإسباني والبرتغالي الذي ورث الحضارة عن العرب في الأندلس حمل معه بذور هذه الحضارة إلى بلدانهم قبل 700سنة ، ولا شك أن المعاناة التي عاشتها شعوب أمريكيا الجنوبية هي المعاناة نفسها التي عاشتها الشعوب العربية فعلى حد قول رئيسة تشيلي في مؤتمرها الصحفي في الدوحة أنها ابنة مناضل مات في السجن وأنها تعرضت للمعاناة في السجن وتحس بما يحس به الفقراء والمظلومين لذا شرعت في فتح أبواب بلادها للاجئين الفلسطينيين التي عجزت البلدان العربية عن استيعابهم ، ولا شك أن رئيس فنزويلا تشافيس فرض نفسه في البلدان العربية وغدا نجم سياسيا ترفع صورة في كثير من البلدان العربية  بسبب مواقفه من العدوان الإسرائيلي على غزة ومن قبله على لبنان.

 ليس سرا أن نرى حملة منظمة من قبل بعض الكتاب العرب والصحفيين  للتشكيك في هذه المواقف وفي نعت تشافيس وغيره من زعماء أمريكيا الجنوبية بالدكتاتورية والانتهازية ووضع العراقيل التي تحول دون الاتصال بهم ؛ لذا لا بد من فتح الأبواب أمام الجنوبيين من قارة أمريكيا ولا سيما في عهد التحالفات الإقليمية والاقتصادية فصوتان في منابر الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية خير من صوت، وصوتان خير من ثلاثة، ومئة خير من عشرة ناهيك عن إيصال صوت المظلومين إلى أكثر بقاع العالم في زمن التردي الإعلامي المهيمن عليه من قبل الإسراِئيليين وعملائهم.